الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الملكية الفردية في نظام السوق

محمد رضا عباس

2021 / 10 / 18
الادارة و الاقتصاد


عوامل الإنتاج أربعة في نظام السوق: العمل، الأرض، رأسمال، والإدارة. صناعة سيارة تحتاج ايدي عاملة، مواد أولية أساسها الأرض، مكائن للقطع والصب والتركيب، وإدارة تقرر كيفية انتاجها وتسويقها. وإنتاج التمور يحتاج الى ارض وفلاح (عامل) وأدوات للتلقيح والقطف حين نضوجه وإدارة تخطط لتسويقه وبيعه.
ان ملكية هذه الوسائل تحدد نوع النظام الاقتصادي السائد في البلاد. فعندما تمتلك الدولة هذه الوسائل، يعني ان النظام الاقتصادي لهذه الدولة هو نظام القطاع العام، حيث ان الدولة هي المسؤولة عن انتاج السلع والخدمات، كما كان معمول به في الدول الاشتراكية. اما إذا كانت الملكية لهذه الوسائل يعود الى الافراد، فان النظام السائد في هذه الدولة يسمى النظام الرسمالي او نظام السوق، حيث ان الافراد وليس الدولة من يقرر حجم ونوع السلع والخدمات في السوق وان السوق صاحب السلطة على الأسعار. على سبيل المثال، المنتج الذي لا يستطع تقليص كلفة انتاج بضاعته لتقابل سعر بضاعة منافسه لها لا يستطيع الاستمرار في الإنتاج وبمرور الزمن سوف يخرج من السوق بعد ان تتراكم خسائره، وبالتالي لا يبقى في السوق الا المنتجين الاكفاء الذين يستطيعون انتاج منتوج معين بأقل التكاليف.
بعيدا عن السياسة وتهويلاتها، فان كلا النظامين (الرأسمالي والاشتراكي) اثبتا نجاحهما في إدارة اقتصاد المجتمع ورفع المستوى المعاشي فيه، وان ما توصلت له المجتمعات الاشتراكية من تقدم ورفاه لا يقل كثيرا عما توصل له نظام السوق من الرقي والرفاهية. على سبيل المثال، ان النظام الاشتراكي هو الذي صنع من روسيا الفقيرة الفلاحية الى دولة صناعية عظمى وأصبحت قوة عالمية ارعبت العالم في ظرف خمسين عاما.
وعندما تكون ملكية وسائل الإنتاج مشتركة بين القطاع الخاص (الأهلي) والقطاع العام (الحكومي) فان هذا النظام الاقتصادي يسمى بالنظام المشترك او المختلط، وخير دليل على ذلك هو النظام الاقتصادي في الدول الإسكندنافية، حيث ان الدولة تتعاون مع القطاع الخاص في تقرير حجم الإنتاج وتسويقه. هذا ولم تطبق الدول الاشتراكية المبدئ الماركسي القائل " الكل حسب طاقته.. الكل حسب حاجته " , لان هذا المبدئ قد يكون ملائما تطبيقه على العائلة , الا انه من المستحيل تطبيقه على المجتمع. الطفل في العائلة يحصل على كل ما يحتاجه بدون متاعب العمل، لإنه طفل، الا ان توفير كل ما يحتاجه المجتمع وهم جالسون في المنتزهات والمقاهي، فهذا من غير المعقول وغير المنطقي. أبناء المجتمع يجب ان يعملوا من اجل توفير ما يحتاجونه، وبدون عمل لا تتحرك عجلة الإنتاج ولا يعم الرخاء الاقتصادي.
نظام السوق يسمح لمالك وسائل الإنتاج التصرف بها كيف يشاء، نقلها من مكان الى اخر، بيعها، او تركها لورثته. العامل له الحق باختيار العمل الذي يناسبه وفي المكان الذي يريده. نظام السوق يسمح للفرد اختيار مهنته، فلا يفرض على فرد او مجموعة من الافراد التخصص في عمل دون غيره. من يرغب ان يكون فلاحا لا تستطع الدولة تحويله الى عامل في مناجم الفحم، ومن يرغب ان يكون عاملا في أحد مناجم الفحم لا يمكن للدولة نقله الى عامل صنع اثاث. هذا مع العلم، ان الفرد لن يستطع ان يكون طبيبا بدون تملكه المؤهلات اللازمة لدخول أحد المعاهد الطبية، ولا يحق مواطن ان يكون منتسبا لجهاز الشرطة بدون مؤهلات علمية والياقة البدنية.
نظام السوق يشجع على تحقيق اعلى الأرباح الممكنة، ولهذا السبب فان نظام السوق اشتهر بكثرة الاكتشافات والاختراعات، حيث من المعلوم ان الإنتاج الجديد يحقق اعلى الأرباح ويجعل من الشركات المنتجة لها القائدة في السوق لفترة قد تطول كثيرا. وفي حالة عجز شركة معينة الوقوف امام المنافسة او تحقيق أرباح يرضي حملة أسهمها، فان لهذه الشركة الخيار بالدمج مع شركة أخرى او بيعها. في نظام السوق هناك ضمانة ان لا أحد يستطع الاستيلاء على ملكية شخص اخر، الا بقانون او امرا من المحكمة.
الملكية الشخصية لا تشمل فقد الموجودات الملموسة وانما تشمل جميع الممتلكات الثقافية مثل القصة، الشعر، المسرحية، اللوحات الفنية , والبرامج الالكترونية. من يكتب قصة لا يستطع اخر تجييرها لنفسه وان هذا الشخص سيكون تحت طاولة القانون. هذا ينطبق داخل وخارج حدود دولة المنتج الثقافي. على سبيل المثال، ان من أكبر المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة الامريكية مع الصين ودول أخرى في جنوب شرق اسيا هو انتاج وبيع نسخ من البرامج الالكترونية المنتجة في الولايات المتحدة الامريكية بدون اذنها، مما يعرض أصحاب هذا الإنتاج الى خسائر فادحة.
الملكية الفردية تمنع الاستعمال غير المنضبط او الجائر للموارد الاقتصادية كما هو حال الملكية العامة. عدم تنظيم عمليات صيد الأسماك في الأنهر والبحيرات (ملكية عامة) قد يودي الى انقراضها، لان من مصلحة كل صياد صيد أكبر عدد ممكن من الأسماك وليس من مصلحته الاعتناء بالثروة السمكية الموجودة في الأنهر او البحيرات. الكثير من الحيوانات البرية قضى نحبه ولم يعد يظهر منذ الالاف السنين، فيما ان البعض الاخر منهم ينتظر نحبه لأسباب كثيرة منها طبيعية والأخرى من صنع البشر، الصيد الجائر. كان عام 1925 هو اخر عام لأسد العراق وهو يجوب ارضه بحرية بعد ان اصطادوه ورموه في قفص. يقول ناقل الرواية وهو مراسل مجلة الجغرافية الوطنية الامريكية "National Geography" انه ذهب الى النجف الاشرف واختار أحد الخانات للنوم فيه، الا انه لم يستطع النوم بسبب زئير ذلك الأسد الأسير في قفصه. بعد ذلك العام لم تظهر رواية أخرى تؤكد وجود اسد اخر في العراق، وهي إشارة الى نهايته من ارض الرافدين.
عندما دخل الاوربيون أمريكا الشمالية كان هناك حوالي 60 مليون من الثور الأمريكي يتجول ويرعى في براري القارة، الا ان الصيد الجائر لهذا الحيوان قد قلص عدده عام 1900 الى 400 فقط، وكاد ان ينقرض تماما لولا تدخل الحكومة الامريكية لإنقاذ حياة من تبقى منهم ووضعهم في محميات حكومية. الفيل الافريقي ما زال يعاني من الاصطياد الجائر طمعا بأنيابه الثمينة. ومع هذا فان ليس كل الحيوانات التي لها قيمة سوقية وتجارية تعاني من الصيد الجائر والانقراض. البقر، على سبيل المثال، يشكل مصدر غذائي مهم للبشر، ولكن لا أحد يقول ان البقر سينقرض قريبا. بالحقيقة ان الطلب المتزايد على لحم البقر يؤكد ان هذا الحيوان سوف يستمر وتكبر اعداده والسبب هو الملكية الفردية لهذا الحيوان الذي تحميه من الانقراض.

نقل الموضوع من كتابي : محمد رضا عباس , محاضرات في اقتصاد السوق مع إشارات حول الاقتصاد العراقي , أوراق, 2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24


.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و




.. تقرير أميركي: طموحات تركيا السياسية والاقتصادية في العراق ست


.. إنتاج الكهرباء في الفضاء وإرسالها إلى الأرض.. هل هو الحل لأز




.. خبير اقتصادي: الفترة الحالية والمستقبلية لن يكون هناك مراعي