الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زوج .. أبو عين زايغة ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2021 / 10 / 19
الادب والفن


أكثر ما كان يغيضها في زوجها مصطفى .. أنه يكون اكثر مرحاً وبشاشةً عندما تزورهم حلومة جارتهم الحلوة .. لسانه يزداد عذوبة ، ونُكته تتعدد ، ويذوب صوته رقةً ، ووجهه يحفل بابتسامة لا حدود لعذوبتها .. كيف تخرج كل هذه السعادة من ملامحه التي كانت قبل لحظات متجهمة باردة ؟ لا تدري .. ! حتى حركته تزداد خفة ، وتنطلق من لسانه حكايات ونوادر لم تسمعها منه طوال حياتها معه !
عكس ما يبدو عليه عندما يجتمعان على التلفزيون .. واجم .. يمط شفتيه ويلوي بوزه ، ويُشغل نفسه بتحويل القنوات ، وعندما يقع نظره على مغنية أو مذيعة جميلة تتسمر عيونه ، وينسى نفسه .. حتى وهي تصيح به أن يغير القناة .. لا يسمعها كأنه في ملكوت آخر !
ما الذي يعيبها حتى لا يُطيق النظر اليها ، ولا يود مسامرتها والحديث معها إلا في أضيق الحالات .. ؟ أكثر من مرة تُمسكه ، وهو يلكز وسادتها ليبعدها عن وسادته ، وكأنه لا يطيق أن تقترب منه حتى في الفراش .. ألهذا الحد بات ينفر منها ، ولا يطيقها .. ؟!
تنسحب الى غرفتها وتنفرد بنفسها .. تقف امام المرآة .. تدور حول نفسها مستعرضةً جسدها فوق الثقيل ، تنظر الى ساقيها وذراعيها ، فترى كتل الشحم الفائضة تتدلى ، وتنظر الى وجهها الذي إزداد انتفاخا ، واصطبغ بلون الدم كأنه حبة طماطة !
اما جسدها فلا يبدو على حقيقته الا عندما تخلع ملابسها .. لم لا .. تخلع .. لا يهم .. تقف عارية امام المرآة .. تصاب بالهلع حتى تكاد تبكي مما ترى من جسدها المشوه .. تتدلى طياته طية فوق طية عند الصدر والبطن والجوانب والساقين .. اما الخلفية فحكاية أخرى لوحدها !
اذن لا تبدو طيات الشحم هذه الا عندما تخلعين يا هداوي ثيابك حتى آخر قطعة ، وأنتِ بالتأكيد تضطرين الى خلعها عند العلاقة الحميمة ، واكيد هذا الملعون مصطفى يرى كل شيء أمامه واضح جلي ، واكيد ايضاً يقارن بين ما يراه ، وبين جسد حلومة الرشيق المتناسق .. يا ربي .. ! ماذا تفعل امام هذا البلاء المفاجئ الذي أتت به هذه المخلوقة ؟
كله من يدها .. الذنب ذنبها والغباء غباءها عندما قربتها وشجعتها على زيارتهم .. لكنها معذورة ، فلم تكن تعرف ان زوجها - ابو وجهين - الذي يبدو امامها صارماً ثقيلاً محتشماً رزيناً .. يودع وقاره بسهولة عندما يرى حلومة ، وفي ثوانٍ معدودة يخف وزنه ، ويتحول الى خرقة بالية !
بمجرد ما يسمع صوتها يسارع بحجة او بدونها ، وبدون ذرة تردد أو حياء الى الانضمام الى الجلسة ، ويحشر نفسه حشراً رغم احتجاجها الصامت ، ونظراتها التي تبخ ناراً ، ورغم ان المواضيع التي تدور في اللقاء حريمي مائة في المئة .. الا انه كالمغيَب يواصل حركاته الصبيانية ، وتخرج من جرابه معلومات نسائية لا تعرفها حتى أعتق وأعرق النساء خبرةً وانخراطا في هذا المضمار !
لا يهتم بها ولا كأنها موجودة .. فكل حديثه ونظراته مسددة الى وجهة واحدة : حلومة .. فهي الدنيا وكل ما عداها لا شيء .. احياناً تعترض نظراته في منتصف طريقها ، وتُمسكه وهو يسددها الى ساقيها ونهديها وباقي أعضاء جسدها .. لا يترك فرصة للتنكيت إلا وانتهزها .. يروي نكاته البايخة التي لا يقهقه لها أحد سوى حلومة .. أما هي فتكاد تطق ، وتنفجر من الغيظ !
هذا المنافق هو الذي اوصلها الى ما وصلت اليه .. لقد كانت رشيقة كعصا الخيزران .. خفيفة كنحلة .. جسدها ملفوف مشدود ، وخصرها ضيق كخصر صبية ، وكان الجميع يضربون المثل في جمالها وجمال جسمها .. عندما اخبرها بعد الزواج انه يحب المرأة الممتلئة المربربه ، فانساقت بغباء مع رغبته هذه لانها تحبه ، وتريد ان ترضيه ، وبعد ان نسيت نفسها وسط دعوات الاهل والاصدقاء .. مستمتعةً بأكل المطاعم حتى استيقظت يوماً فوجدت نفسها ، وقد ساحت ، وتخطت مرحلة السمنة الى مرحلة البدانة ..
ثم يبدء بعد ذلك الافندي بالسخرية من بدانتها ، ومن جسدها الذي يتحمل مسؤولية تشويهه هو وحده ولا أحد غيره .. ! ما أكثر ما كان يسخر من وزنها عندما يهتز بهم الفراش .. تلك الهزات المنتظمة اثناء المعاشرة ، ويدعوها بخبث الى ان تترفق ، وتكون رحيمة بهم ، وبالسرير المسكين حتى لا يتداعى بحمله الثقيل على الأرض !
وتمر الايام بالزوجة ، وهي تتلظى بنار الغيرة ، والزوج الذي لم يعد عنده اهتمام إلا متى تأتي حلومة ليراها ويتمتع بجمالها .. لكنها تنقطع بشكلٍ مفاجئ عن زيارتهم .. فترى الزوجة زوجها ، وهو يتحرق شوقاً لرؤية حلومة كشوق العطشان الى شربة ماء بعد عطشٍ شديد .. منظرٌ كان في الحقيقة يُمتعها ، ويُدخل السرور الى نفسها .
يبقى الزوج في حيرة .. فهو من ناحية يرغب في سؤال زوجته عن المانع لكنه يخاف العواقب .. ومن ناحية أخرى لا يستطيع سؤالها عن شيءٍ لم تتطوع هي لقوله حتى لا يثير الشكوك .. أيمكن ان تكون هذه المجنونة بدافع الغيرة قد طردتها ؟ لم لا .. ممكن !
يواصل تسقطه للأخبار من خلال ثرثرة زوجته التي عمره ما كان يستمع لها أو يعيرها أي اهتمام .. إلا هذه الايام لعله يحظى بخبر سار يتسرب سهواً يبرِّد النار المشتعلة في اعماقه .. !
يحاول ان يمرر كلمات ذات مغزى يدعوها فيها بشكل غير مباشر الى ان تذهب ، وتتفقد جارتهم لكنها لم تعبِّر أي كلمة من كلماته .. واذا بالصبر يوماً يصل به الى منتهاه .. فيقول بتملق واضح :
— حبيبتي هدى .. هداوي .. !
— نعم ..
— الله ينعم عليكِ .. !
ما هذه الرقة .. ! وما هذه النعومة .. ! التي تبدو كثمرة في غير موسمها .. ! ثم مستأنفاً كلامه :
— ما أخبار جارتنا .. ( كأنه يتذكر ) نسيت اسمها .. لم نرها منذ فترة .. عسى أن يكون المانع خيراً .. ؟!
أيا ملعون .. يا خبيث .. نسيت اسمها مرة واحدة .. ! آخ من الرجال وغباء الرجال ، والاعيبهم الطفولية المكشوفة ! تعرف جيداً أنه يكذب .. بل يتنفس كذباً ، وتُدرك ان الضعف البشري كامن في كل النفوس لكن ليس الى هذا الحد !
تقرر الزوجة فعلاً ان تذهب ، وتطمئن على الفتاة لِما تقتضيه اصول الصداقة والجيرة .. تحس بالفرحة تملأ قلبها عندما تفاجئها صديقتها بخبر خطبتها وان الزواج قريب ، وانهم سيكونون اول المدعوين .. تعود بهذا الخبر السار جداً لها ، والتعيس جداً للزوج الذي لن يرى حلومة بعد اليوم .. خلاص تحولت الى سراب بعد ان كانت حقيقة شاخصة أمامه يتمتع بجمالها كل يوم او بين يوم وآخر بالكثير .
ويأتي اليوم التالي ، وتعود الحياة بهم الى سيرتها الاولى .. بعد زواج حلومة ، وسفرها مع زوجها الى مدينة أخرى ، وتمر الايام وتدخل هداوي الجم ، وتقوم بعمل تمرينات رياضية مكثفة ، وتحاول ان تزيل شيئاً من هذه الشحوم الكريهه التي باتت فعلاً تكبلها وتكبل جسدها ، وبمرور الأيام تخسر شيئاً من وزنها ، وتعيد لنفسها اعتبارها وثقتها ليس امام زوجها والناس فقط ، وانما الاهم امام نفسها .
وتمضي الشهور وتعود حلومة من البعاد لتزور أهلها .. تُسرع هداوي لزيارتها .. يصدمها ما رأته من الفتاة التي كانت يوماً الأجمل في الحي كله .. أصبحت أمرأة بدينة بل اكثر بدانة منها ايام كانت تعسة بوزنها الثقيل .. زادتها السمنة قِصراً ، فبدت وهي تسير ، وكأنها تتدحرج ككرة الثلج .. ! لم تتمالك نفسها .. فضحكت حتى كادت أن تنفجر ، وتَعجبت لدورة الايام ، وتقلبات الزمن !
والآن يسرها ويشرفها كثيراً أن تتحكم في المشهد القادم والاخير عن بعد ، وتتولى مهمة إخبار زوجها .. لكن بطريقتها الخاصة .. تضحك في سرها ، وتبني صوراً كاريكاتورية للحظة اللقاء ، وما سيكون عليه انعكاس صورة حلومة بلوكِّها الجديد على ملامحه .. اكيد ستكون لحظة من اللحظات التي لا يجود الزمان بمثلها كثيراً ، فالى تلك اللحظة ومتعتها يا هداوي :
— مصطفى .. حبيبي .. أتذكر جارتنا حلومة .. ؟
يتفاجأ .. تُهيِّج المفاجأة في لحظات معدودة كل أحلامه القديمة وتغذيها ، وهل نسيها حتى يتذكرها .. ؟! وعندما يصل اسمها الى مسامعه يخيل اليه ان قلبه يكاد يقفز من بين ضلوعه من فرط السعادة والسرور .. لكنه يتماسك .. ثم وكأنه يتذكر :
— ها .. نعم ما بها .. ؟ ( متظاهراً بعدم المبالاة )
— أمس جاءت لزيارة أهلها ، وتريد أن تأتي وتسلم عليك .. !
يلجأ ايضاً الى عدم مبالاته المفضوحة ، وهو يكاد يهز الوسط طرباً على انغام هذه الاخبار الحلوة :
— اهلاً بها .. تشرف في أي وقت !
— اليوم العصر .. اذا ما عندك مانع .. ؟
مانع .. ؟! ماذا تهلوس هذه المخبولة :
— ها .. مانع .. لا لا .. ماكو أي مانع !
لكنه في أعماقه يكاد يطير من الفرحة من غير جناحين .. ينتفض جسده ترقباً لمائدة شهية من المتعة الحسية المرتقبة ، يا لسعادته .. ! وياله من يوم رائع الذي سيرى فيه حلومة بعد صيام طويل !
وتأتي حلومة الجديدة ، وتأتي معها لحظة الحقيقة التي لم يكن مصطفى المسكين يتوقعها ، ولم يكن مستعداً لها .. يخف فوراً ، ويأخذ المسافة قفزاً الى غرفة الضيوف للسلام عليها ، والتمتع بجمالها الذي حرمته المسافات منه شهوراً طويلة .. !
يدفع الباب بهدوء وبلهفة ، ويدخل على استحياء .. مستدعياً ابتسامة هادئة على شفتيه ، وهنا تكون الصدمة الحقيقية .. يجدها واقفة أمامه .. تتصفح عيناه وجهها بعيون لا ترمش ، وقد عقدت الدهشة التي بدت واضحة على ملامحه المصدومة أيديه وأرجله ، فيبقي مزروعاً في مكانه لا يتحرك .. تبادره زوجته بمكر وخبث :
— طبعا تعرفون بعض .. لا ضرورة للتعارف .. ! ( وهي تحبس أنفاسها بصعوبة لتكتم ضحكة تخاف أن تفلت منها رغماً عنها ) .. ثم تجول ببصرها بينهما لترى وقع كلماتها عليهما .. يتمتم وهو شارد الذهن محاولاً التغلب على جفاف حلقه ثم يقول بتوتر :
— لا داعي ..
يمتلئ قلبها شفقةً عليه .. فهو رغم كل ما حدث ، وما عمله بها .. أولاً وأخيراً .. زوجها وولدها العاق الذي تحبه ، وتتمنى له أن يعود الى جادة الصواب .. !
كان بحاجة الى قرصة لاسعة توقظه ، وتعيده الى ارض الواقع .. ينطفئ حماسه ، ويحاول أن يكسب ملامحه كل ما يملك من جد .. ثم يُسلِّم في برود ، ويعزم عليها عزومة مراكبية كما يقولون في أن تبقى على العشاء .. يستدير على اعقابه ، ويغادر الغرفة ليعود من حيث أتى .. ساهماً مشدوهاً يعتري وجهه الوجوم .. مطرق الرأس لا يرفع بصره ، ولا يلتفت .. تموت الابتسامة على شفتيه ، ولا حتى يُطلق نكتة واحدة من نكاته المعادة التي جهزها لهذه المناسبة .. يظل وهو سائر يتطلع في الهواء .. في الفراغ .. اللانهائي .. !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا