الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نشأة الحركة النقابية العمالية العالمية

سلامه ابو زعيتر

2021 / 10 / 22
الحركة العمالية والنقابية



22/10/2021
نشأة الحركة النقابية العالمية والبدايات
د. سلامه أبو زعيتر
شهدت الحركة العمالية والنقابية العالمية تطورات منذ نشأتها حتى يومنا هذا، فقد مرت بالعديد من المراحل منذ نشأتها وظهور الثورة الصناعية وانتقل المجتمع من النشاط الزراعي للنشاط الصناعي، والذي صاحبه التطور بالوسائل الإنتاجية والاختراعات والاكتشافات التي جعلت للأيدي العاملة دورا طليعيا في عملية الإنتاج، وتزامن مع ذلك ظهور النظام الرأسمالي القائم على "الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، والساعي لتعظيم المنافع والمكاسب المادية بكل الطرق، متبنيا الفكر الرأسمالي الذي يقوم على مبادئ تتفق مع مصالح الطبقة الرأسمالية، وفق مذهب (حرية العمل)، الذي نادى به ادم سميث في كتابه ثروة الأمم، فرفض تدخل الحكومة في الاقتصاد، ونادى بوجوب تركه لقوى العرض والطلب ، والذي بموجبه لا تتدخل الحكومة في علاقات العمل وما بين العمال وأصحاب العمل، وترك التعاقد للطرفين بإرادتهما بدون قيد أو تدخل او رقابة؛ ما أسس لاستبداد وتسلط المشغلين وأصحاب العمل، بفرض شروط عمل مجحفة وأجور متدنية، وساعات عمل طويلة، مما أسس لاحتكاك وصدام وصراع على المصالح والحقوق بين العمال وأصحاب العمل، وظهرت في أروبا اول مظاهر للتنظيمات النقابية، فكانت في بريطانيا أول الحركات العمالية سنة 1720 وتكونت الجماعات الأولى للعمال والحرفيين، تحت تسمية الجمعيات مثل:(جمعية الخياطين) في لندن و(جمعية عمال الصناعات الصوفية)، وبرزت الاتحادات المهنية المطالبة بحقوقها أمام البرلمان لأول مرة في محاولة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية من خلال الانتفاضات والمظاهرات والإضرابات العفوية والمتكررة من مجموعة عمال المناجم في ويلز 1939، وتبعها أحداث "ميرلاند" سنة 1841، بالإضافة إلى انتفاضة 1849 بانجلترا ثم تحولت هذه المظاهرات العفوية إلى إضراب عام، حيث شارك فيه نصف مليون عامل، وقد دمج هذا الإضراب بين المطالب السياسية والاقتصادية كما نتج عن هذه الانتفاضات والإضرابات والمظاهرات إنشاء تنظيمات نقابية تهتم بالدفاع عن مصالح العمال والدفاع عن حقوقهم .
وتزامن ذلك في فرنسا مع ظهور التعاونيات التي تسعى لتحسين الأجور، ورافق ذلك تشكيل "الزماليات الفرنسية التي كانت تضم عمالاً من أوساط مهنية مختلفة متجاوزين بذلك حدود المهنة، وكان قانون(لوشابليه) عام 1791م أحد النصوص الأولى التي أشارت إلى وجود تنظيمات الأُجراء الدائمة في فرنسا، وفي ألمانيا لم تولد النقابة التعاونية كما هو في فرنسا، ولكن بتأثير من فرنسا بدأ عمال بعض الحرف وعلى الأخص أولئك الذين يعملون في صناعة القبعات بإقامة تنظيمات عمالية كانت على شكل نقابات وبدأت الأشكال النقابية بالظهور .
لم تكن في الولايات المتحدة الامريكية حركات عمالية بالمفهوم الحقيقي، فكانت بلدا زراعيا بامتياز نظراً لاتساع أراضيها، ان الصراع كان قائما بين شمال يتميز بالديمقراطية النمو وجنوب عكس ذلك، فكانت الدعوات لتوحيد أمريكا وتحقيق العدالة، حتى قضية هاي ماركت في مصانع شيكاغو سنة 1886، وهو الاضراب الذي طالب فيه العمال بحركتهم الاحتجاجية، تخفيض ساعات العمل الى ثمانية ساعات ورفع الأجور وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والمهنية، الامر الذي لم يروق للسلطات وأصحاب العمل بما حقق من نجاحات شلت الحركة الاقتصادية، فدفعوا الشرطة لإطلاق النار على المضربين وراح ضحية هذه الاحتجاجات عدد من العمال، مما حول قضيتهم لقضية عالمية، فقد أحيت العاصمة الفرنسية باريس في المؤتمر الأول للأممية الاشتراكية عام 1889 تخليدا لذكرى الضحايا من العمال، وأصبح الأول من أيار عيداً دولياً للعمال ومنبرا للإنجازات الاجتماعية والاقتصادية للحركة العمالية، ويوماً كفاحياً للعمال والحركات النقابية والاجتماعية لإبراز مطالبهم وانجازاتهم.
تجاوزت التنظيمات العمالية، والتنظيم النقابي الحدود القومية أخذت طابعا دوليا تخطت الحدود الدولة الواحدة من اجل حماية الطبقة العاملة ورفع شعار " يا عمال العالم اتحدوا"، وتنادت النقابات في العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الاولي لتأسيس اتحاد نقابي عالمي يجمع كل النقابات في العالم، وقد تأسس اتحاد النقابات العالمي في باريس 1945بدعم من الكتلة الاشتراكية، مما دعا الكتلة الرأسمالية ممثلة في أوربا الغربية وامريكا لتأسيس الاتحاد الدولي للنقابات الحرة.
ثانيا/ نشأة الحركة النقابية في العالم العربي:
استطاعت الحركة العمالية والنقابية العربية ان تمتد بجذورها بين صفوف العمال العرب، وارتبط جزء من نضالها بمواجهة الاستعمار ومعارك التحرر، والاستقلال الوطني من خلال مشاركة العمال في النضال السياسي والاجتماعي ومكافحة الاستغلال والتسلط الاقطاعي والرأسمالي، والثقافة البالية الموروثة من عهود الاستعمار وتداعياتها وأمراض اجتماعية، فكانت الاسبق في تكوينها من الأحزاب السياسية، ولعبت دور كبير بتأسيس تحالفات واسعة شكلت أساسا للمجتمع المدني .
بدأ تشكيل وتأسيس النقابات العمالية العربية ما بين نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وقد تميز بانها جزء من حركة التحرر ضد الاستعمار، وبعد الاستقلال تحولت هذه النقابات، أو الاتحادات العمالية إلى مؤسسات جماهيرية ضخمة وقوية، لا يزال بعضها يلعب دوراً هاما في حياة شعوبها، سواء من حيث دورها السياسي أو دورها المطلبي بين صفوف العمال .
بدأت التشكيلات العمالية في مصر أبان الاحتلال البريطاني في عام 1882، مع بدايات انشاء المشروعات الصناعية وشركات احتكار في مجال الخدمات كالمياه والكهرباء ومرافق النقل، وقامت على هامشها ورش ومصانع صغيرة وحولها بدأت تتجمع قوي جديدة من العمال الذين عانوا من سوء المعاملة وانخفاض الأجور وزيادة ساعات العمل، مما دفع بعضهم لتشكيل تكتل وتجمع يعبر عن مصالحهم، ويتولى الدفاع عن حقوقهم، فكانت أول نقابة من عمال السجاير في عام 1899 وسميت " بنقابة عمال السجائر المختلطة" لانضمام عمال أجانب إليها، ثم تشكلت " نقابة عمال الترم" في عام 1908 وبعدها " نقابة عمال الصنائع اليدوية في عام 1909 " وبلغ عدد النقابات في عام 1911 أحدي عشرة نقابة تضم 6 آلاف عامل، وخاضت بعض النقابات فعاليات وأعلنت الاضراب منها نقابة عمال السجائر في عام 1899، ونقابة عمال الترام 1908، وكان موقف الحكومة سلبيا تجاه الصراع بين النقابات العمالية وأصحاب المشاريع، مما أضعف موقف العمال ودهور حالتهم النضالية .
أما في سورية بدأت ملامح تكوّن الطبقة العاملة تأخذ صورتها الحقيقية والمستقلة في المجتمع مع بزوغ فجر النهضة الصناعية، وإنشاء معمل الإسمنت في دمشق عام 1928 ومؤسسة "ترامواي وكهرباء دمشق" وأخذ الوعي العمالي يتنامى ويتطور، وبدأ نضال الطبقة العاملة يتصاعد ويبلور التنظيم النقابي في ظل ظروف صعبة سياسية واقتصادية وتوج هذا النضال بتأسيس الاتحاد العام 1938، والذي ساهم في تعزيز وحدة الطبقة العاملة، ودمجها في معركة التحرر الوطني، وتنظيم علاقات العمل وحماية العمال، ولاسيما بعد ازدياد حجم الاستثمارات الوطنية في مجال صناعة الغزل والنسيج والكبريت وغيرها ، وذلك بالسعي لإصدار قانون للعمل يوفر للعمال الحماية القانونية ومع بداية الاستقلال في عام 1946.
أما في دولة العراق فقد ظهرت مع بداية الحكم الملكي، استناداً للقوانين العثمانية السابقة والتقاليد الدستورية المتبعة في الدول الأخرى، فكانت قرارات الحكومة تجيز تأسيس النقابات، وتشكلت منها: نقابة المحامين 1918، الجمعية الطبية العراقية 1921، وجمعية العمال 1928، وجمعية تعاون الحلاقين 1929، وجمعية عمالية "جمعية أصحاب الصنائع في العراق 1929.
أما دول المغرب العربي فقد تأثرت بشكل كبير بتطور الأوضاع في فرنسا بعد الحرب العالمية الاولي فكانت نشأة الحركة النقابية المغربية التي تبعت تأسس تعاضدية البريديين عام 1916، كأول تنظيم تعاوني بالمغرب، حيث قامت بتأسيس ثلاثة تجمعات مهنية وهي: الجمعية العامة لموظفي الحماية 10 مايو 1919، وتجمع عمال ومستخدمي الشحن والإفراغ المغربي 8يونية 1919، اتحاد وداديات شغيلة الكتاب بالدار البيضاء 10يوليو 1919، وتبعها تشكيلات نقابية أخرى ناضلت من أجل تحقيق المطالب الأساسية ومنها الاعتراف القانوني بالحق النقابي، العطلة الأسبوعية و يوم عمل من 8 ساعات....الخ
شكلت الحركة النقابية العربية في الوطن العربي تحالف عمالي قوي أسس الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب عام 1956م، كمنظمة نقابية قومية شعبية تضم المنظمات النقابية العمالية العربية في المستوى القومي، وقامت بالتوقيع على ميثاق شرف تاريخي عام 1960 م، يحدد خطوات أساسية نحو تكوين حركة عمالية عربية موحدة تجسد وحدة الأمة العربية، ووحدة نضالها .
ربطت الحركات النقابية والعمالية بين القضايا الاقتصادية والسياسية في نضالها لتحسين أوضاع العمال الاقتصادية، كما كانت في طليعة العمل النضالي من أجل الاستقلال والحرية من الاستعمار، وانتزعت الاعتراف بها في المجتمع الدولي، انسجاما مع الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة (23 الفقرة 4) لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966م في (المادة 8 الفقرة/أ ) حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفي الانضمام إلى النقابة التي يختارها دون قيد سوى قواعد المنظمة المعينة على قصد تعزيز مصالحه الاقتصادية والاجتماعية وحمايتها ولا يجوز إخضاع هذا الحق لأي قيود غير تلك التي ينص عليها القانون ويشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي والنظام العام حماية لحقوق الآخرين وحرياتهم.
* باحث في الشئون النقابية والعمالية


المراجع:
1. ويكيبيديا: موقع الكتروني، ثروة الأمم، الأربعاء، 1/9/2021، الساعة 10 صباحا، https://ar.wikipedia.org/wiki
2. أحمد علي: نشأة الحركة النقابية، مقال منشور على موقع الكتروني، الحزب الشيوعي السوداني، بتاريخ 4/5/2017،
3. ايمان ونوسي: نظرة في تاريخ النقابات العمالية، مجلة النور، العدد974- 1/09/2021، موقع الكتروني، https://alnnour.com/?p=61634
4. سلامه أبو زعيتر: دور النقابات العمالية في التنمية البشرية، رسالة دكتوراه غير منشورة، معهد البحوث والدراسات، 2014، ص71-72.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صدامات بين طلبة والشرطة الإيطالية احتجاجا على اتفاقيات تعاون


.. التوحد مش وصمة عاملوا ولادنا بشكل طبيعى وتفهموا حالتهم .. رس




.. الشرطة الأميركية تحتجز عددا من الموظفين بشركة -غوغل- بعد تظا


.. اعتصام موظفين بشركة -غوغل- احتجاجا على دعمها لإسرائيل




.. مظاهرات للأطباء في كينيا بعد إضراب دخل أسبوعه الخامس