الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نشيد الحياة

ميادة لوباني

2021 / 10 / 24
الادب والفن


(1)
كان عليّ أن أدفن رأسي في رمل هذه الصحراء الممتدة نحو المجهول، لا ألوي على شيء سوى رغبتي في العثور على كوّة في الجدار الرمادي الفاصل بين الوعي والغياب، أعبّ من الهواء النقي ما استطعت وأعدو في ذاكرة لا أقوى على إدراكها إلا وأنا مستلق تحت شجرة الخرّوب التي أثقلتها مواسم الموت والولادة .
كانت تقف بالباب الحديدي القديم شامخة، وفي صوتها الخفيض حزم وفي ألوانه حزن لا يعرفه أحد غيري. لم أرها منذ أن غادرنا ابراهيم وكانت لا تقول من الكلام إلا أجوده ولا تطرب إلّا للناي وصوت الريح. كانت الريح بالنسبة لها خير مسافر وكان العمر زهرًا ذبُل حين حطّ الفراق أرض دارها.

(2)
انتفضت واقفة معلنة في سرّها حربًا أرادتها شرسة لا ترحم ولا هوادة فيها. انتظرت برهة بعد أن لامست هامتها الطويلة سقف مكتبة انهال أحد رفوفها منذ سنين وكانت كلما رغبت في إعادته إلى حيث كان من الثبات والحضور أصابها كسل وخمول وقالت غدا أَنزِل السلّم الحجري خلف البيت حيث يقبع المخزن بكلّ محتوياته وعدّة العمل التي نسيت شكلها.
خطف بصرها الحاد إسم كتاب يطل بثلثه نحوها ، إقتربت أكثر كي تقرأ العنوان وتتبيّن ملامحه. غاب كلّ شيء وانهال عدد لا يحصى من الورق والصحف والرسائل والقصص وكتب التاريخ التي استهوتها دوما وبقي هذا الكتاب النّاجي حائرًا، يحميه ذلك الرفّ الذي ظلّ معلقا في الهواء عمرا بأكمله.

(3)
لم يدرك ابراهيم ان قصّة " الملجأ " الذي كان قد كتبها قبل أيام وأراد نشرها قد رماها الهواء وبعثرتها الريح حين غاب في آخر الممر متجها نحو البيت تاركًا جذوة عمره التي لم تنطفىء يومًا عند حافّة سطح البيت حيث اعتاد اللجوء طلبا للسكينة ولأرض يبذر فيها ما لم يدركه هناك.

كانت البئر عامرة والبيدر أصفر يفيض نحوها، وكانت هناك تمتلىء بقطوف العنب والتين الشهيّ. كانت غرف البيت باردة رغم وهج الأيام وكانت السقوف عالية ورائحة الحياة ندية وجبل القمح عال عند أول الدار، وهناك عند باب العقد القديم ، كانت المفاتيح معلّقة. كان الهواء حارًّا جامحا يعدو مثل خيل ترقص زهوا كلّما لاح وجهها وقوامها الذي امتلأ عنبا وتينا شهيا .
في قلبه وخز لا يئن له إلا من حرم من عنب وتين شهي .

(انتهى)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا