الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياسين وجميلة ( الحلقة الثانية)

احمد عبدول

2021 / 10 / 24
الادب والفن


كانت مضايقاتهم تقض مضجع ابو ياسين الرجل الذي يعيل عائلة تتكون من أربعة أفراد دون ان يكون له راتب تقاعدي يستعين به على صروف الدهر وتقلباته فهو كاسب يبع الشاي على المارة بالقرب من إحدى البنايات القريبة على أكاديمية الفنون الجميلة في منطقة الوزيرية
اخذ الرفاق يطرقون الباب بقوة عند الساعة التاسعة مساء وهم يسالون أم ياسين عن زوجها وان عليه ان يقوم بزيارتهم في مقر الفرقة الحزبية فهناك ضرورة قصوى لتجهيز قاطع للجيش الشعبي وان عليه ان يلبي دعوة الوطن وإلا فانه سيعتبر خائن للأمة والوطن هناك عقابا سوف ينتظره ما ان عاد أبو ياسين الى الدار أخبرته زوجته وقد جلس الجميع داخل الغرفة الأخيرة للدار وهم يلتفون حول المدفأة النفطية (علاء الدين) ذات خطوط النار الزرقاء المتعرجة وقد وضع إبريق الشاي أعلاها طرح أبو ياسين على زوجته ان يقوم بتغييب وجهه عن أنظار الرفاق فيذهب الى بيت أخيه الأكبر أبو طارق الذي يسكن مدينة الثورة حتى إذا ما تم تجهيز قاطع الجيش الشعبي عاد لداره إلا ان ياسين كان يسأله ماذا عن تهديد الرفاق فكان والده يطمئنه وهو يقول ( الله يكفينه شرهم )
إما زكية وأخواتها فكن يعارض كون أبيهن الرجل الوحيد داخل المنزل وان ياسين لا يمكن الاعتماد عليه كثيرا راحت انتصار تذرف الدموع الا ان والدها ضمها لصدره وهو يهدا من روعها ويبدد من مخاوفها
كان الرفاق يسارعون بدفع رجال المنطقة شبابها الى الالتحاق بقواطع المتطوعين لكنهم ما ان تأتي الباصات الكبيرة سيارات (الريم) حتى لا تجد لهم أثرا الا ما ندر .
لم يستطع ياسين إكمال دراسته الإعدادية بسبب ظروفه الاقتصادية فقد اضطرت والدته ان تعد أواني اللبن (طوس) داخل البيت بمساعدة انتصار وأحلام اما زكية فقد كانت تنهض بأعباء تنظيف المنزل وإعداد الطعام
استاء الأب كثيرا عندما وجد إعراضا من ولده عن الدراسة بسب الظروف المالية للعائلة لا سيما انه كان يحلم ان يصبح ولده ألوجيد طبيبا مشهورا داخل العاصمة بغداد حتى انه كان يحتفظ بدفتر صغير (دفتر جيب) وثق داخله سنوات الدارسة الإعدادية والجامعية وفي أي عام سيتخرج ولده من كلية الطب ليتباهى به وسط أصحابه وإخوته وأبناء عمومته
عاود أبو ياسين المجيء للدار بعد قضى أكثر من أسبوعين في دار أخيه أبو طارق في مدينة الثورة التي كانت تسمي مدينة صدام لم يعد من شباب المنطقة ممن التحق بقاطع الجيش الشعبي سوى (5) أفراد فقد تمت إبادة القاطع برمته عندما زج به ليلا في معركة داخل اهوار الحويزة والتي سميت بتاج المعارك حتى ان عدد من جثامين الشهداء لم يستطع احد إخلائها فقد بقيت طافية على سطح المياه لتصبح طعما للأسماك
اكتظت شوارع المنطقة بسرادق العزاء ذات الغطاء السميك والمترب لكثرة استخدامها اما الأوتاد الخشبية فكانت هي الأخرى أعواد بالية وعاد صوت القارئ يجلجل ليبعث في النفوس الحزن على فراق شباب وأحبة في عمر الورود فكان أهالي المنطقة يخرجون من سردق ليدخلوا اخر وسط عويل النساء وصياحهن .تتقدمهن نعيمة ام عباس التي كانت تجمع نساء المنطقة وتذهب بهن للمواساة عند كل نازلة وقد لطخت وجهها وثيابها بالطين
في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي تم استدعاء عدد من المواليد للالتحاق بجبهات القتال وكان ياسين مشمولا بتلك الدعوة
نزل الخبر كالصاعقة على ام ياسين وزوجها وبناتها
اخذ الخلاف والاختلاف يدب سريعا بين أفراد العائلة فقد كان رأي الأب ان يلتحق ولده لجبهات القتال وان لا يعرض والده وسمعته لمضايقات الرفاق وملاحقتهم لا سيما ان الدعوة تشمل الجميع وان ولده لا يميزه شيء عن سواه
مانعت إلام بشدة وقد ارتفع صوتها وهي تقول بأنها لم تفرط بولدها الوحيد في حرب لا ناقة لنا فيها ولأجمل اما أخوات ياسين فكن في جانب أمهن
ظل ياسين مترددا في ان يلتحق أم يهرب من الخدمة التي كانت عبارة عن حرب ضروس خرج أبو ياسين الى المقهى التي تقع قبالة دارهم ليقضي بعض الوقت عسى ان يجد زوجته قد عاد إليها صوابها وقبلت بالأمر لكنه ما ان عاد للدار حتى وجد زوجته قد ازدادت إصرارا على ان تذهب بياسين الى أخواله في منطقة النهروان وسط القرى والأرياف حتى اذا ما انقضت تلك الحرب عاد ولدها سالما غانما .
مانع الأب مجددا واشتد الخلاف وأصر على ان يلتحق ولده للجبهة فلما أحست منه زوجته أنها لم تستطع ثنيه راحت تبكي بحرقة وألم وقد شاركتها زكية النحيب والبكاء

بعد ايام قلائل كان ياسين يرتدي الزي الرسمي العسكري وهو يحمل بيده اليمنى حقيبة من الجلد وضعت له فيها زكية بعض الملابس الداخلية وبعض المستلزمات من صبغ وفرشاة أحذية وأدوات حلاقة قبله والده وهو يهم بتوديعه واخذ يدعو له بالسلامة وهو يقول (الله يحرسك وليدي الزلم المن تراد ) أما والدته فكانت تحتضنه وتقبله بقوة وقد جاءت أحلام بإناء فيه ماء لتلقي به وراء أخيها وقد اغرورقت عينيها بالدموع
اشار ياسين الى احد سواق التاكسي لتقله الى منطقة النهضة حيث تنطلق باصات النقل (الريم ) و(النيسان) الى محافظات الجنوب ليلتحق الى من هناك الى وحدته ضمن القاطع الجنوبي ما ان استقر به المقام داخل وحدته حتى وصلت برقية عاجلة من القيادة بضرورة الاستعداد لهجوم مضاد لإعادة الأراضي الني استحوذ عليها العدو قبل أربعة ليال تلمس ياسين القرص المعدني المتدلي على صدره والمثبت عليه اسمه الثلاثي وعنوان سكنه واخذ يقول في داخله اذا تفحمت جثتي او تطايرت اشلائي لا شك ان هذا القرص سوف يدلهم علي أو على بعض إطرافي لكي احظي بقبر معروف بين قبور الشهداء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا