الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتهاء الصلاحية -1-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 10 / 24
الادب والفن


لكل شيء بداية ونهاية، و النهاية تعني انتهاء الصلاحية حتى لو وضعنا ملصقاً جديداً على المادة .
أنت منتهية الصلاحية ياحياة رغم أنك لا زلت في منتصف العمر.
متى تنتهي صلاحية النساء؟ تسأل حياة ، وتجيب نفسها:
بدأ عندي سن اليأس منذ العاشرة ، وهو مستمر في إكمال مسيرته ، فهناك مراحل اليأس المتكررة في عمر العشرين و الثلاثين، و الأربعين ، وبعدها يتوقف الزمن !
ولدت أنثى يجب أن تكون بائسة، يائسة، لا تعرف الحياة
أنثى عليها أن لا تمارس العيب
هي لا تعرف مكان العيب
فعندما يصرّ عليها الضحك تُمنع لأنّه عيب
عندما تغني . . عيب
عندما تفكّر . . . عيب
مثل حمارتنا أنا ، لا أفقه في الحياة شيئاً
دروس أمي أوصلتني إلى الهاوية
وفي الهاوية تتكشف العيوب
كنت أحتقر جسدي
صوتي
هربت ، أغلقت على نفسي الباب
وبدأت سنّ اليأس تزورني
شعرت بالعونسة في العشرين
و باليأس قبل ذلك
عندما وصلت إلى الأربعين
لم يكن لدي وقت ، لم أتمتّع بيأسي
لم أتكوّر كالرّضيع في سريري
لم أحظى بمتعة الاكتئاب
أشبه تلك المرأة التي كانت تزورنا في المساء
طفلها في حضنها ، وزوجها يعلّق على المسلسل عى راديو هنا لندن

منذ الطفولة الأولى و أنا أفكر بتلك المرأة التي كانت تزورنا ، وعلى يدها طفل رضيع. هي ليست امرأة واحدة ، بل أغلب النساء .عندما يبدأن في إنجاب الطفل السادس ، أو السابع .تتغيّر أحوالهن ، و أشكالهن . أمي أنجبت ستة عشر طفلاً بقي منهم ثمانية أطفال . كانت المرأة التي تزورنا على وجهها بعض التجاعيد قرب الشفتين ، فستانها تمزّق قليلاً قرب ثدييها لأن وزنها زاد قليلاً عن العام الماضي، ولم يحن الوقت لشراء فستان جديد ، وبعض أسنانها الجانبية مقلوعة ، أكعابها مفسّخة ملوّنة بالأسود ، وهي تلبس أكمام اللباس الداخلي فقط حتى تبدو مستورة ، لا تملك داخلية كاملة فتصنع أكمامأً تبلسهما على فخذيها ، ويتدليان بكشكش من الأسفل ، فلا تعرف أنّها عارية. لكنها لا تمرّ بسن اليأس فليس لديها الوقت .
كانت جارتنا تأتي تسهر عندنا مع زوجها . هو يلبس لباساً عربياً عادياً ، ويبدو مستوراً وشنتيانه كاملاً ، وليس أكمام فقط ، أسنانه كاملة ، وكذلك هيبته .
كنت أخجل عندما أرى جارتنا هكذا ، و أتمنى أن أشتري لها ثوباً طويلاً فضفاضاً ، أن أملآ الفراغات في فمها ، أصبح شكلها يلاحقني كالقرينة ، أخشى أن أكون هي .
في إحصائية قمت بها تبين لي أن الزواج الثاني عند أغلب الرجال يكون في الأربعين ، أو بعده بقليل . بعد أن تقلع الزوجة بعض أسنانها أي أن سن اليأس بعكس ماهو متعارف عليه فهو اليأس الرجال ، وليس عند النساء ، جمّلوه ، وأطلقوا عليه اسم أزمة منتصف العمر، أو مانسميه بالعامية جهلة الأربعين .
في حينا امرأة أنجبت عشرين طفلاً، بقي منهم تسعة أطفال ، تتباهى أنّها في الخمسين ، ولا زالت تنجب!
فارعة الطول ، متوسطة الوزن ، مبتسمة دائماً ، تذهب في الصباح إلى الأرض حيث يعمل زوجها فلاحاً ، وفي جعبة على ظهرها أصغر أبنائها .
قالت لأمي : اشتريت له راحة الحلقوم-أي للطفل- سوف أضعها بطرف شاشية غطاء رأسي ، ويمصها حتى يغفو ، أكون قد انتهيت من قطف الخضار ، سوف أتي بعدها ، وقد قرّرت أن أطبخ اليوم مجدرة، فالأولاد لا يشبعون دون برغل ولبن .
لاوقت لديها لسن اليأس.
لا وقت للخلاف ، زوجها يعمل منذ الفجر إلى المغرب
الحياة قاسية
الموارد قليلة
الكرباج لتأديب الأطفال و المرأة
تقول جارتنا : ليس نهاية العالم أن يضربك زوجك !
السّن لا قيمة له إلا إذا استطاع أحد الأولاد السيطرة ، وهنا تبدأ المشاكل.
الحياة ليس جميلة بتلك الطريقة ، لكنها تمضي ، الوقت لا يسعف المرأة للتفكير بنفسها. كانت المشاكل بين الحموات و الكنّات .
ليس غريباً أن تضع أم الزوج فراشها قرب فراش الزوج وزوجته.
بعض الرجال يفكرون في زوجة ثانية مع بلوغ الأربعين ، لكنّهم لا يطلّقون الأولى ، فهي في حكم المطلّقة تعيل نفسها وتعيل أبناءها هي في حكم الأمّ العازبة .
تغيّرت الحياة ، ففي سبعينيات القرن الماضي زادت قصص الحبّ ، وحتى أصبح الزواج بين الطوائف مقبولاً، وقلت قيمة المرأة ، فأوهموها أنها غير صالحة بعد الثلاثين ، ومن حق زوجها أن يتزوج.

لم يعد الرجل فلاّحاً ، بل ربما موظفاً ، يلبس بدلة ، يختلط بالموظفات ، حيث أن الزواج لدى النساء أصبح أصعب .
سألت أحد الرجال : لماذا لم تعد فلاحاً ؟
أجابني: بسبب الدولة . نزرع البصل ، ويكون موسم البصل جيداً ، لا تشتريه الدّواة ، فنزرع في العام التالي القطن ، فتشتري الدولة البصل ولا تشتري القطن.
كان أحدهم يعمل بمنصب حزبي ، صارح زوجته ، كانت مديرة مدرسة بأنّه سوف يتزوج ، وتزوج ، وليس الأمر بالمهم، بل تخلى عن صفة الأبوة .، ومع هذا كان الأمر شبه عادي.
وضع النساء اليوم أصعب. غادر حسين عائلته عند بلوغه الأربعين إلى غير رجعة ، واتهم زوجته أنّها مختلّة عقلياً ، نسي أن يعيل أولاده ، تزوج من امرأة أخرى لديها دخل ، ووراثة فهو يرغب أن يؤمن مستقبله حتى لو كان عند زوجته أولاد ، لكن ابنه ذو الثمان سنوات بكى ليلة رحيله ، قال لأمّه: هل يمكن أن تجلبي لي أباً آخر ؟
إلى طفل أحبّ أباه
إلى طفل خذله أب
إلى طفل في الثامنة كان يبحث عن أب
إلى جميع الأطفال الذين تخلى عنهم آباؤهم. أهدي عملي هذا .
سألت امرأة مطلقة عن وضعها ، قالت لي: أنا الأم و أنا الأب
شرحت لي قائلة: الرجال أذكياء ، لا يهتمون لذريّتهم ، يفكرون فقط في ذواتهم . ألا ترين أنهم يحكمون العالم؟
كنت مغفلة أسعى لبناء أسرة مميزة ، غامرت بكل ما أملك مفترضة النية الحسنة ، سرق مالي وشبابي ، أستحق ما جرى لي . كان بإمكاني أن أعمل ، و أكون أنا صاحبة اليد العليا ، لم يكن ليرحل، لا أقول هذا أسفاً عليه ، بل لأقيّم نفسي ، وقد كنت أعتقد أنّه رجل حقيقي ، مع أن أمي لم تكن تنظر إليه كرجل ، بل قالت لي أنه مخنّث ، وليس عيباً أن يولد اإنسان مخنثاً ، لكنّه كان يدّعي أنّه رجل !
اليوم أعيش معزولة
كان اسمه زوجاً
لا أحد يتجرّأ على التدّخل في حياتي
اليوم كلّهم ناصح
كلهم خائف
أقفلت باب بيتي
لا أستطيع تكرار التجربة
الرجال يهربون
من يضمن لي إن تزوجت بآخر أنّه لن يهرب إن لم أربطه ؟
. . .
الفصل الأول
قصة شهرو زوجة علي
هل تعرف كيف يتخلص الإنسان من الحياة؟
لم تنجح شهرو في محاولة الانتحار
كانت في الثلاثين
لديها أربعة أطفال
أخرجت أولادها من الغرفة
وضعت صرّة ثيابها تحتها
ثمِّ وضعت زيت الكاز
أشعلت نفسها ، هي تصرخ من الألم ، وأولادها يدقون على الباب ويصرخون .
أتى أحد الجيران، لفها بلباد كي يطفئ النار
لكنها فارقت الحياة
لم يقيموا عليها الصّلاة
لم يحضر أهلها الجنازة
سجلت كخاطئة أمام السماء
لم يكن الجميع مثل شهرو
لكن الكثيرات كن يتمنين الموت
أتحدث عن جيل سبقني
وهي ليست قصة من الخيال
ولقد سمعنا كثيراً عن نساء أحرقن أنفسهن
قتلت شهرو نفسها
لا مكان لها في هذا العالم سوى المقبرة
تزوج زوجها ابنة عمه
كان حفله صاخباً
كبر أولاد شهرو
وأعاد التاريخ نفسه
قتلت ابنتها على يد والدها غسلاً للشرف
كانت عذراء
شهرو و ابنتها قتلا على يد نفس الشخص
كان هذا في الماضي البعيد
اتهموا ابنة شهرو بأنها كأمّها تستحق الموت.
تستحق النساء الموت عندما يقرّر ذلك أحد ما
تتمنى النساء الموت
لكن الموت لديهن يعادل الطلاق
فهن لا يمتن ، ولا يطلقن من أجل السّمعة الاجتماعية .
لماذا تسردين كل تلك القصص ياحياة ؟ أين كان أهل شهرو عندما قرّرت الانتحار ؟
كل القصص تشبه قصتي، أريد أن أفرّغ ذاكرتي من الماضي ، أما أين كانت عائلة شهرو ، فقد كانوا في بيتهم. لم تبح لهم شهرو بأسرار حياتها ، فهي تعرف أنها لم تعد تنتمي لهم بعد الزواج، ولن يساعدوها ، ورأت أن الخلاص من الحياة هو وقف للألم .
قالت لي قبل أن تحترق :
يجب أن نضع حداً للمعاناة.
هل تعرفين معنى المعاناة . بالطبع لا تعرفين، فأنت لم تتزوجي بعد .
عندما تتزوجين سوف تفهمين أن كلّ ظلم الأهل هو كي يوصلوك إلى الزواج الذي تكونين من خلاله شريفة، وتبقى مسؤولية تأديبك على الزوجن و التأديب هو عقوبة على مدار السّاعة. نصيحتي لك: لا تتزوجي .
لماذا هذا اليأس
ألا يمكن أن تغيّري الأحداث
أجابت:
هراء
كل ماتقولي هراء
لو استطعت أن أصف لك مايجري معي
لو استطعت أن أرسم لوحة للعبيد
لو استطعت أن أوصل صوتي
لو استطعت أن أقاوم
فعل الاستطاعة هذا غير موجود
رحلت شهرو ، رحلت ابنة شهرو ، بقيت أنا حياة السيّد على قيد الحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا