الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تكونُ دكتوراً في العراق العظيم

عماد عبد اللطيف سالم

2021 / 10 / 25
كتابات ساخرة


بلدٌ يعاني من الفوضى، في الكثيرِ من التفاصيل.
بلدٌ يشبهُ المزبلة، في أكثرِ من مكانٍ، وعلى أكثر من صعيد.
بلدٌ لا يحترِمٌ فيهِ أحدٌ "القانون"، ولم يسمع الكثيرون من "سكّانِه" بشيءِ يُدعى "القانون".. وعندما تؤكّد لهم وجود شيءٍ كهذا، يضحكون عليك، ويهزّون أيديهم ساخرينَ من "جمهوريتّك الفاضلة"، التي لا توجدُ إلاّ في عقلكَ الذي عفا عليه الزمن.
بلدٌ يفتقرُ إلى أبسط مقوّمات العيش الكريم، والسلوك اللائق، وإلى الحد الأدنى من الذوق العام.
ومع ذلك، حين يتمّ حشرك في الزحام، فلا يمكن لك أن تتقدّم خطوةً واحدة، ولا أن تتراجعَ خطوتين، فتحاولُ أن تستدير بسيارتكَ عشرين متراً للوصول إلى حيث تعمل(وأمامك طابورٌ من السيارات يُحاولُ فعل الشيء نفسه للخلاص من هذا الكابوس).. يُسمَحُ لهذا "الطابور" كلّهِ بالمرور .. عداك .. و تظهرُ أمامكَ فجاةً "دولةُ" العراق"الغائبة"بكامل زينتها.. وتقفُ في وجهكَ في تلكَ اللحظةِ السخيفة كلّ"المؤسّسات": شرطيُّ النجدة، وكادر"الهمر" المُتقدّم، و رجلٌ سكرانٌ يتمدّدُ بحبورٍ في"الجزرة الوسطيّة"، و"يعفِطُ" لك .. وسائق التك تك، وحُرّاس البوّابات، وصاحب "جوبة الطليان" المحاذيةِ للكليّة.
كلّ هؤلاء يصرخونَ ، ويهتفون في وجهكَ بأعلى ما في حناجرهم من صياح: هاي شنو .. هاي وين رايح .. مو إنتَ "دكتور" !!
هناك كائنٌ وحيد ستفتقدهُ في هذا "العُرس"، وتتمنّى لو كان موجوداً ليصرخ بدورهِ في وجهك، وهو شرطيّ المرور، الذي سيكون الغائبَ الرئيس عن هذه المعمعة(حيث تختفي شرطة المرور عادةً عندما تحتاجُ إليها الناس"الهائجة"، في أوضاعٍ "كسيفةٍ" كهذه).
لماذا أنا وحدي أكونُ "دكتوراً" في "زفّةٍ" كهذه .. وكيف عرف هؤلاء جميعاً أنّني "دكتور"؟
وكيف يُمكنُ لي أن أتصرّفَ كـ "دكتور"، و"أستاذ"، بينما تُحاصرني الرثاثة من الجهات الأربع؟
لماذا يجبُ عليّ أن أتصرّف وحدي كـ"دكتور"، و"أستاذ" دون جميع الناس، وأن أدفعَ وحدي ثمناً فادحاً لهذه"الدكترة" التي لاهيبة لها ولا قيمةَ، ولم يعُد الناس يحترمونها، ولا يشتروننَ "حاملها" بـ"فِلسَين"؟
وقفتُ مرّةً في "طابورٍ" لإنجاز معاملةٍ عاديّةٍ في"دائرةٍ" خدميّة، في درجة حرارة بلغت ستّين مئوي تحت شمسِ العراق العموديّةِ "الساطعة".. وبقيتُ واقفاً هناك كالبغل لساعات، وأنتهى دوام الموظفين، وعُدتُ الى البيتِ خائباً دونَ أن أحصلَ على أيّ شيء، وتكادُ الدمعةُ تطفرُ من عيني، لأنّ لا أحدَ كان يحترمُ ذلكَ الطابورَ"الخامسَ" سواي.
إمْنَحني بلداً يحترِمُ نفسهُ و"مواطنيه" ، ولا ينتَقِصُ من كرامتي ، ولا يُعرّضُني إلى الإذلال ، وسأكونُ عندها "دكتوراً" ، و "اُستاذا" ، و "مُربيّاً للأجيال".
أنا لا أستطيعُ أن "أُرَبّي الأجيالَ"،في بيئةٍ خسيسةٍ كهذه.
إنّ أقصى ما يمكنُ لي تقديمهُ لطلبتي (وأنا أقفُ أمامهم مُنهكاً وذليلاً و مُحبطاً ومكسور الخاطر)، هو أنْ أُعلّمهُم كيف يُمكِنُ لهم أن يكونوا قادرينً على التكيُّفِ مع ما تفرضهُ عليهم هذه البيئة السامّةِ والمسمومة من هموم، وكيفُ يُمكِنُ لهم تضميدَ ما يمكنُ أن تلحقهُ بأرواحهم من ندوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هو اكثر شيء يزعج نوال الزغبي ؟??


.. -احذر من صعود المتطرفين-.. الفنان فضيل يتحدث عن الانتخابات ا




.. الفنان فضيل يغني في صباح العربية مقطعا من أحدث أغانيه -مونيك


.. مشروع فني قريب بين الفنان فضيل وديانا حداد وجيبسي كينغ




.. أغنية -عبد القادر- بصوت الفنان فضيل في صباح العربية