الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


# من أرشيفي القديم # 6

صلاح زنكنه

2021 / 10 / 26
الادب والفن


(ما لا يتحملهُ الأدب .. يفعلهُ الأُدباء)
ها هو القمر يترنح في السماء وقد جن من فرط انجابه الأطفال (يتيس) وها نحن نترنح على الأرض وقد مسنا الخبل من فرط خساراتنا, وها نحن نخسر آخر ما تبقى لنا, وأعني الرغبة في الحياة، نحمل قبورنا الأنيقة في دواخلنا وندفن فيها كل شيء، كل شيء.
ها أنا أسمع بكاءً ,, ترى من ذا الذي يبكي؟ أنا؟ أنت؟ هو أو هي؟ ثمة بكاء أو نشيج أو نحيب أو صراخ هنا وهناك, لكن لا أحد يصغي لا أحد يهتم، تلك هي العزلة اللانهائية، عزلة الكائن المستلب المهمش.
الوحدة والغربة والوحشة, ثم اليأس المرير الذي هو الشكل الأعلى للنقد, يدكنا ويزعزعنا ويقلقنا.
منذ بدء الخليقة وهذا الذي يسمونه الشاعر، الكاتب، الفنان، كائن متفرد في قلقه, مغتربا عن محيطه, متمردا على واقعه, حاملا صخرة سیزیف, تائها في براري المخيلة, ذلك (كون الخيال في أوقات الازمة أهم من المعرفة) كما قال أينشتاين.
سقراط تجرع السم الزعاف أمام جلاديه ولم يشأ أن يغادر أثينا، فان كوخ قطع أذنه وأرسله لعشيقته راشيل فتاة المبغى وهو في أوح جنونه، بوشكين الذي لم يعرف القتال راح ضحية كبريائه, كبرياء الشاعر في منازلة مع غريمه من أجل امرأة, رامبو تشرد في مجاهل أفريقيا مع تجار السلاح وخسر حياة كاملة في (المركب السكران)، جان جينيه, القديس الشهيد, حسب وصف سارتر, لم يكن سوى لقيط وجد نفسه لصا, لوطيا, مجرما، مطاردا, سجينا ! بل عبقريا مات وحيدا في غرفة مهجورة وهو القائل (لكي تفلت من الهول عليك أن تنغمس فيه حتى النهاية) وهذا ما حدث.
الروائي الأمريكي (همنغواي) الذي حاز على نوبل, انهى حياته بخرطوشة من بندقية صيد, كما فعل أبوه من قبل, الذي قال له ذات مرة (تذكر يا أرنست, أن العربات الفارغة وحدها تثير الضجيج) وانتحر مايكوفسكي الروسي في فردوس ستالين, أما المتنبي ولوركا ونيرودا, فراحوا ضحية الحقد الأعمى, الحقد القبلي والسياسي والسلطوي.
الشاعر الكاتب الفنان, كائن قلق مزاجي طوباوي, تحيطه دوما هالة من الكآبة, الكآبة التي تجعل أشد الرجال بلادة يبصق دما أسود.
(فتى هرم, لا يفهم شيئا, ويعرف كل شيء, يتكلم مثل الحلاقين, ممشطا حنينه الكث) هو ذا الشاعر كما يصفه الشاعر ابراهيم البهرزي، حنينة لماذا؟ لحياة مؤجلة لحين المصير, المصير الذي قالت عنه الشاعرة الايرانية فروخ فرخزاد (أيها الثلج عندما رأيت مصيري، شاب رأسي مثلك) ترى هل لي أن اتنبأ بمصير أي منا؟ مصير الكائن المخبول, وكيف لا وها هو بيننا وحيدا مملا منسيا مهانا, لم يجنِ شيئا سوى إرث دانيال, عتالا أو بناءً أو مشردا في صحراء سيناء. شكرا لهذا الإرث, نيتشه وماركس، وهوسرل, وفرويد, هؤلاء الذين خربشـوا مداركنـا وايقظونا من طفولتنا ورمونا في جحيم الفكر لكي نكون.
...
ثقافية جريدة الثورة 9 / 8 / 1996








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي