الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا للفلسطيني الجميل سعيد عياد

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2021 / 10 / 26
الصحافة والاعلام


وداعا للفلسطيني الجميل سعيد عياد
نهاد أبو غوش*
فجعنا جميعا بالرحيل الصادم للإعلامي والمثقف والأكاديمي الفلسطيني البارز الدكتور سعيد عياد، رئيس دائرة اللغة العربية والإعلام في جامعة بيت لحم، والعضو السابق في مجلس نقابة الصحفيين (2000-2012)، ومراسل ومدير مكتب تلفزيون فلسطين في بيت لحم.
فالأسرة الإعلامية والصحفية افتقدت زميلا مميزا على مستوى أدائه المهني الرفيع، ونقابيا متفانيا في خدمة الصحفيين والسهر على الارتقاء بشون المهنة. والمجتمع الأكاديمي افتقد قامة عالية ذات حضور آسر في قاعات المحاضرات، كما في علاقة الجامعة بالوطن والمجتمع وفي مجمل النشاطات التي تنتقل بالشأن الأكاديمي إلى المجتمع ورحاب الوطن الفسيحة. والمثقفون خسروا أديبا مرهفا، مفرط الحساسية تجاه عذابات المهمشين. والجميع ودّعوا شخصية وطنية، ورمزا من رموز التنوير والوحدة الوطنية، كان دائما مسكونا بفلسطين وشعبها، مهجوسا بضبط المصطلحات وتدقيقها بما يخدم قضيتنا الوطنية.
عمل سعيد عياد في هذه الحقول المشار لها آنفا كافة، وصعد سلم التميز والإبداع درجة درجة، لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، ولم يكن في عباءة أي من "الأبوات" لكي يحظى بدعمه وإسناده، بل شق لنفسه طريقا للنجاح بجهده وتعبه وكده ومثابرته، فعمل منذ شبابه المبكر في الصحف اليومية قبل قيام السلطة بسنوات طويلة، وحين كان العمل الصحفي شكلا من اشكال الخدمة الوطنية في المعركة الوطنية الكبرى لتكريس الهوية الوطنية وتثبيت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثر شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني مهما كلف ذلك من تضحيات.
انفجرت ينابيع العطاء الكامنة في سعيد دفعة واحدة في أواخر سني حياته القصيرة زمنا والعريضة إبداعا، فراح يعطي بلا حدود، كأنه أحسّ بدنوّ أجله فأراد التسريع بما يمكن تقديمه، كان يكفي للقب واحد من الألقاب التي حظي بها أن يضمن لنفسه الاحترام الوافر في مجتمع يهتم كثيرا بالألقاب، لكنه تحدى نفسه، فطرق حقولا كثيرة، وانتزع لنفسه مكانة مرموقة فيها جميعا.
تميز سعيد عياد بأنه مثل في شخصه وأخلاقه مدينة "بيت لحم" مهد السيد المسيح، ولك يكن احد يعرف إذا كان هذا الصحفي والمراسل "سعيد إبراهيم عياد" مسلما أم مسيحيا، اسمه لا يدل على هوية دينية أو طائفية، علاوة على ذلك ثمة عائلات مسيحية وأخرى مسلمة ينتهي اسمها باللقب "عياد"، أما الأهم فهو كون سعيد ملما بكل تفاصيل الديانتين خلال مراسم الاحتفال باعيادهما وقيامه بنقل أدق تفاصيل ليلة الميلاد وقداس منتصف الليل واحتفالات جميع الطوائف المسيحية التي تنطلق في العادة من كنيسة المهد في بيت لحم، زد على ذلك أن سعيد كان من ابرز رموز التنوير والانفتاح والتسامح، لكنه كان من دون شك وطنيا فلسطينيا بامتياز،منفتحا على الأفق العربي والإنساني الواسع وهو الذي أكمل دراساته العليا في دولة المغرب الشقيقة.
جاء سعيد إلى هذه الحقول المعرفية والإبداعية، من بوابة العمل الوطني: أي من السياسة، والكل يعرف أن السياسة فيها من التكتيك والدهاء ما فيها، لكن صاحبنا كان مختلفا، وفي التجربة التي عشناها معا في مجلس نقابة الصحفيين، شكّل بالنسبة لنا جميعا ولعموم الصحفيين مسطرة أخلاقية، وبوصلة لما يجوز وما لا يجوز وفق معايير أخلاقية ومهنية صارمة، لم يكن ليجامل أو يساوم في الحق أبدا.
إذا اقتربت من سعيد، تكتشف كم هو نبيل وجميل، ترى طفلا كبيرا في داخله، يفرح لأبسط الأشياء، مدفوعا بلذة الاكتشاف. انظروا إلى فرحته الغامرة وهو يزور حيفا ويافا قبل أسابيع من رحيله، لاحظوا تورّد وجنتيه حين يمتدحه أحدهم. كان فخورا ببناته وعائلته، فخورا بفلسطينه، ببيتلحم حيث نشأ في كنف التسامح والوحدة الوطنية، وبمخيم الدهيشة حيث يرضع الناس البطولة والنضال، وب"راس أبو عمار" التي شكلت عنوانا للجذور والوطن والهوية.
الرحمة لفقيد فلسطين سعيد عياد، والعزاء في منجزاته وسيرته العطرة التي ستظل مصدر إلهام لأجيال من الفلسطينيين.
*عضو المجلس الوطني الفلسطيني وعضو سابق في مجلس نقابة الصحفيين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم