الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


# من أرشيفي القديم # 7

صلاح زنكنه

2021 / 10 / 26
الادب والفن


هكذا احتفى القاص الكبير الراحل (عبد الستار ناصر) بمجموعتي البكر
# كائنات ليست صغيرة #

كائنات ( صلاح زنكنه) الصغيرة، لم تكن كذلك، فقد هرب بعضها من قفص الكاتب وراح الى جهة مجهولة لا يدري بها حتى الكاتب نفسه، ولعل حكايته الأولى (وحشة) خير دليل على ذلك، وأعني به عالم (العميان) الذي رسمه بكثير من الجمال والشاعرية المريرة.
لابد من العثور على حقيقة هذا العنوان الذي لا يناسب مجموعته الصغيرة، هل يختار الكاتب محض واحدة من قصصه لتصبح عنوانا (نموذجيا } لإبداعه ؟ أنا شخصيا لم أعد أرى ذلك، ولا أوافق عليه ـ مع نفسي طبعا وليس مع الآخر ـ وصار على كاتبنا الشاب صلاح زنكنه أن يفتش عن اسم لمجموعته من خارج العناوين جميعها .. والسبب بسيط جداً ، ذلك أن الكتاب برمته أن يبحث في الوجع المعاصر لإنسان القرن العشرين ، وقد نجح زنكنه في طرق الأبواب كلها ، فكيف أغفل أول باب من أبواب إبداعه ؟ يختار الكاتب مقطعا من الشاعر اليوناني (كافافي) سبق للعشرات من المبدعين العرب اختياره في مقدمة أعمالهم ورأيت أن (صلاح زنكنه) من الذكاء بحيث كان عليه البحث عن كلمة غير هذه لتكون مقدمة كتابه الجميل المتميز.
أقول ذلك وأنا أتذكر وأشير بهدوء الى سهولة أن نختار ما هو بين اليدين، وليس ما ينبغي أن نكتشفه بأنفسنا من (كلمات) مأثورة لكتاب عراقي تمكن أن يقطع الشوط الأول بذكاء وخبرة واحساس عميق.
هل تسمحون لي أن أبارك فيه ما جاء في قصص (الشبيـه) و (اعـدام) (والمتـواليـة) و (الخروف) و (العطب) ؟ أنها بحق تستحق الإعجاب والكتابة عنها, ولعل أكثر ما أخاف عليه عند (صلاح) أن يقف مكتوف اليدين أمام القصة القصيرة جداً, ويكف عن سبر أغوار الكتابة مستقبلا في شكل غير هذا، فهو إذا ما اكتفى بهذا الشكل سيرى نفسه في مهب رياح الإبداع، منزويا مع تجربة تتكرر وليس من نجاة - عندها ـ سوى الصمت.
دعوني أعترف أن صلاح زنكنه والى جانبه خالد مطلك وبعض الشباب من مبدعينا في القصة القصيرة، إنما يصنعون الكثير من (العجب) المذهل الذي نحتاج اليه، لكنني في الوقت نفسه لا أمنع نفسي من الخوف عليهم إذا ما تسربت الظنون : أن هذا يكفي .. لا شيء في الإبداع (يكفي) أبداً والمهم أن نعثر على بقية خطواتنا ونحن نمشي وراء بوصلة الاكتشاف الأبدية الذي سيخطئ - فعلا ـ من يعتقد بأنها مرسومة بحدود أو مقيدة بسلاسل الاكتفاء (إننا كتبنا ما علينا وهذا هو المهم) إذا كنا سنفكر بهذه الطريقة فليس من شك أن الخسارة ستأتي بطريقة قاسية، ذلك أن سنوات المبدع الحقيقي إنما هي منذورة للإبداع وحده، وقد بدأ صلاح زنكنه الخطوة الصعبة وأرجو من الله أن يبتعد (منذ الآن) عن كلمات المعجبين التي ستسقط - حتما ـ على الارض كما الزجاج المكسور.
لماذا نشير الى قصص دون سواها ؟ ذلك أن المبدع ـ أي مبدع في الكرة الارضية ـ له عثراته وكبواته، تماماً كما الحصان الجامح القوي، الذي يريد أن يصل بسرعة الى نهاية خط السباق ليفوز .. وقد فعلها صلاح زنكنة وهو يسابق نفسه إلى الشوط الذي يريد أن يصل إليه قبل أقرانهُ من الشباب وله الكثير من الحق في ذلك، والسبب هو الذي قرأنا عنه وعشنا فيه منذ عشرات السنين وأعني به : الخوف من سرقة (المشروع) الذي يعمل فيه المبدع (هذا) لئلا يستولي عليه المبدع (ذاك)
ومن هنا، من هذا الاحساس رأينا (زنكنه) يكتب قصة (الخروف) وهي واحدة من أفضل أعماله القصيرة جداً، وكذلك قصة (وحشة) التي بدأ بها الكتاب .. وطبعا لا يمكن ترك قصته الرائعة (فصام سري) خلف الذاكرة، فهي واحدة من النماذج التي يستحق صلاح أن يفخر بها اليوم وغداً، لاسيما إذا ما ادركته الشيخوخة وتذكر أنهُ ذات يوم ـ في سنة ما ـ كان قد كتب شيئاً كهذا .. هذه القصة تحكي قصة من أجمل حالات الغرائب، لكنها الغرائب، التي تقترب من الغربة دون أن تكونها كما تقترب من الغرابة ولا تريدها, فهي حكاية رجل وزوجته في محنة مشتركة هذا يرى، وتلك ترى, وكلاهما لا يعرف حقيقة ما بينهما من شركة وانفصام وهي ـ دون أن يدري صلاح أو ربما كان يدري واحدة من قصص الحب التي ذهبت سهواً إلى سرداب الشك على غفلة من الكاتب نفسه.
وإذا ما كتب أديب ما في (باريس) أو (روما) مثلاً لصارت (نموذجاً) سنأتي على الحديث عنه وراء كل مائدة, وخلف كل نافذة من خصاص البيوت، بينما قد تنتهي قصة كهذه الى بحور الغفلة والصمت مادام كتابها ليس سوى (صلاح زنكنه) وليس (راموري ترامو) القادم من أعلى (المسيسبي) .
كائنات صغيرة ولاسيما قصة (وحشة والخروف وفصام سري) إنما تقف بين الاعمال العراقية - في هذا اللون القصصي القصير جداً ـ بمنزلة الشاهد على جيل قرر أن يكون، ونرجو أن (يفعلها) فعلا.
أخيرا، ليس من شك في أن ما أَكتبهُ - مع هذه السطور الموجزة ـ لم يكن غير تحية حب لكاتب عراقي أنظر الى مستقبلهُ بحرص أصيل، وأرى في أبناء جيله، ـ كما أرى فيه - هوية أعوام ستاتي بخير قصصي نحن اليوم ـ وبعد كل ما جرى من قسوة الظروف - بأمس الحاجة إليهم, وإليه .
عبد الستار ناصر
جريدة العراق 8 / 6 / 1996








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي