الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياسين وجميلة ( الحلقة الثالثة)

احمد عبدول

2021 / 10 / 26
الادب والفن


كانت ساعة الصفر لبدء الهجوم المضاد من قبل القوات العراقية لاستعادة ما فقدته من أراضي عند الساعة الثالثة فجرا حيث دكت المدفعية العراقية الخطوط الأمامية للقوات الإيرانية الا ان المعركة لم تسفر عن اي تقدم فقد استشهد من استشهد ، واسر من اسر، من الجنود العراقيين عندما تم الالتفاف عليهم من عدة جهات .






كان ياسين ينظر الى الرؤوس كيف تتطاير والجثث كيف تتفحم وهو منظر لم يألفه من قبل سوى في الأفلام الحربية التي كانت تعرض على شاشة تلفزيون جمهورية العراق في ساعات متأخرة من الليل بعد ان انتهاء أحاديث القائد المملة والمستمرة لساعات عدة وهو يجلس على كرسيه كالطاووس
استطاع ياسين وعدد من الجنود ان ينجوا من الموت بأعجوبة وقد أصيب البعض منهم بإطلاقات في جوانب من أجسادهم جراء المعركة التي امتدت لساعات دامية .
بعد أيام قلائل سمح للجنود ان يتمتعوا بإجازة لمدة (7) أيام يلتحقوا بعدها أو يقطعوا إجازتهم فورا إذا ما تطلب الأمر ’ فرح ياسين فرحا شديدا واخذ يعد نفسه للعودة وهو ينتظر بفارغ الصبر توقيع أنموذج الإجازة من قبل آمر الوحدة .
وصل ياسين الى الدار عند العاشرة مساء طرق الباب بشوق وشغف صاحت زكية (منو بالباب ) اخذ ياسين يطرق الباب مجددا صاحت أحلام (ولج هاي دكة ياسين) هرعت زكية وخلفها والدتها صوب الباب وقد لاحت القبعة العسكرية (البيرية) على رأسه وقد ارتسمت على محياه إمارات الضعف والذبول
أحاط الجميع بياسين بعد ان دخل غرفة الاستقبال أخد يقبل رأس والدته بينما كان والده يكفكف دموعه بطرف الرداء الذي يضعه على رأسه (الغترة) وهو يقول ( ها بويه ياسين شو متغير )

هيأت انتصار لأخيها الحمام ثم أعدت زكية ما تبقى من العشاء ليقص عليهم ياسين بعد ذلك ما جرى في أول يوم له بعد وصوله لوحدته وكيف نجا من الموت بمعجزة بعد ان شهد مصرع معظم أصدقائه من الجنود
كانت والدته تقطع عليه حديثة وقد مسكت بكلتا يديه بقوة وهي تؤكد على عدم عودته لجبهات الموت مهما كلفها الأمر مصوبة نظرها اتجاه زوجها الذي كان يستمع وهو محزون .

عادت فكرة هروب ياسين الى أخواله في منطقة النهروان الى أم ياسين وأخواته بعد ما سمعنه منه بينما كان الوالد يصر على موقفه الا انه وبعد انقضاء أيام من إجازة ولده لم يعد يستطع ان يقف بوجه زوجته وبناته اللواتي كن يناشدنه القبول بفكرة هروب ياسين الى أخوالهن للمحافظة على حياته .
في اليوم قبل الأخير من الإجازة خرج ياسين بصحبة والدته الى أخواله الذين كانوا يربون المواشي وقطعان الجاموس في منطقة النهروان كما كانوا يملكون مساحات كبيرة من البساتين ، بعد اقل من ساعة كان ياسين ووالدته وسط أخواله الذين طاروا فرحا بقدوم أختهم التي لم يرونها منذ سنوات مضت لا سيما أنها قد اصطحبت معها ولدها
استقبلها أخوها الأكبر الحاج دواي واخوتها عبد وزاير ومسلم وعدد من أبنائهم الذين اخذوا ياسين بالأحضان وهم يقولون ( أهلا خالي مشتاقين ) كان يوما مميزا فقد اخذ الجميع يتجاذبون إطراف الحديث وسرد الذكريات بعد ان استقروا داخل بيت الحاج (دواي) وما ان إذن المؤذن وصلى الجميع ، حتى جيء بالسمك المسكوف والخبز الحار والخضراوات والتمر واللبن وسط الباحة الداخلية لبيت الحاج .
اجتمعت أم ياسين بزوجات إخوتها وتبادلت معهن ما يدور بين النساء اذا اجتمعن من أحاديث ثم طلبت من إخوتها ان يتواجدوا بعد صلاة العشاء لكي تعرض عليهم امرأ ما وهي واثقة من أنهم سوف لن يبخلوا عليها بأي طلب فما كان منهم إلا ان أوضحوا لها بأنهم على أتم الاستعداد لكل ما تريده منهم .
راحت ام ياسين تقص عليهم أسباب زيارتها فهي تريد ان يبقى وحيدها وسط أخواله حتى تنتهي الحرب فلا يوجد مكان امن ولا يوجد أناس أكثر حرصا منهم عليه وكيف لا وهم أخواله ، اطرق الحاضرون وقد ارتسمت على محياهم إمارات الخوف والدهشة والاستغراب ، تكلم الحاج دواي وهو يوضح لأخته ان ياسين ولدهم لكن الأمر ليس بهذه السهولة فلحكومة قوية ولها عيون وجواسيس ينقلون لها كل صغيرة وكبيرة فضلا عن وجود الرفاق ورجالات الأمن الذين يتوقفون عند كل داخل وخارج من القرية وان أمرهم إذا ما افتضح فان النظام سوف يحاسبهم دون رحمة إلا ان أم ياسين أصرت على طلبها حتى إذا ما وجدت منهم إعراضا وتخوفا قامت منتصبة وراحت ملقية برداء رأسها الى الأرض وهي تصرخ وتستغيث عند ذاك قام إليها (عبد) ورفع ردائها (الشيلة) والبسها إياها وهو يهدا من روعها ليسارع الآخرون بطمأنة أختهم التي قصدتهم من العاصمة بغداد بصحبة ولدها ، قال الحاج دواي بصوت مرتفع ( ما عليج اختي ما عليج الي اجيتي بيه تردين بيه ) وقد قطع عهدا على نفسه أعطاها ان يبقى ياسين وسطهم وإنهم سوف يحمونه حتى لو كلفهم الأمر الموت أو الاعتقال ، انفرجت أسارير إلام بعد ان استمعت لما قاله ابن والدها وأخذت تقبل رأسه .
في صبيحة اليوم التالي ودع ياسين والدته بصحبة احد أبناء أخواله باتجاه العاصمة بغداد وهو يحتضنها بشوق ولهفة وكأنه ما يزل طفلا .
بعد مرور يومين اخذ الحاج (دواي) وولده (حميد) ياسين الى بستان قريب فكان ان وقفوا به على ملجأ شيد تحت الأرض بواسطة مجموعة من العمال المصريين بإشراف مهندس مسيحي اسمه ابو سونيا خلال الأشهر الأولى للحرب العراقية الإيرانية ، عندما كانت تلك المنطقة تشهد غارات على مدار اليوم بسبب وجود بطرية صواريخ دفاع جوي بالقرب من البستان ، فكان أخوال ياسين يهرعون الى ذلك الملجأ ليلا وفي بعض الأحيان في النهار خوفا من القذائف والصواريخ التي كانت تسقط هنا وهناك فتحرق الزرع وتقتل الدواب .
أحس ياسين بصدره يضيق وكأنه يصعد في السماء ، فهل يعقل ان يقضي أوقاته داخل ذلك الملجأ ، وإذا ما استمرت الحرب فهل سيبقى داخل ذلك القبو المظلم نزل الحاج دواي الى أسفل الملجأ عبر السلم الكونكريتي وتبعه ولده وياسين من خلفهم ، وبعد ان أضاء الحاج دواي المكان بواسطة مصباح يدوي (لايت) صار ياسين وسط ملجأ واسع ولكنه موحش ليس فيه إي منفذ للتهوية ، ولا شك انه سيكون حار صيفا بارد شتاء ، الا ان خاله أكد له بأنه المكان الوحيد الذي سيحميه ويبعده عن أنظار الرفاق ورجال المخابرات ، حتى تنتهي تلك الحرب فما عليه الا يتحمل ويصبر وإنهم سوف لن يتركوه لوحده فهم وأولادهم في خدمته حتى تضع الحرب أوزارها وان كان هكذا أمر أشبه بالمستحيل بالنسبة لهم .
أما ابن خاله (حميد) وكان قريبا على عمره فقد ابلغه بأنه سوف يقوم بتجهيز المكان بسرير وأغطية وكرسي من الخشب ومدفأة (جولة) وكل ما يحتاجه ، أما طعامه فسيكون عنده عند كل عند الصباح وعند الظهيرة وبعد حلول المساء
شارك ياسين أبناء أخواله عند الصباح بتنظيف المكان من الداخل واخذ التفاؤل يجد طريقه لنفسه ، وهو يرى الجميع ملتفين حوله مستعدين للتضحية من اجله ، راح خاله يحذره من الاقتراب من بيوتاتهم الا في الحالات القصوى ، خوفا من ان يفتضح أمرهم ويكونوا (بوجه المدفع) حسب تعبير الرجل الأشيب
مضت على التحاق ياسين الى وحدته عدة أيام فما كان من مسؤول قلم الوحدة وحدته الا ان ادخله ضمن الهاربين وهو أمر سوف تترتب عليه جملة من الأمور بحقه وحق ذويه .
كانت مشاعر الخوف والحذر والترقب تكتنف الأجواء داخل بيت أبو ياسين فكيف سيكون رد فعل النظام وكيف سيواجهون هؤلاء الرفاق القساة الغلاظ وما هو ردهم إذا ما سئلوا عن ولدهم .
لم يمض على هروب ياسين (15) يوما حتى حضر عدد من أعضاء اللجنة الأمنية وكانوا جميعهم من أهالي المنطقة الى بيت أبو ياسين وراحوا يطرقون الباب الخارجي للدار بقوة وهم يحملون بنادقهم ومسدساتهم تتوسط أحزمتهم وقد ترجلوا من سيارتين احدهما كانت بيكب بيضاء والاخرى ميتسوبيشي
لم يكن ابو ياسين داخل الدار سمعت أحلام بالباب وهو يطرق بقوة وقالت بصوت مرتجف: يمه الباب يمكن اجونه الأمن
سارعت إلام وهي ترتدي عباءتها على عجل وزكية تسألها ماذا ستقول لهم ؟
خرجت إلام وما ان فتحت الباب الخ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا