الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التشكيلي الكردي صلاح حمه أمين وتجربة الفن التجريدي في التعامل مع الفن الفوتوغرافي

صلاح حمه أمين
(Salah H Ameen)

2021 / 10 / 27
الادب والفن


أشتي گرمياني / هولندا
ترجمة من الكردية / صلاح حمه أمين
الفنان التشكيلي الكردي صلاح الدين محمد أمين ، والمعروف بـ (صلاح حمه أمين) من مواليد محلة
بكلر بمدينة كركوك عام 1958 ، أنهى الدراسة الابتدائية والمتوسطة في مدينة كركوك ، شارك في مراحل
دراسته في المعارض المدرسية التي كانت تقيمه (المديرية العامة لتربية محافظة كركوك) ، شارك في عام
1977 في معرض مشترك لفناني مدينة كركوك ، وقد واصل بعد ذلك نشاطاته الفنية . أرغب هنا من خلال
متابعتي وقرأتي للأعمال الفنية للفنان التشكيلي (صلاح حمه أمين) أن ألقي الضوء على بعض جوانبها ،
والتي تشمل التكنيك والعمل المهني والمدارس الفنية التي إنتهجها خلال مسيرته الفنية ، تلك الأعمال التي
وضعتنا أمام عدة تساؤلات في مرحلة الثمانينيات ، وكذلك إلقاء الضوء على المواد والأدوات التي
إستعملها في رسم لوحاته الفنية في تلك المرحلة ، للوصول بأعماله الفنية الى ذلك الستايل والتكنيك والشكل
الفني التي هي من سمات المرحلة المعاصرة والحديثة في الفن التشكيلي في أيامنا هذه ، حيث يتوجه الفنان
في بعض الأحيان نحو هذا الأسلوب الفني بطرق وأساليب ملتوية ومختلفة لأثبات قدراته على التغيير
والتنوع الفني، وكذلك من خلال ايمانه وقناعته بهذا الأسلوب والاتجاه ، والتي هي بلاريب نتاج تجارب
وبحث فني دائم على غرارأعمال الفنان التشكيلي (صلاح حمه أمين) التي تضعنا وجهاً لوجه أمام حقيقة
تناول وإستخدام مواد وأدوات فنية مختلفة وغير متعارف عليها في العمل الفني ، ولكن الواضح والملفت
للنظر في تلك التجربة الفنية والفريدة ، تلك الاستفادة والتعمق الواضح من التجارب الفنية والعمل المهني
الفني ، من خلال ماضي فني تمتد جذورها نحو الحاضر في مسيرته الفنية ، من خلال لوحات وأعمال
فنية احتلت مساحات من ذاكرتنا ومازالت.
من هذا المنطلق فأنني أرى بأن الفنان (صلاح) بكل مايحمله من أحاسيس وفضاء فكري ، يسعى في كثير
من الأحيان الى اعادة الخطوط والألوان والأشكال الى اشكالها البدائية التي تنبع من خارج وعي وادراك
الأنسان بكل المقاييس ، أي الى حالة (عدم الوعي والادراك) ، حيث يعني هذا بكل تأكيد وجميع المقاييس
العودة الى الخطوط والملامح الأولى من وعي وأحاسيس الأنسان وتعاملاته .
ومن خلال متابعتنا لأعمال الفنان (صلاح) تلح علينا بعض الأسئلة التي نقف أمامها حائرين ؛ هل بأستطاعة
الأنسان أن يعيد رسم خطوط وأشكال لوحاته الاعتيادية ، وكذلك الخطوط المتعرجة والمتموجة بكل بساطة
وسهولة ؟ وهل بأستطاعة الفنان في مسيرته الفنية بكل بساطة ويسرأن يعيد رسم إحدى لوحاته الفنية بكل
تفاصيلها الدقيقة مع الأحتفاض بأجه الشبه بينهما ! أمر في غاية الصعوبة والتعقيد ، حيث انها بحاجة الى
مهارة واتقان ودقة فني فائق ، لأن رسم الخطوط والأشكال وملء المساحات الفارغة ، وكذلك الخطوط
الناعمة للوحة التي تشبه الى حد بعيد شعيرات الشعر ، لاتشبه أحدها الآخر ويصعب على الكثيرين إعادة
رسمها مرة أخرى بسهولة ، أو حتى محاولة إستنساخها فنياً من جديد ، من خلال أوجه التشابه ومدلولاتها
وبواطن مغزاها الذي يحاول الفنان بكل طاقاته الوصول إليها .
تعتبر ماتوصل إليه الفنان (صلاح حمه أمين) من خلال خوض غمارالتجريب والبحث عن كل ماهو
جديد في عالم الفن التشكيلي ، وإستعماله لتقنيات ومواد خارجة عما هو مألوف في عالم الفن التشكيلي،
بكل المقاييس الفنية،خلطاً وإهتزازاً للعقل والنفس البشري ،من خلال التعمق في بواطن الفن وتجريد الحياة .
ولكن للأسف الشديد كانت في كثيرمن الأحيان تعيقه ضعف بصره من التواصل والمزيد من الإبداع .
مسيرة فنية أنتجت لوحات على عكس جميع التشكيليين ، ترسم سكيجاتها خطوطها الأولية وأشكالها الفنية
في الضوء ، لكنها تنتج في الظلام ، ويعود بعد ذلك من جديد للتعامل معها واضافة لمسات فنية في الضوء؛
حيث تعتبر هذا بحد ذاتها إبداعاً وخلقاً فنياً .
تجريد الحياة من كل شيء والتعمق فيها ، من خلال رؤياه الفنية والفلسفية وتسييرها نحوأعمال خفية
وخارجة عن المألوف في تلك الحقبة الصعبة من الزمن ، والتي كانت تمتاز بها ملامح لتلك الأيام والسنين
التي عشناها ورأيناها بأم أعيننا ، حقبة وأيام لو تحدثنا عنها في أيامنا هذه لأعتبره البعض أموراً خارجة
عن كل ماهو مألوف ومعجزة لاتدركها العقل والإدراك البشري ، أيامٌ من حنظل وخوف وترقب ، أيام
كانت فيها الحدود ، حدوداً للخروج من الخوف والرعب ، ومن السجون المظلمة ، حيث يقابلها بلا شك
في طرفها الآخر بصيص أملٍ وبحثٍ عن شمس الحرية ، قلة هم أولائك الأشخاص الذين يدركون
ويستوعبون مغزى هذه الكلمات ودلالاتها ، أوحتى يستطيعون القيام بشرح خطوطها والكلمات .. من هذا
المنطلق والرؤيا فان الأعمال الفنية للفنان (صلاح حمه أمين) تحمل في متنها تلك الكلمات ومدلولاتها
التي تطرقنا إليها حيث تتضمن ، غرف مظلمة ، جبال والحلم بالعوالم التي ورائها ، أو تحت السراب ، فهل
تستطيع الحرب من خلال عيون ورؤيا مظلمة أن تزحزح الخطوط الضعيفة والفاقدة لحالة التنفس والحياة
من مكانها !
في عودة بالذاكرة الى (36) عاماً خلت ، تمر أمام عيني سلسلة كثيرة من النشاطات التشكيلية التي
سادت تلك الفترة الذهبية من مسيرة الحركة التشكيلية في مدينة كركوك كماً ونوعاً ، من هذا المنطلق،
وكذلك من خلال متابعتي ومشاهداتي لأكثرية النشاطات التشكيلية في تلك الفترة فإنني بدون أدنى شك
أعتبر نشاطات تلك الفترة كـ (ثورة فنية) بسطت ظلالها على الواقع الثقافي والفني في هذه المدينة العريقة
فناً وتأريخاً، والتي تتمثل بسنوات (1985) وما تلتها ، حيث أرى فيها بوادر انعطافة كبيرة في مسيرة
الحركة التشكيلية في مدينة كركوك ، وبداية (ثورة الفن المعاصروالحديث) والتي نرى ثمارها اليوم
داخل مدينة كركوك وخارجها وبالأخص في المنفى ، من قبل الفنانين الكركوكيين ، تلك الثورة التي نراها
سائدة في الفن التشكيلي في عصرنا الراهن ، فرياح التغييرفي عصرنا الراهن قد شملت الكثير والكثير
من الأشياء ، الأنسان ، العادات والتقاليد ، الأدوات ، التفكير ، وشتى أنواع الفنون ، التي عصفت بها
رياح التغيير ، ولكن يبقى فهم وإستيعاب تلك الماضي من قبل الأجيال الحالية والقادمة ، هي العقبة والمانع
الأصعب في طريقنا ، حين يضعنا أمام عدد من الأسئلة والإستفسارات ، عندما نُسأل لماذا نلاحق بذاكرتنا
تلك الفترة والأيام العصيبة .
من خلال هذا السياق سأحاول هنا أن ألقي بعض الأضواء على احدى الجوانب الجميلة والأبداعية لتلك
الفترة ، ليتسنى من خلالها للقاصي والداني الأطلاع عليها ، والتي تتمثل في القاء الضوء على بعض
جوانب مراحل رسم اللوحة عند الفنان التشكيلي (صلاح حمه أمين) والمواد التي كان يستعملها لأنجاز
لوحاته الفنية وكذلك الأجواء التي كانت يجب أن تتوفر في(مرسمه) في تلك المراحل ، والتي هي عبارة عن
غرفة منعزلة في الطابق الثاني من المنزل العائلي ، ذات حرارة مرتفعة ، والتي كانت تشبه في أوجه كثيرة
غرف الحياة السرية التي كنا نعيش فيها في تلك الحقبة المظلمة ، حيث كنا نختبأ عن عيون رجال الأمن
وملاحقاتهم . والملفت للنظر في تلك الغرفة أو(المرسم) وجود عدد من كاميرات التصويرالفوتوغرافي ،
إضافة لبعض مواد التصوير الفوتوغرافي من ضمنها ، أفلام ذات فئات وأحجام مختلفة ، مواد طبع
وتحميض الأفلام والصورالفوتوغرافية ، والخاصة باللونين الأبيض والأسود ، جهاز(لارجر) لطبع
الصورالفوتوغرافية ، أوراق طبع الصور ذات الأحجام المختلفة ، مجموعة من المواد الكيميائية والتي
كانت تخلط وتسمى (الدفلوب) والتي تستعمل لاظهار الصور ، ومادة (الهايبو) لتثبيت الصورعلى الأوراق
وإطالة عمرها، فرشاة الرسم ، أقلام الجاف أقلام الرصاص من فئة (أج) وتدرجاتها ، وأقلام روترنك
الهندسي ، مجموعة من قناني الحبر الصيني ، كلوب صفر باللون الأحمر والتي كانت تستعمل عند طبع
الصور، (بلاجكتور) بقوة (1000) واط ، لاستعمالها عند رسم اللوحات التشكيلية التي يعرف الفنان
(صلاح) فقط من أين يبدأ ويرمي بمرساته في تلك العالم الغريب والعجيب ، مجموعة من ألات وأدوات
(التصوير الفوتوغرافي) والتي كانت بعضها روسية الصنع والبعض الآخر يابانية ، والتي كان الحصول
عليها من الأمورالصعبة بل والمستحيلة في تلك الفترة ، إلا من خلال الحصول على موافقة (الجهات
الأمنية) أو في أصعب الحالات كان الحصول عليها يتم بشكل سري عن طريق أحد الأصدقاء أوالمعارف
الذين كانوا يمارسون مهنة(التصويرالفوتوغرافي) ويمتلكون (إستوديو) لهذا الغرض ، إضافة لصعوبة
الحصول على تلك اللألات والأدوات ، كانت تواجهه صعوبة أخرى والتي تتمثل في الحصول على
المواد المستخدمة في التصوير والطبع ، مثل أوراق طبع الصور اللماعة والمحببة وبالأخص (أوراق
الشيت) من الحجم الكبير ، وكذلك مواد الطبع والتحميض التي كانت تشكل عائقاً آخر أمام الفنان (صلاح
حمه أمين) وإبداعاته .
من خلال متابعاتنا للتجارب الفنية التي كان يقوم بها الفنان (صلاح حمه أمين) ، والتي تعود بداياتها
الى عام (1981) ، يتضح لنا بشكل لالبس فيه بأنه كان التشكيلي الأول والوحيد الذي اقتحم عالم التجديد
والتجريب في الفن التشكيلي ، من خلال ادخال (تقنيات التصويرالفوتوغرافي) في الفن التشكيلي ، وذلك
من خلال تكنيك واسلوب مختلف وغير متعارف عليها ، حيث أظهرتها لوحاته التشكيلية التي عرضها في
معرضه الشخصي ، الذي أقامه في عام (1985) ، وكذلك المعارض المشتركة والتي شارك فيها فيما بعد ،
والتي تميزت بتجاربه الفنية واسلوبه الخاص والفريد في الفن التشكيلي . والجدير بالذكر ، انني في تلك
الفترة ، كنت في كثير من الأحيان أقوم بزيارته في (مرسمه) الذي احتل بها احدى غرف منزلهم في
الطابق الثاني ، والتي كانت درجة حرارة تلك الغرفة في أغلب الأحيان لاتقل عن (48) درجة مئوية صيفاً
وشتاءً ، وذلك لكي لاتتلف البرودة والرطوبة (المواد الكيميائية) التي كان يستخدمها لطبع وتحميض أعماله
الفنية . الملفت للنظرفي مراحل رسم اللوحة التي كان يقوم بها الفنان (صلاح حمه أمين) ، انه كان بعد
تحديد فكرة وموضوع اللوحة والأشكال التي تحتويها ،وتوزيعها على المساحاتها الفارغة وفق معايير فنية ،
كان يتحول بخطواته الفنية الى المرحلة العملية من خلال رسم سكيج اللوحة واجراء تخطيطاتها والأشكال
التي تحتويها على (فلم التصوير الفوتوغرافي) بالكتر وبعض الألات الحادة والمدببة بكل دقة وحذر، وبعد
اكمال عملية الرسم الأولية ، كان يتحول الى مرحلة طبع اللوحة على (أوراق التصويرالفوتوغرافي)
وتجفيفها ، حيث تأتي بعد ذلك المرحلة الثانية من العمل اليدوي ، والتي كان يقوم بها بطريقة فنية ومهارة
مهنية، وذلك عن طريق اضافات ولمسات فنية بواسطة الحبر الصيني وأقلام الجاف وأقلام الروترنك
الهندسي ، اضافة للحبر الأبيض الذي كان يستعين بها في بعض الأحيان .
من سياق ماتناولناه عن مراحل رسم اللوحة عند الفنان (صلاح حمه أمين) يتضح لنا بأنه في سبيل اتمام
لوحاته وخطواته الفنية تلك ، كان بحاجة الى جهد ووقت اكثرعلى خلاف جميع التشكيليين ، وأما اذا كانت
اللوحة التي يرسمها من الأحجام الكبيرة ، فانه بدون أدنى شك كان بحاجة الى جهد وعمل فني أكبر ووقت
أكثر . ومع كل ذلك فقد أفرزت تلك المرحلة من مسيرته الفنية ، انتاج مجموعة كبيرة من اللوحات الفنية ،
وعلاوة على ذلك فقد كانت لأختلاطه وعلاقاته مع مجموعة من التشكيليين في تلك المرحلة أثراً اجابياً
ومباشراًعلى تواصله وخطواته الفنية الجريئة وانتاجه الفني الغزير والملفت للنظر .
والملاحظ في لوحات الفنان التشكيلي (صلاح حمه أمين) بأنه كان متأثراً بالمدارس التجريدية والتعبيرية
والرمزية ، تتخللها في بعض الأحيان السريالية ، مع الأحتفاض ببصمته وأسلوبه الخاص ، الذي يميزه الى
حد كبير عن سائر الفنانين التشكيليين الذين كانوا في تلك الفترة متأثرين بتلك المدارس والأتجاهات الفنية .
بقي لنا أن نقول بأن بقاء وصمود الفنان التشكيلي (صلاح حمه أمين) في مدينة كركوك رغم صعوبة
الحياة تحت ظل النظام السابق في فترة الثمانينيات والتسعينيات ، ومشاركاته في الحياة الثقافية والمعارض
التشكيلية له دلالات وأهمية خاصة بالنسبة لنا ، حيث كنا ومانزال نعتبره سمبلة الجمال والانسانية ورمزاً
حياً لحقبة الثمانينيات وما أعقبها من مسيرة الحركة التشكيلية في مدينة كركوك .
______________
نشرت جزء من هذا المقال بتأريخ 25 / 7 / 2021 باللغة الكردية في موقع (مركز الجالية الكردية في
الخارج) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا