الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات أولية حول عدم دستورية بيان إنقلاب الجنرال برهان

أحمد عثمان

2021 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


يحاول البعض عبثاً أن يشرعن ما ورد من إجراءات و قرارات غير دستورية ببيان إنقلاب الجنرال عبدالفتاح برهان، إنطلاقاً من قاعدة أن الوثيقة الدستورية عبارة عن دستور منحة، منحها برهان بصفته رئيساً للمجلس العسكري الإنتقالي (مجلس إنقلاب القصر الذي نفذته اللجنة الأمنية لنظام المخلوع عمر البشير ضد نظامها)، و نشرت في الجريدة الرسمية بهذه الصفة، ومن يمنح يمنع حسب القاعدة العامة للتفسير و المشروعية و تحديد مصدر السلطات.
و هذا الرأي غير صحيح ألبتة، و هو يستخدم قاعدة من "يمنح يمنع" في غير محلها، و ذلك لما يلي من أسباب:
(1) قاعدة من "يمنح يمنع" ، قاعدة تطبق في ظل نظام قانوني قائم راسخ و مستقر، تحددت سلطته و مصدر مشروعيته إستناداً لإرادة شعبية ، و تقننت السلطات ومصادرها وفقاً لمبدأ المشروعية القائم على سلطة الشعب في إصدار تشريعاته، وسحبها على سلطة الأمر الواقع الناشئة عن إنقلاب عسكري يقنن الديكتاتورية و سلب الشعب حقه الأساسي في التشريع لنفسه و خصوصاً في وضع تشريعاته الأساسية كالدساتير. وهي في الحالة الراهنة، إضفاء مشروعية على إنقلاب القصر و إعتباره السلطة المؤسسة لأي تشريع دستوري، و أنه المصدر الوحيد للوثيقة الدستورية، في حين أن المنحة مشتركة ما بين مجلس إنقلاب القصر و التيار التسووي بقوى الحرية و التغيير، حتى وإن كان تقنينها من ناحية دستورية قد تم من قبل الجنرال برهان بصفته لتأخذ المشروعية الدستورية، لأنها بأخذها المشروعية الدستورية أصبحت حاكمة للجنرال برهان الذي حل المجلس المقنن بموجبها و أفقده مشروعيته كإنقلاب منفرد بالسلطة.
(2) الزعم بأن الجنرال برهان يستطيع أن يمنع لأنه منح، يعني إعترافاً كاملاً و صريحاً بسلطة الإنقلاب العسكري الذي نفذته اللجنة الأمنية للإنقاذ، و إلغاءاً صريحاً لإرادة الشعب السوداني و ثورته العظيمة، و قبولاً بالإنقلابات العسكرية و إعترافاً بمشروعية سلطاتها التأسيسية، و إعلاء إرادة العسكريين المغامرين فوق إرادة الشعوب. و من يزعم بأن هذه القاعدة تنطبق على الوضع الماثل، يقول حرفياً أن إرادة إنقلاب القصر فوق لإرادة الشعب السوداني، و أن لمجلس الإنقلاب – بل لرئيسه فقط- أن يلغي إرادة مشتركة بين المجلس و قوى التيار التسووي التي مثلت الشعب وفقاً لهواه و متى ما أراد ذلك. و لا نظن بأن هذه النتيجة مقبولة حتى لمن يروجون هذه المقولة الخاطئة.
(3) الجنرال برهان حين إصدار بيانه، كانت صفته هي رئيس مجلس السيادة الإنتقالي و ليس رئيساً للمجلس العسكري الإنتقالي، و هو بهذه الصفة الدستورية، لا يستطيع أن يتقمص شخصية رئيس المجلس العسكري الإنتقالي الذي وأده بنفسه عبر إعتماد الوثيقة الدستورية بصفته، ليصدر قرار بهذه الصفة المندثرة البائدة بإعتباره قد منح عبرها و يستطيع أن يمنع عبرها أيضاً. فصفته كرئيس مجلس عسكري إنتقالي إندثرت بإرادة جماعية للمجلس العسكري الإنتقالي نفسه عبر إتفاقه مع التيار التسووي على بنود الوثيقة الدستورية، و لا يستطيع أن يحيها الجنرال برهان و هي رميم إلا إذا إدعى أنه يملك قدرة إلهية.
(4) الوثيقة الدستورية التي إعتمدها الجنرال برهان بصفته رئيساً للمجلس العسكري الإنتقالي ، و قعها نائب رئيس المجلس العسكري الإنتقالي (محمد حمدان دقلو) بصفته "المفوض عن المجلس العسكري الإنتقالي" كما هو منشور في الجريدة الرسمية، لذلك لا يستطيع برهان كرئيس لذلك المجلس المندثر، أن يلغ إرادة هذا المجلس نفسه بإرادته الفردية . فحتى إن قبلنا تجاوزاً أن قاعدة " من يمنح يمنع" تنطبق كمصدر للمشروعية و قننا سلطة الإنقلابات العسكرية و مشروعية تشريعاتها التأسيسية – و نحن لا نرى أي مشروعية للإنقلابات العسكرية و تشريعاتها، فإننا نصل إلى نفس نتيجة أن برهان كفرد، حتى و إن بعث صفته رئيساً للمجلس العسكري الإنتقالي من رمادها ، و تحقق من قيامتها كقيامة المسيح من بين الأموات في العقيدة المسيحية، فإنه بهذه الصفة لا يستطيع أن يعلق نصوص الوثيقة الدستورية أو أن يصدر أي قرارات بشأنها، لأنها منحت من ذاك المجلس مجتمعاً و وقعها ممثله "دقلو"، و بالتالي ذلك المجلس المندثر هو الجهة الوحيدة التي تستطيع أن تمنع في هذه الحالة لأنها هي من منح و ليس الجنرال البرهان. و عليه، يجب على الجنرال البرهان أن يوضح متى عاد المجلس العسكري الإنتقالي للحياة و متى إجتمع و قرر سحب منحته و متى فوضه بإعلان ذلك في بيان إنقلابه الجديد المستمر.
(5) إعلان الجنرال برهان بيان إنقلابه في لحظة يحمل فيها صفة رئيس مجلس السيادة الإنتقالي، يجعل جميع قراراته باطلة و غير دستورية، بما فيها قراره بتعليق مواد الوثيقة الدستورية، لأن لا صفة و لا سلطة لرئيس مجلس السيادة الإنتقالي في التصرف في نصوص الوثيقة الدستورية بالتعديل أو التعليق أو بأي صورة من الصور. و بالتالي يصبح تعليقه للمادة (72) من الوثيقة الدستورية التي تنص على أن " يحل المجلس العسكري الإنتقالي بأداء القسم الدستوري من قبل أعضاء مجلس السيادة" باطلاً و غير دستوري، لأنه صادر من جهة غير ذات صفة في التعليق و لا مشروعية دستورية لتصرفاتها بالصفة التي أصدرت بها هذه التصرفات. و حتى إن سلمنا جدلاً – و الجدل غير الواقع بالحتم- أن الجنرال برهان يملك السلطة الدستورية لتعليق بنود الوثيقة الدستورية ، فإن مجرد تعليق حل مجلس الإنقلاب، لا يبعثه من رماده كطائر فينيق يبعث من رماده، إلا إذا قبلنا أن فعل تأسيسه كمجلس لإنقلاب عسكري فعل مشروع و قائم و فاعل، و في هذا إعتراف صريح بأن ماتم هو إنقلاب عسكري أو إستمرار للإنقلاب العسكري الذي وقع في 11 أبريل 2019م. و في هذه الحالة على الجنرال برهان أن يعترف أمام العالم أجمع بأن ما قام به هو عملية إنقلابية تمثل إستمراراً لإنقلاب القصر الذي نفذته اللجنة الأمنية بدلاً من التمثيلية السمجة التي يقدمها في مسرح العبث الحالي.
(6) الوثيقة الدستورية هي "دستور منحة" بإرادة مشتركة بين إنقلاب القصر و التيار التسووي، و الجنرال برهان قننها بصفته رئيس المجلس العسكري الإنتقالي للإنقلاب عبر إعتمادها، و بعد الإعتماد بهذه الصفة إندثرت الصفة و إندثر مجلسها الذي أعطاها سلطة الإعتماد، فأصبحت الوثيقة المنحة هي الحاكمة كعقد يعتبر قانوناً شريعة المتعاقدين و لا يجوز نقضه أو تعديله بإرادة منفردة في كل النظم القانونية في العالم أجمع. لذلك لا يجوز للجنرال برهان أن ينقض أو يعلق أو يعدل أي نص من النصوص الناشئة عن إتفاق أبرمه مجلسه الإنقلابي مجتمعاً مع جهة أخرى هي التيار التسووي في قوى الحرية و التغيير. و هو بحاجة في كل ما قام به لتكرار إغتصاب سلطة التشريع مجددا بمساعدة التيار التسووي لتعديل الوثيقة الدستورية أو تعليق نصوصها .
(7) بيان إنقلاب الجنرال برهان نفسه نص حرفياً على ما يلي: " ثانياً: التمسك الكامل بالإلتزام التام بالوثيقة الدستورية الفترة الإنتقالية للعام 2019 و اتفاق سلام السودان الموقع في جوبا أكتوبر للعام 2020". و هذا التمسك و الإلتزام التام بالوثيقة الدستورية، يلزمه بإتباع نصوصها لا تعليقها، و يؤكد عدم دستورية و لا مشروعية أي قرارات تصدر منه تخالف هذه الوثيقة الدستورية ، كما يلزمه بالإحتفاظ بصفته كرئيس لمجلس السيادة الإنتقالي، و يمنعه من إعادة إرتداء ثوب رئيس المجلس العسكري الإنتقالي المقبور، و يسقط تماماً مزاعم من يقولون بأن له الحق في خرق الوثيقة الدستورية إستناداً إلى قاعدة "من يمنح يمنع". فهو بلسانه و بصريح عباراته، يقول بأنه متمسك بالوثيقة الدستورية بالكامل و ملتزماً بها إلتزاماً تاماً، مما يستحيل معه إستعادة صفته السابقة لها لإفراغ هذه الوثيقة من محتواها و تحويلها إلى مرسوم إنقلابي مكمل لمراسيم إنقلاب القصر الدستورية في مرحلة ما قبل الوثيقة الدستورية.
(8) توسل الجنرال برهان بإعلان حالة الطوارئ لتقنين تصرفاته الإنقلابية لا يسعفه حتماً. فكما رأينا سابقاً، هو لا يملك سلطة لإصدار أياً من القرارات التي أصدرها في بيانه، ولا يملك حتماً سلطة إعلان حالة الطوارئ ذاتها. فالمادة (40-1) من الوثيقة الدستورية تنص على ما يلي: " عند وقوع أي خطر طارئ أو كارثة طبيعية أو أوبئة، يهدد وحدة البلاد أو أي جزء منها أو سلامتها أو إقتصادها، يجوز لمجلس السيادة بطلب من مجلس الوزراء إعلان حالة الطوارئ في البلاد أو في أي جزء منها، وفقاً لهذه الوثيقة الدستورية والقانون". و الواضح من النص أن من يملك سلطة إعلان حالة الطوارئ هو مجلس السيادة مجتمعاً و ليس رئيسه منفرداً، و أن مجلس السيادة نفسه لا يستطيع أن يعلنها بمبادرة منه بل إستناداً إلى طلب من مجلس الوزراء. و بما أنه لم يكن هناك طلب من مجلس الوزراء و لم يصدر قرار من مجلس السيادة بإعلان حالة الطوارئ، يصبح إعلان حالة الطوارئ باطلاً و غير دستوري قولاً واحداً.
(9) المواد من (11) إلى (14) بالوثيقة الدستورية الخاصة بمجلس السيادة، لم يرد بها أي نص يخول أي جهة سلطة حل مجلس السيادة، و لكن المادة (78) من الوثيقة التي أعطت المجلس التشريعي الإنتقالي سلطة تعديل الوثيقة الدستورية بأغلبية الثلثين، أعطت ضمنياً هذه السلطة لذلك المجلس الذي يستطيع تعديل الوثيقة و إلغاء المجلس برمته و بالتبعية حله عبر الإلغاء. كذلك لم يرد بالمواد من (16) إلى (18) من الوثيقة الدستورية الخاصة بمجلس الوزراء تفويضاً لأي جهة بحل هذا المجلس. لذلك ما ورد من قرار بحل مجلس السيادة و حل مجلس الوزراء في بيان الإنقلاب، يؤكد أن ما تم هو إنقلاب صريح على الدستور و تقويض له، يشكل جريمة معاقب عليها بالإعدام بموجب المادة ( 50) من القانون الجنائي و المادة ( 162-1) من قانون القوات المسلحة.
و يؤكد وقوع هذا الإنقلاب، تعليق المواد الخاصة بالشراكة بين المجلس العسكري الإنتقالي الإنقلابي و التيار التسووي بقوى الحرية و التغيير، كالمادة (24-3) الخاصة بتكوين المجلس التشريعي، و المادة (71) التي تؤكد أن الوثيقة الدستورية مستمدة من الإتفاق السياسي بين الطرفين ، و محاولة إحياء المجلس العسكري الإنتقالي بإلغاء المادة (72) من الوثيقة الدستورية. و كل ذلك يعني إنفراد المجلس العسكري الإنقلابي بالسلطة، و إلغاء شراكة الدم مع التيار التسووي بقوى الحرية و التغيير، و السيطرة على الجهاز التنفيذي و التشريعي، لتكميل السيطرة على كامل أجهزة الدولة بإعتبار أن القضاء مسيطر عليه تماماً من قبل نظام الإنقاذ و لجنته الأمنية. و من يزعم أن ما تم ليس إنقلاباً، عليه أن يفسر ماذا تعني محاولة إحياء مجلس الإنقلاب العسكري و حل الجهاز التنفيذي و مجلس السيادة و تعليق النص الخاص بتكوين المجلس الإنتقالي التشريعي، و جمع السلطات في يد الجنرال برهان و لجنته الأمنية من خلفه؟
ما تم إنقلاب عسكري كامل الدسم، كل ما صدر منه من قرارات غير دستوري و مخالف للنظام الدستوري، و هو يشكل تقويضاً مباشراً للنظام الدستوري القائم، و جريمة معاقباً عليها، تستلزم ملاحقة من قام به جنائياً.
و قوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله.
27/10/2021م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل