الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطايا الغرور السياسي الكردي

جرجيس كوليزادة

2021 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


الغرور، صفة منكرة وخطيئة خبيثة وعمل لاحميد يتميز به فئات ومكونات الاقلية السياسية الحاكمة والمسيطرة على كافة مفاصل نظام الحكم سياسيا وامنيا وماليا وتجاريا واقتصاديا في اقليم كردستان، والمشكلة ان الغرور السياسي الكردي تحول الى خطايا شيطانية تذبح بها رقاب كرد العراق نهارا وجهارا، ومن ابرز شخوصه الرؤساء والوزراء وكبار الموظفين واصحاب الاموال والنفوذ والمسؤولين الحزبيين والحكوميين وافراد العوائل المتسلطة ورؤساء العشائر الحاكمة وبقايا المسؤولين من النظام البائد من مستشارين ورؤساء ومنتسبي الافواج الخفيفة التي شكلتها الحكومة البائدة لمجابهة البيشمركة المعارضة، والتي وصلت اعدادها لاكثر من نصف مليون مسلح (جاش)، وذلك لمحاربة مجموعات البيشمركة التي لم تكن اعدادها تتجاوز عشرة الاف مقاتل في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
ونتيجة لمشاعر التناقض التي سيطرت على افراد المجتمع الكردي في تلك المرحلة للتعبير عن الانتماء الى السلطة الممثلة بقوات (الجحش)، والمعارضة الوطنية الممثلة بقوات البشمركة، فان المكون الكردي مر بثلاث مراحل اجتماعية حساسة حرجة خلال ثلاث عقود من القرنين الماضي والحالي، حيث بدأت المرحلة الاولى بسبعينيات القرن الماضي حيث نزلت اموال طائلة من الحكومة على مجموعات ومكونات من سكان الجبال من اصحاب التعويض في المناطق المجاورة لتركيا وايران وسوريا، وهم من اصحاب ومالكي البساتين والمراعي والحيوانات في المناطق الحدودية بمسافة اكثر من ثلاثين كم، حيث عوضوا هؤلاء باموال كثيرة مقابل ترك مناطقهم الجغرافية، وقد نجحت حكومة البعث من خلال منح الاموال بتفريغ المناطق الحدودية من سكانها وضرب الاقتصاد الكردي القروي لعقود عديدة، وقد استقرت مجموعة المعوضين واهاليهم واسرهم في المدن والمجمعات السكنية، وقد اتسم الواقع الاجتماعي والنفسي لهؤلاء بخواص الغرور الشخصي والأمي نتيجة الاموال الطائلة التي مطرت عليهم، وقد رافقت هذه الفئة مجموعة المسلحين الكرد الحكوميين المسمى بفرسان الجحوش والافواج الخفيفة، حيث وظفت هذه القوات لمحاربة البيشمركة التابعة للمعارضة الوطنية الكردستانية في جبال وسهول الاقليم في تلك الفترة، وقد انزلت الحكومة اضافة الى فئة المعوضين، اموالا طائلة على رؤساء ومنتسبي ومقاتلي المفارز والسرايا والافواج الخاصة التي كانت معدة لمحاربة القوى الكردية المعارضة، ونتيجة للاموال الهائلة التي انزلتها سلطة البعث على المعوضين والقوات الكردية الحكومية، فقد خلقت حالة اجتماعية غير طبيعية وغير سوية من مشبعة بالغرور الشخصي والاجتماعي لفئات عديدة من رؤساء ومسؤولي ومقاتلي قوات فرسان الجحوش، وقد بلغت حدود الغرور حدا لا يطاق بممارسات وسلوكيات مثيرة وغريبة عن التقاليد والاعراف الاصيلة للمجتمع الكردي.
وبدأت المرحلة الثانية مع بداية الانتفاضة الجماهيرية ضد نظام البعث سنة واحد وتسعين ولحين سنة سقوط النظام البائد، وجراء الاوضاع العراقية والاقليمية التي ترتبت على عملية غزو صدام للجارة دولة الكويت، سلمت سلطة ادارة اراضي اقليم كردستان على طبق من الذهب بدون جهد عسكري ولا سياسي الى قيادات ومقاتلي الاحزاب الكردية باسم الجبهة الكردستانية والتي تأسست باشراف ورعاية ايرانية لمعادات حكم البعث بالعراق، وخاصة منهم الحزبين الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود برزاني والاتحاد الوطني برئاسة جلال طالباني، وبفعل الدعم الانساني والمعنوي والعسكري للولايات المتحدة والتحالف الدولي، فقد ترسخت السيطرة الامنية والحزبية والعائلية والعشائرية بقبضة من الحديد والنار للرئيسين برزاني وطالباني على اقليم كردستان منذ سنة الانتفاضة والى يومنا هذا، وخلال السنوات الفاصلة بين الانتفاضة وسنة السقوط نهب الرئيسين وحزبيهما وعائلتيهما كل الموارد والثروات والممتلكات التي كانت عائدة للمال العام، وحتى السدود لم تسلم منهما فقد باعا منشات سد بيخمة بمبالغ زهيدة وهربت محتوياته الى دول مجاورة، لذلك تكونت ثروات طائلة لدى الرئيسين ومسؤولي الحزبين الحاكمين، ونتجت عن هذه الحالة اللاشرعية من الثراء الفاحش والمال الفاسد، حالات مقززة من الغرور الفردي والجماعي لدى المسؤولين الكبار والصغار ولدى افراد عائلاتهم وابنائهم، وبدأت ملامح التخريب الاجتماعي والاخلاقي للمجتمع الكردي من قبل المسؤولين وابنائهم قبل سنة سقوط النظام وبعدها استفحلت بدرجة كبيرة، وقد بدى المسار الذي تسير عليه سلطة الحزبين الحاكمين مخربا ومدمرا للتقاليد الكردية الاصيلة والاعراف الاخلاقية الحميدة التي كان يتصف بها المجتمع الكردي.
والمرحلة الثالثة بدأت بعد سقوط نظام البعث سنة الفين وثلاثة، حيث فتحت ابواب هطول الاموال الطائلة بعشرات ومئات المليارات من الدولار على الرئيسين برزاني وطالباني، وبدلا من نزول تلك الاموال على عموم الشعب الكردي استحقاقا لهم، فقد سرق هطول الاموال الشرعية واللاشرعية من قبل رؤساء وقادة ومسؤولي الحزبين الحاكمين، وبذلك تحولوا الى اثرياء فاحشين واغنياء جشعين بلا اخلاق وبلا وطنية وبلا انسانية وبلا سمة كوردايةتية، ولم يكتفوا بسرقة المال العام والاراضي والثروات والموارد والممتلكات الحكومية طوال اغتصابهم للسلطة من سنة واحد وتسعين والى الان، بل جعلوا من الحكومة برمتها وسيلة بايديهم وجعلوا من البرلمان اضحوكة بيد ممثلين مراهقين عائدين لهم كعبيد، وجعلوا من السلطة الكردية مهزلة للقريب والغريب، وكأنت الساحتين الحكومية والنيابية ملعب للطائشين من ممثلي الاحزاب التي لم تفكر ولم تحس في يوم ما بآهات المواطنين ومآسي عامة الناس.
وقد تجلى ابشع صور الغرور السياسي للرئيسين والحزبين والعائلتين الحاكمتين بما يلي: سرقة ونهب الموارد والثروات والممتلكات العامة طوال ثلاثين سنة من الحكم الفاسد المتواصل، احتكار النقط والغاز والثروات المعدنية بكامل قطاعاتها وتحويلها الى ممتلكات عائلية وحزبية، نهب رواتب الموظفين طوال سبع سنين عجاف باسم الادخار الاجباري، السيطرة الاحتكارية على كافة الاسواق والتجارة الدااخلية والخارجية وتحويلها الى موارد شخصية وحزبية وعائلية والتلاعب العالي باسعار المواد الغذائية والارزاق والادوية والوقود الابيض والمحرقات الالية، تحويل الممتلكات العامة من اراضي ومباني ومشاتل ومدارس حكومية الى ممتلكات شخصية لافراد وجماعات من العائلتين الحاكمتين، انفلة الاراضي الزراعية في عموم الاقلبم باسم المشاريع المزيفة وتحوليها الى ممتلكات شخصية وحزبية وعائلية، فرض ازمات معيشية وحياتية متلاحقة على عامة الناس وتحويل حياتهم الى مآسي متواصلة واغتصاب حقوقهم المادية والدستورية، السبات المتعمد والصمت المتقصد لرئيس الحزب الديمقراطي الذي يطرح كمرجع سياسي للاقليم ولكرد العراق وسكوته المشين عن الازمات الاقتصادية الحادة والحياتية القاسية التي يتعرض لها الشعب الكردي، وسكوت الاحزاب عن الطريقة البوليسية التي تدار بها الاقليم، والسرقة المكشوفة للاراضي العامة من قبل الشركات والمافيات الحزبية والعائلية، والتعدي الصارخ للحكومة على قطاعات الخدمات العامة وتحويلها الى شركات اهلية حزبية وعائلية وفرض اسعار جديدة عالية على كاهل المواطنين لخدمات الماء والكهرباء والصحة والتربية والبلديات وغيرها، تحول الحزبين الحاكمين علنا وطوال عقود الى شركتين تجاريتين لاغتصاب كل ثروات والممتلكات العامة لكرد العراق وتفريغ الاقليم من موارده العامة، ولهذا فان ما نجده من غرور عالي وفساد رهيب وسرقات عملاقة هو بالاصل ممارسات وخطايا شيطانية تقوم بها سلطة الاقليم عنوة وعمدا لتدمير حاضر ومستقبل الشعب الكردي بالعراق، وعداوة السلطة والحكومة والحزبين والعائلتين للشعب وللكرد واضحة وضوح الشمس ومنذ سنة الانتفاضة والى يومنا هذا، وتصريح وتصريح احد وزراء حكومة البرزاني تعدي صارخ على المواطنين وحقوقهم الدستورية، وذلك بقوله بما معناه ان الحكومة لا تقدر على معالجة ازمة ارتفاع اسعار الوقود وان الحكومة ليست لها سلطة على شركات القطاع الخاص، وكأن الحكومة في واد والشعب الكردي بمعاناته وازماته الحياتية والمعيشية في واد اخر.
والمعلوم للجميع، وبالرغم من االفساد الذي يعم بغداد والمحافظات العراقية، الا ان التقاليد الاجتماعية للاتصالات الشعبية والجماهيرية بين اصحاب النفوذ والمسؤولين وعامة الناس، باقية على حالها بين السياسي والمواطن، وبين المسؤول والناس، وبين رئيس الحزب والمنتسبين، وبين رئيس العشيرة وابنائها، وبين زعيم القبيلة واتباعها، ومشاهد ملء الدواوين الشخصية والعشائرية بالمواطنين وعامة الناس ظاهرة يومية تقليدية عريقة للعراقين العرب، وهو مبعث فخر واعتزاز لهم وللجميع، ولكن المؤسف جدا ان هذه التقاليد لا نجد مثيل لها في المكونات الحزبية والعائلية والعشائرية والشخصية داخل المجتمع الكردي بالاقليم، وخاصة لدى الرؤساء والساسة والمسؤوليين وممثلي المكونات العشائرية والقبلية، وان وجدت فهي ممثلة ومطوقة بالحكم الوراثي العائلي وبحالة شبيهة بالرئيس والمرؤس والسيد والعبد.
والمؤلم جدا ان الغرور السياسي والاجتماعي قد رافق باستمرار حالات القيادات العشائرية والسياسية والدينية والاجتماعية لاغلب مكونات المجتمع الكردي في القديم والحاضر، ولكنه بات اكثر شيوعا واكثر فرضا منذ اكثر من عقدين لدى الرؤساء والساسة والمسؤولين الحكوميين والحزبيين وافراد العوائل الحاكمة ورؤساء العشائر واصحاب الاموال والنفوذ والاثرياء الفاحشين والاغنياء الفاسدين، وعلى كافة الاصعدة الحكومية والحزبية والاهلية، والمشكلة الاكثر سوءا ان سمات الغرور بات اكثر خرابا وتدميرا للمقومات الاخلاقية للمجتمع الكردي، خاصة الصادرة من قبل ابناء المسؤولين حيث تحولت غرورهم وافعالهم المنكرة والمشينة الى خطايا شيطانية، فهؤلاء باتوا اكثر خطورة من ابائهم المسؤولين على عامة الناس بممارساتهم وسلوكياتهم المنفلتة، وبغرورهم وتكبرهم المهين وتباهيهم الفارغ، وبمظاهرهم وتصرفاتهم اللاخلاقية، وباتت افعالهم واعمالهم وحركاتهم ترافق بالقتل المتعمد افتخارا وبالجريمة المنظمة ابتهاجا، يندى لها الجبين الكردي، وتترنح من وطئتها سمعة الاقليم سياسيا واخلاقيا، وذلك نتيجة ضلالة افعال الشلة الضالة من ابناء المسؤولين وخاصة الرؤساء والكبار منهم، وبالختام نقول حسبنا الله ونعم الوكيل منهم ومن ابائهم الجائرين ومن عوائلهم المتسلطة، ونؤكد من اجل ازاحة هؤلاء الفاسدين المارقين، واذا الكرد يوما اراد الحياة فلابد للقدر ان يستجيب ولابد لليل ان ينجلي ولابد للقيد ان ينكسر، والله من وراء القصد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية