الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


# من أرشيفي القديم # 8

صلاح زنكنه

2021 / 10 / 27
الادب والفن


هذا مقال باذخ آخر للقاص والروائي الكبير (أحمد خلف) وهو يحتفي بكائناتي
# الكشف عن المخفي والمستور في كائنات صغيرة #

تنشـغـل قـصـص (صـلاح زنكنه) بالمعـضلة الأخلاقية والاجتماعية المؤثرة التي يتوجه إليها الراوي, أكثر ما تنغمس في الإنشـاء أو الدخـول بـتـفـاصيل طويلة تلهي القارئ عن الهم المطروح فيها, ويـعـود ذلك الى محاولة القاص زنكنة خلق صوت خاص أو حضور قصصي يتسم بالخصوصية الذاتية التي تعينه على تحديد سمات ذلك الأسلوب.
إن وجـود الاستعارات والكنايات أو التشبيهات نادراً ما تتواجد بين نصوص القاص، ويبدو أن الانشغال بها يأتي في مرحلة لاحقة أي أن تراتبية الاهتمام والانشغال تكون أسبقيتها للإخبار المتعجل عن الحـالة أو المعـضلة، والقـاص يروي لنا كل شيء يدور من حـوله وبعين بـصـيـرة أقـرب إلى عين الكاميرا التي ترى بوضوح قد يثقل علينا بجرأة وشراسة تفضح تلك الخـفـايا والأسرار التي حرصنا على اخفائها زمناً، ونحن ندرك أن لحظة الكشف أتية لا مـحـال وأن عين القاص لنا بالمرصاد, وهي عين بصيرة ولديها القدرة على ايهامنا وتوريطنا، والذي ظل القـاص ـ منشـغـلاً زمناً طويلاً في مـحـاولة جـادة وتصميم بارع على مزاوجة الخيالي بالواقعي.
إن المكامن وبيوت الأسرار تصبح مع الزمن جزءا من الخيالي بما يحيط بها من أساطير واشاعات وما يكتنفه من سرية وتخوف على أن يصبح معلنا ومكشوفا للآخر, والقاص هنا يجعل من لحظة دخوله بيت الأسرار طريقة عمل, بل سمة مميزة عن أقرانه في موجهات القص, فلا غرابة أذن حين نجده يتسم بالجرأة وعدم التردد في اختصار المسافة نحو جوهر القص, بل لا تسلم الموجودات والأشياء كلها من قدرته في التناول الصريح والواضح وإن أخذ طابع التصادم مع الآخر والذي قد يجر على القاص بعضا من الاشكالات التي لا تتصل بالنص المكتوب بقدر ما تتصل بأخلاقية القارئ وإمكانية تأويل أبعاد النص ومضامينه.
وبما أن عين القاص قادرة على النفاذ في جـسـد الأشياء، تراها وتشخص هـويتـهـا وحقيقتها، لذا فقد أدرك القاص زنكنه أن أفضل الأساليب الموحـيـة أو القـادرة على خلق حالة من انسجام بين هذه التراتبية في اللعبة السردية، هـو أسلوب البرقية (القصيرة جدا) بما تعتمده من عبارة واضحة صريحة, وصفاء في المعنى, واللجوء الى طريقة الضربة الموجعة في التعبير عن المكامن الخفية, وهو يسلط الضوء الشديد على دهاليز أرواحنا دون تردد, ذلك هو الطابع العام في قصص زنكنه الذي يحـمـل قسطاً وافرا من المخفي والمستور, تلـك أحدى الـهـمـوم التي تشغل ذهن القاص زنكنه, الذي نقرأ له بشغف، فإننا في كل الحالات ومعظم الأحـوال نفرد مكاناً له بيننا وإن اختلفنا معه.
وحين أقول عن قصصه في (كائنات صغيرة) إنها تـعـتـمـد الأسلوب البـرقي فـلا يعني انشغالها بهذا الأسلوب فقط ، بل هناك عدد من القصص اعتمدت المزاوجة بين أساليب عدة، بحيث تداخلت بعضها مع بعض بمهارة ملموسة وقصدية عالية في استثمار الخيال، فالخيالي السريالي لديه يمتزج مع الواقعي امتزاجاً يوشك أن يكون عضوياً, بحيث يجـري كل شيء على مـسـتـوى احـتـمـال الوقـوع, غيـر أنـهـا أقرب الى الخـيـال، لنقـرأ له :
« دخلت الحمام على عجلة من أمري, وخلعت ثيابي وفـتـحت صنبور الماء, فـراح الدش ينث الماء على جسدي. شيئاً ، فشيئاً بدأ جسدي ينكمش, وبعد هنيهة راح ينبجع بفعل الماء, ثم يتشقق ويتمزق, ووجدتني أرى أحشائي الداخلية، الأمعاء والقلب والرئتين والكليتين، وهذه بدورها أصابها البلل وبدأت تتضاءل وتتلاشى، ولو لم أسعف نفسي بالخـروج مـسـرعـاً من الحـمـام، وتنشيف جـسدي وتجفيفه بالحـرارة، لأنني نسيت تماماً حقيقة انني من كارتون وورق»
ليس هذا مجتزأ من قصة, بل هو قصة قصيرة كاملة بعنوان (صورة طبق الأصل) تعلن بوضوح عن أسلوب القاص في الميل الى اعتماد نهج القصة القصيرة جداً، الذي هو في جـوهره نهج البرقية أصلاً، حيث تتلاشى فيه سطوة الانشاء الأدبي الخـالص، الى قـوة المرسل حتى تصبح القصة ضربة خاطفة حاسمة، تتوارى خلفها فاعلية الاستعارات والكنايات لترك المجال واسعاً أمـام فـاعليـة الحدث أو الخـبـر على أقل تقدير .
...
أحمد خلف
جريدة العرب العالمية / لندن 17 / 12 / 1997
جريدة الثورة / بغداد 13 / 7 / 1998








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي