الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


# من أرشيفي القديم # 12

صلاح زنكنه

2021 / 10 / 29
الادب والفن


# كائنات صغيرة الوجه و القناع #
سليمان البكري ‏

كيف يمكن أن يكون الإبداع القصصي تعبيراً عن وعي القاص بالحداثة ؟ وكيف تبدو اشكالية الحداثة في القصة القصيرة التي يكتبها هذا الجيل من موقع مجموعة قصصية تحمل بصمة خاصة مثل (كائنات صغيرة) للقاص صلاح زنكنه في عمر القصة العراقية المعاصرة ؟ هل نعتبر الستينات مرجعية للحداثة والتجريب والتي حققت شرطي الإبداع والتجديد الذي شكل حداً فاصلاً بين مرحلتين (الرواد وانجاز القصة الفنية) و (الستينيين وموجة التجريب الصاخبة التي حققت التجاوز) ؟
هذه التساؤلات يمكن أن نتعامل معها بعد وضعها في المختبر النقدي القصصي واستخلاص نتائجها بوضوح ودقة في احالة تكشف شرط التجديد بالحداثة والإبداع اللذين يجسدان ضرورة المبدع بأبعاد العصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية, وتقديمه نصوصا قصصية عبر اشكال وتقنيات جديدة.
ينهض البناء الفني في قصص (كائنات صغيرة) وفق نسق ذي صور مقنعة لوجوه متعددة محجوبة وموغلة في الظلمة وراء قناعها، صور تستلهم معنى الحداثة بتقنية القصة القصيرة وتكثيف للحدث بلغة طقسية خاصة بصلاح زنكنه تثير الدهشة.
المجموعة تقدم أحداثاً وشخوصاً مقنعين يشغلون جدا في مساحة واسعة في حياتنا التي نحياها, والقناع الذي يضعه القاص على وجوه شخوص قصصه يبدو ضرورة, لأن ازالة القناع وكشفه يؤدي الى اشكالية، ولأن القناع يستوعب الأبعاد الفكرية لتجربة الجيل الجديد في القصة العراقية في تضادها واتفاقها عبر وشائج تشد التجربة الإبداعية بمستواها السياسي والاجتماعي لمرحلة ما بعد الحرب.
إن شخوص كائنات صغيرة، لا يمكن دراستها بمعزل عن أجوائها جراء الحصار الظالم.
إن فضيلة قصص (كائنات صغيرة) تتحقق وراء القناع مجموعة من الحقائق التي تصدم المتلقي لأن شخوص القصص لا تستجيب للحدث ولا يمكنها التمرد عليه مما يؤدي الى اشكالية وتناقض.
نسق البناء القصصي يتحقق بما يمكن اصطلاحه (الحاضر التاريخي) أي السرد بالفعل المضارع لحدث تم في الماضي, وقد أتاح هذا الاختيار للقاص حرية رسم الشخصيات على شكل مغامرة, فهي تنمو في كل لحظة نموها الذي يبدو ضرورة تاريخية لكنها تقمع بقسوة.
نقرأ ذلك ونعيشه في خواء الروح في قصة (وحشة) والملاحقة واستعمال القناع مع مفوض الشرطة في قصة (كابوس) واختلاط الأوراق في قصة (الشبيه) ونموذج التابو في قصة (كائنات صغيرة) التي تحمل عنوان المجموعة, ومرارة الخسارة وفقدان من نحب ومرارة الزمن الأشد عمقا في انتظار عودتهم في قصة (ترقب) والرغبة التدميرية في امتلاك الذات وتحقيق المتعة الجسدية في قصة (الأرملة والحصان) ولعنة الدم في قصة (اعدام) وجدلية الموت والحياة في قصة (المتوالية) وتوظيف التراث الشعبي في قصة (الوهم) ومعاناة الإنسان من الوحدة في (وداعا أيتها الأرض) وفانتازيا كافكوية في التحول بفعل الضغط الاجتماعي والاقتصادي في قصة (الخروف) والفاجعة في قصة (حلم يقظة مسربل بالدم) والموت المجاني الذي تمارسه القوى السوداء في المجتمع ضد الآخرين في قصة (احتجاج) والقيم الاخلاقية مقابل السقوط والاباحية في قصة (الشبح) وتراجيدياً الحياة في مواجهة الموت في قصة (قيامة الغبار) وموت الحياة في آليات اللعبة الجسدية في قصة (العطب) وموقف الذات في مواجهة الآخرين في قصة (الكرنفال) وانتظار وقوع الكارثة في قصة (نشيج ليلي)
إن الفعل الذي يمارسه شخوص القصص يمر بإشكالية المواجهة, ويكون سلوكهم حالة مواجهة مغامرة تسعى الى الخلاص وتفتقر الى ما يمكن تسميته بالاختيار السليم واعتماد الموقف الذاتي وهو أخطر ما تطرحه القصص, مما يضفي على القصص غموضاً وغرائبية في الشكل والتناول.
إن تقنيات القص تتحقق بأشكال مختلفة / لغة وحدثاً / وبضمائر مختلفة تتراوح بين أنا - أنت / هو - هي – هم, ويقدم الفعل القصصي وتطوره في زمن واحد ويتحقق البناء الفني في سرد بأسلوب المونولوج الداخلي / أنا / وسرد موجه الى المخاطب / أنت / وسرد الى الغائب / هو ، هي ، هم / ووحدة القصص تستمد ديناميتها من ثيمة واحدة تتكرر في جميع القصص على مختلف المستويات في بناء (يتموسق) بين الذاتي والتاريخي في عملية صدام تبدأ في نقطة بالذات فتدمرها ثم تبحث عن الجنس فتقتله وتحاول الانسجام مع المجتمع لكنها تقف عاجزة أمام الحالة, فتختفي في أماكن مغلقة لتضع مصيرها بيد القدر, وهو أقسى ما يمارسه القاص مع شخوص قصصه، أنه يجردهم من مقومات المبادرة ويتركهم في فضاءات قدرية مفتوحة.
إن الأحداث في جميع القصص تبدو كأنها داهمت الشخوص وأخذتها على حين غرة, وسحبت من تحت أقدامهم البساط, فأربكت استقرارهم وبسطت ظلها عليهم فهمشتهم.
إن قصص (كائنات صغيرة) للقاص صلاح زنكنه تطرح النقائض بين اتجاهين في الصراع, وأغنت ثيمة جدلية اجتماعية في القصة العراقية المعاصرة, عبر نماذج تعددت فيها منطلقات الرؤيا والتفسير وانفتاح النص على احتمالات تأويلية مختلفة .
...
جريدة القادسية 25 / 3 / 1996








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي