الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


# قاب قوسين من المرأة #

صلاح زنكنه

2021 / 10 / 29
الادب والفن


خمس قصص قصيرة من مجموعة (قاب قوسين مني) للقاصة هدية حسين، تنفرد بهموم المرآة واشكالاتها العاطفية والنفسية والاجتماعية، وهذه القصص الخمس مكتوبة بضمير المتكلم أنا، و(الأنا) هنا (امرأة) تسرد مقاطع من سيرتها الذاتية, بحسبان السيرة عنصر جوهري في أي عمل فني, وفي السيرة يهيمن عادة ضمير المتكلم أنا (كي يجعل من الوهم حقيقة واثباتاً) على حد تعبير ميشال بوتور.
من هذا المنطلق أعد هذه النماذج من الشخوص النسوية في القصص الخمس, منتقاة بدقة وقصدية وذكاء من حيوات حقيقية لتلك النسوة المفترضات، أولتهن الكاتبة اهتمامها وتعاطفها وانحيازها لهمومهن، وهن متباينات في الوعي والطموح والسلوك، وبرغم انتمائهن لشريحة واحدة، إلا إن جميعهن مسحوقات محبطات متصدعات الشخصية, يعانين حالات مرضية نفسية وعقلية مثل (الذهان والهستيريا والشيزوفرينيا) كما في قصص (رجل في فنجان، وخارج الزمن, وعاصفة الثلج) والكاتبة لا تقرر ذلك ولا تقره وإنما توحي به لنا، ونحن نكتشف ونستدل, وهذه ميزة من ميزات هدية حسين.
كل هاتيك النسوة, بلا ملامح وبلا هوية وبلا أسماء, يجمعهن هم مشترك واحد، هو (الأنوثة) المطعونة في الصميم، أنوثة مستلبة ومؤجلة ففي قصة (رجل في فنجان) ثمة امرأة ارستوقراطية النزعة والمنشأ, تعيش بمفردها في شقة، تعاني الوحدة والوحشة والفقدان فقدان الرجل طبعا، وهي طالما ترغب بدعوة رجل يؤنسها ويملأ فجوات وحشيتها، لكن لا أحد, ترى من هذا الذي شاركها فنجان القهوة ؟ تتساءل بلوعة ولهفة وحيرة، لكن الكاتبة تختم قصتها بإطلالة رجل أسمر مربوع القامة, يدخل غرفة النوم ويطلب فنجان قهوة, لنتساءل نحن بدورنا من هو هذا الرجل ؟ هل هو وهم أم حقيقة ؟ أهو بواب العمارة مثلا أم طيف عابر من وحي الخيال ؟ أم هو زوجها الذي جعلت الرتابة وجوده ملغياً, هذا ما لا تفصح به الكاتبة وهذا سر نجاحها.
وفي قصة (ليس على سلوى حرج) موظفة مسحوقة تحت وطأة الحاجة والعوز تتأرجح على حافة الانهيار والسقوط ، رأسها محشو بالضياع, وهي تبغي أن تحل محل اختها في اصطياد الرجال وابتزازهم كما (صيد السمك، المهم كيف نقود السمكة الى الطعم) والطعم هو جسد المرأة والرجل هو (كلب، والشاطر من يقود السلسلة) والكاتبة هنا تقتطع بمهارة مشهداً من واقع شاذ في زمن الحصار, لتلق عليه ضوء كشافها بجرأة تحسب لها, معلنة بذلك احتجاجها وادانتها لكل ما يسيء لكرامة الإنسان ويشوه أنوثة المرأة.
وفي قصة (خارج الزمن) امرأة صحفية تدخل مستشفى المجانين, لتعاين حالات وهموم نساء محبطات، مستلبات، وهي تتأمل وجوها شاحبة رخامية منكسرة تحدق في الفراغ، وهن يبدون حسب تعبير القاصة مثل تماثيل رخامية، خاضعات طائعات, بثياب رثة وأنفاس واهية وعيون متضائلة، ولكل منهن حكاية مأساوية، فالمرأة المسنة فقدت ابنها الوحيد في الحرب، والمرأة الطويلة النحيلة مثل نخلة جرداء احرقت زوجة أبيها، وذات الشعر الأشعث تعرضت لحالة اغتصاب، وأخرى يخونها زوجها مع عشيقة، وأخرى تدعي الجنون لتتخلص من عقوبة السجن، هكذا دواليك تعرض علينا مرأى الاضطهاد والألم والجنون لنساء مختلفات من دون أي تعليق.
وفي قصة (نبوءة) ثمة امرأة مهجورة، متشردة، ضائعة في شوارع مدريد يلسعها البرد بلا مأوى لتجد نفسها في النهاية داخل جدران السجن, وفي قصة (عاصفة الثلج) امرأة تنتظر حبيباً لا يجيء, لأن الحرب أخذته الى الأبد, والزمن متوقف لديها, وهي متوقفة عن زمن مضى، وهي لا تريده أن يمضي, لذا تسترجعه في كل حين وتعيش تفاصيله كحاضر مستمر عبر مونولوج شجي متماسك, يدل على مقدرة الكاتبة في سبر أغوار الأنثى, وفق أسلوب قصصي شفيف, يؤكد مقدرتها السردية.
نستنتج من هذه القصص, أن شخوصها النسائية بلا رجال وإن كان ثمة رجال, فهم خائنون (خارج الزمن، ونبوءة ) أو كلاب نهمة (ليس على سلوى حرج) يستحقون الموت, فبطلة قصة (النبوءة) تقتل حبيبها يوسف, وزوجة المدير تقتل وديع في قصة (الساحر)
وهن جميعهن نساء مهجورات حالمات ينتظرن رجلاً ما كما في (رجل في فنجان، وخارج الزمن، ونبوءة ، وعاصفة الثلج) وغالباً ما يتعرضن لاعتداءات جنسية (يلتصق بي من الخلف واضعاً السترة على كتفي) في (ليس على سلوى حرج) و(دخل عليّ في الظلام وفعلها) في (خارج الزمن) و (ذلك الفتى الأسود, الذي حاصرني في طفولتي خلف ماكنة الطحين) في (نبوءة) و (رمى بها عند أول لقاء بينهما, خلف أكوام التبن) في (الساحر).
ثمة مواضيع أخرى تناولتها المجموعة, لا تقل أهمية عن موضوعة المرأة, مثل الحرب والموت والشيخوخة, لكنها في هذه القصص الخمس, كانت أكثر قرباً وصدقاً لنفسها ولهواجسها واكثر اتقاناً لفنها القصصي.
هدية حسين مبدعة أخرى تضاف الى قائمة المبدعات العراقيات, لطفية الدليمي وبثينة الناصري, وميسلون هادي, لتعلن حضورها بينهن وبيننا بجدارة.
...
جريدة الثورة 7 / 9 / 1998








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس