الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي طبيعة النظام الاقتصادي في الصين ؟

عبدالرحمن مصطفى

2021 / 10 / 30
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


مرت الصين بتجربة الانفتاح (المضبط) وذلك بالإلتزام بنقل التكنولوجيا وتوطين الأرباح (على عكس تجارب الانفتاح الأخرى) ،وطبيعة النظام الاقتصادي فيها هو محل إشكال بالنسبة للكثير من المتابعين ،وبالطبع غالبا ما تثار الإشكالات انطلاقا من مواقف وتصورات اختزالية ؛فالكثير من متبني العقيدة الماوية يصورون الصين كما لو أنها تحولت الى نظام اقتصادي (أمريكي جديد) ،بالمقابل يصور العديد من الليبراليين الاقتصاد الصيني كما لو أنه نظام اشتراكي (شمولي) تام ،ويغلب على جميع هذه التصورات الموقف الاختزالي الذي يختصر تجربة كاملة بتنوعها وثرائها بعبارة أو ببضع كليمات ،يحسب صاحبها أنها القول اليقين في هذه التجربة ، عمليا في الصين هناك عدة أنواع من الملكية ،فهناك الشركات المملوكة حصرا للدولة ،وهناك الشركات المملوكة للدولة وأطراف أخرى ؛لكن الدولة تملك الحصة الأكبر في هذه الشركات (أكثر من 50 % من الأسهم) وبذلك تخضع الشركة لسيطرة مباشرة من الدولة ،وهناك الملكية الخاصة التامة ،وهناك ما يسمى بالملكية ذات المسؤولية المقيدة وفي هذا النوع وفي الكثير من الحالات تتشارك الدولة ملكية الشركة مع أطراف أخرى وقد تكون الدولة الطرف الأقوى ،وهناك الملكيات الجماعية التي تخضع لسيطرة المدن والبلدات والملكية فيها عامة ومنها مشروعات TVE (Township and village enterprises)) ،وهناك الملكية التعاونية cooperative ownership والنوعين الأخيرين هما الأقرب للإشتراكية أو هما الاشتراكية ذاتها لكن مطبقة على نطاق أصغر ،وغالبا ما تختلط فكرة الاشتراكية مع البيروقراطية الستالنية التي كانت مطبقة في الاتحاد السوفيتي وفي قطاعات واسعة من الاقتصاد الصيني حاليا ،وفي هذا النوع من الملكية يسود نظام هرمي بيروقراطي داخل الشركة وتتبع هذه السلطة المركزية في الدولة ،بحيث تخضع الخطط الداخلية للشركة لاعتبارات الدولة ككل بالدرجة الأولى وقبل أي اعتبارات أخرى على مستوى البلدة أو الإقليم الخ..لكن في الملكيات التعاونية يسود نظام ديمقراطي داخل المؤسسة والملكية تكون مقسمة بالتساوي على أعضاء الشركة وأطراف أخرى ترتبط بالشأن العام كجمعية حماية المستهلك والبيئة الخ..وهذا النظام موجود أكثر ما يكون في الدول الأوروبية بالإضافة الى الصين طبعا ،في الدول الأوربية وفي الكثير منها سادت الحركات الاشتراكية الديمقراطية التي تؤمن بالطريق السلمي التدريجي في النضال ،واستطاعت أن تحقق نوعا من الانسجام بين رجال الأعمال والنقابات العمالية مع إلزام الطرف الأول بالمصالح الاجتماعية للعمال والمستهلكين والاعتبارات المتعلقة بحماية البيئة ،وفي بعض الحالات حدث ذلك دون الحاجة الى تدخل سلطة مركزية قوية كما هو الحال مثلا في الدول الاسكندنافية و الدول النوردية في شمال أوروبا (في السويد مثلا لا يوجد حد أدنى للأجور بدلا عن ذلك يحدد معدل الأجر بالتفاوض بين رجال الأعمال والعمال وطبعا هذا النظام لايمكن تطبيقه دون وجود نقابات عمالية قوية ومع إرث تاريخي يخولها للعب هذا الدور كما هو الحال في السويد مثلا) ،وهذا النموذج من الاشتراكية أمكن تطبيقه بالاستفادة من الظروف التي كانت تحيط بهذه الدول ،فهذه الدول أولاً ؛ كانت في طليعة البلدان التي انخرطت في نمط الإنتاج الرأسمالي دون أن تضطر الى منافسة دول أخرى أقوى كما كان عليه الحال بالنسبة لدول الجنوب ،هذه البلدان تبنت المذهب البروتستانتي مع مايتطلبه ذلك من نزع لسلطة الكهنوت وضرورة تعامل المؤمن مباشرة مع نصه المقدس وبذلك ضرورة تعلم القراءة والكتابة وبهذا كانت شعوب هذه الدول من الشعوب الأولى في القضاء على الأمية وتأسيس ثقافة راقية يمكنها من استيعاب مجريات العصر والتعديل عليها ،الدول الاسكندنافية باستثناء فلندا لم تنخرط في الحرب العالمية أو أن انخراطها بسيط لا يقارن مع دول جنوب أوروبا ،وكذلك الدول الاسكندنافية لم تتورط في استعمار الدول الأخرى مع مايرافق ذلك من نزاع مع القوى المستعمرة الأخرى كما حدث في الحرب العالمية الأولى فضلا عن أن هذه الدول وكذلك معظم الدول الأوروبية لم تنخرط بقوة في الحرب الباردة (قامت أمريكا وبريطانيا بالقيام بهذه المهمة نيابة عن هذه الدول ) وبذلك استطاعت أن تحافظ على ميزانياتها بعيدا عن عسكرة الإنفاق وأيضا اللهث خلف تحقيق معدلات نمو كبيرة (بالتركيز على انتاج وسائل الانتاج بدلا من تحقيق الرفاه وتطوير الانتاج الاستهلاكي) ،وأخيرا هذه الدول لم تتعرض لاستعمار يترافق مع نهب للمستعمرات ،وفي هذا لعل السبب الأقوى لتطور اليابان وتفوقها على معظم الدول الغربية هو؛ أن اليابان كانت في منأى عن الاستعمار الغربي والذي يعيق التطور الطبيعي للبرجوازية في الدولة ،لهذه الأسباب استطاعت الكثير من الدول الأوروبية أن تقيم نظام تعاوني الى حد ما ودون الاضطرار للاعتماد على سلطة مركزية قوية ،وكنقيض لهذا الموقف ،ظهر في الصين وفي الاتحاد السوفيتي سلطة مركزية قوية اضطرت أن تقوم بمعظم الوظائف التي قامت بها البرجوازية في أمريكا والدول الغربية ،لأن حالة التخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي التي كانت تعاني منه الصين والاتحاد السوفيتي والطمع الغربي في نهب هذه البلدان وتدخلها العسكري في ذلك أعاق التطور الطبيعي لهذه المجتمعات ،مما أدى الى نشوء سلطة مركزية قوية في هذه الدول ..

لهذا ليست الاشتراكية هي المطابق للنظام المركزي الصارم ،على النقيض فهي أكثر توافقا مع النظام اللامركزي ،ففي ظل النظام المركزي توظف المنشأة والمؤسسة لصالح السلطة المركزية وتخضع لاعتبارات ربحية وتراكمية بالدرجة الأولى وثم للاعتبارات الاجتماعية الأخرى كما في نظام الكلخوزات الذي طبق في الفترة الستالينية والذي وظف فيه الانتاج الزراعي لمصلحة الانتاج الصناعي بالدرجة الأولى .الملكية التعاونية هي ملكية عامة لكن لا تتبع جهاز معين ولعل المثال الأشهر على هذا أو ما يقرب منه في الصين هو شركة هواوي التي يملك رئيسها 1% من الأسهم فقط والبقية مقسمة على عمال وموظفي الشركة وادارة الشركة تخضع لنظام التصويت ..

في هذه المقالة سأعتمد على بعض المصادر التي تناولت النظام الاقتصادي في الصين وبالدرجة الأولى على دراسة أعدها باحثان للجنة مراجعة الأمن التابعة للحكومة الأمريكية في اكتوبر من عام 2011 ،واعتمدا في بحثهما بالدرجة الأولى على الاحصاءات الوطنية (الرسمية) في الصين ..

تسود فكرة خرافية فيما يسمى ((علم)) الاقتصاد الذي يدرس في معظم الجامعات مفادها ؛ أن السوق قادر على تنظيم نفسه دون الاضطرار لزيادة عرض النقود من الدولة وهذه الفكرة كذبتها تجارب التاريخ ولم يعد لها وجود ليس فقط في الدول الشرقية بل أيضا في البلدان الغربية وفي أمريكا أيضا ،ومؤخرا أنفقت الحكومة الأمريكية 2 ترليون دولار لإنعاش الاقتصاد الأمريكي الراكد (وهذه تتجاوز خطة الانقاذ التي تبناها أوباما في أزمة 2008 والتي كانت ب 700 مليار دولار) ومن الواضح أن بدون هذه الخطة ولو تُرك السوق والاقتصاد الأمريكي دون تضبيط من الحكومة لسقط الاقتصاد في ركود عميق سيولد أزمات اجتماعية كارثية (مع الأخذ بالاعتبار أن الاحتكارات تحكم الاقتصاد الأمريكي دون أي اعتبار لخرافة المنافسة التامة)،في الصين المثال الأبرز على انخراط الدولة في تنظيم الاقتصاد ،وبالاحصاءات الوطنية ؛ تبلغ حصة الشركات المملوكة للدولة ما يسمى SOE (state owned enterprises) والمسيطر عليها المملوكة في أغلبها للدولة SHE (State holding enterprises) أكثر من 40 % من الناتج المحلي الإجمالي ولو حسبت الأقسام المسيطر عليها بطريقة غير مباشرة الملكيات العامة التابعة للبلدات والأقاليم ما يسمى collective owned enterprises فنسبة حضور الدولة في الناتج المحلي غير الزراعي تصل الى 50 % طبعا هذا الرقم يتغاضى عن حقائق أخرى مهمة ،مثلا الشركات وحتى تحصل على امتيازات ضريبية ينبغي لها أن تحوز على نسبة 25 % على الأقل كتمويل أجنبي ، كان الكثير منها يخلق أفرع وهمية في هونغ كونغ وتايوان وماكاو لاصطناع هذه النسبة وكانت العديد من الشركات التابعة للدولة تلجأ لهذا الخيار (رغم التسهيلات الضريبية والقرضية التي تمنحها الحكومة والبنك المركزي لهذه الشركات) وتقدر قيمة هذه الأفرع الوهمية بربع الانتاج المحلي (وأوقف العمل بهذا التشريع في 2008) وثانيا يتغاضى عن مساهمة الدولة في الشركات ذات المسؤولية المقيدة التي لاتسجل رسميا كشركات تابعة للدولة ،لكن في الكثير منها تكون الدولة الطرف الأكثر حضورا وسيطرة وفي هذا بلغت حصة الدولة الأكثر حضورا من الأطراف الأخرى نسبة 70 % من الشركات المسجلة ،وهذا الرقم محسوب طبقا لنظام القيمة المضافة في كل قطاع وحتى يتم تجنب التكرار في حساب قيمة الايرادات (التقليدي) بالنسبة لقطاعات انتاج السلع النهائية وبعض الوسيطة التي تستخدم مدخلات انتاج من قطاعات أخرى ،وبالنسبة للقطاع الزراعي ؛فالأرض ووسائل الانتاج وحتى بيوت الفلاحين مملوكة للدولة ويطبق النظام المشاعي الذي هو بطبيعة الحال استمرار للسياسة الماوية وهذا النظام طُبق بعد الثورة الفرنسية بحيث وزعت الأرض على الفلاحين وكذلك بعد ثورة روسيا اكتوبر 1917 ،
أما بالنسبة للأصول الثابتة ؛فنسبة ما تحوزه الدولة كليا وجزئيا (يخولها ذلك السيطرة على الأصل أو مجموعة الأصول) بالفرضيات المتحفظة يقدر 54 % -55 % من قيمة الأصول الثابتة وهذا الرقم يستند الى ما تملكه الدولة كليا SOE أو غالبية أسهم الشركة و الأصول التابعة للملكيات الجماعية وملكيتها في الشركات ذات المسؤولية المقيدة .

أما بالنسبة للتوظيف ،فنسبة من يعملون للشركات المملوكة كليا للدولة هي 29% مع حساب الشركات الأخرى المسيطر عليها من الدولة أو الملكيات الجماعية تصل النسبة الى 36 % ،لكن مع حساب المنشآت التي تعتمد على التوظيف الذاتي دون الحاجة الى العمل في منشأة رأسمالية ترتفع النسبة الى 55 % من العمالة الحضرية التي لا تتبع للمنشآت الرأسمالية (ولو تم حساب العمالة الموظفة ذاتيا في القطاع الزراعي والشركات ذات المسؤولية المحدودة الخاضعة لسيطرة الدولة لارتفعت النسبة عن هذا المعدل) .

أما مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي فهي 38.5 % (بالنسبة للاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية والتي تخضع في غالبيتها لمساهمات غير تابعة للدولة) ونسبة 25 % من العمالة و22 % من قيمة الاستثمار الثابت و38 % مع حساب ما تملكه الأطراف الخاصة في الشركات ذات المسؤولية المحدودة ،ودون حساب النسب الأخرى في الشركات ذات المسؤولية المحدودة ،وهذه الأرقام سواءا للدولة أو القطاع الخاص تأخذ بالاعتبار الطرف الأكثر حضورا في الشركة ،ويبقى أنواع أخرى من الملكية كالتعاونية والشركات ذات المسؤولية المحدودة فيما يتعلق بنسب المساهمة في الناتج المحلي ومعدل التوظيف...

هذه كحقائق لواقع نظام الملكية في الصين ،بعض الدراسات تنطلق من تصورات ضحلة ،فتعتبر الشركات التي لاتتبع كليا للدولة كقطاع غير خاضع لسيطرة الدولة وبذلك تشطبها من مساهمة الدولة في الناتج المحلي ،لكن ما يميز هذه الدراسة التابعة للحكومة الأمريكية هو تقديرها لمساهمة الدولة في الناتج تبعا للشركات والمؤسسات الخاضعة لسيطرتها وادارتها ..

أما بالنسبة لنمط سيطرة الدولة والأساليب التي تتبعها لضبط حركة الاقتصاد ككل ؛ فهي كثيرة وأكثرها تأثيرا طبعا هي في القطاعات التي تسيطر عليها الحكومة وهي القطاعات الرئيسية في الاقتصاد ،وفي الخطط الخمسية التي يضعها الحزب الشيوعي الحاكم يتم تقسيم الصناعات الى استراتيجية وأخرى موازية وهذه الصناعات هي التي تملك الدولة حضورها في أغلبها أو في جلها بالنسبة للصناعات الاستراتيجية ؛وهذه الصناعات هي : الفحم والنقل الجوي والطاقة والبيترول والبيتروكيماويات والسفن والاتصالات والمركبات والصلب والانشاءات والبنوك ..حيث تصل مساهمة الدولة في الايرادات في هذه الدولة الى أعلى من 50 % من مجمل ايرادات القطاع وكذلك الأصول الثابتة التي تملكها الدولة (وهذه أكثر من نسبة الايرادات بالنسبة لحضور الدولة في القطاع) ولقد قال دينغ بما معناه أن الانفتاح لايؤثر على اشتراكية الدولة طالما بقيت الدولة حاضرة في القطاعات الرئيسية وتوجه الاقتصاد لخططها وثانيا التفضيلات والتسهيلات التي يتلقاها القطاع العام منها تقديم قروض وبشروط تخفيفية وبمعدلات فائدة منخفضة للشركات الحكومية وتسهيلات ضريبية فضلا عن امتيازات للشركات الكبرى ،فمثلا في قطاع النفط يسمح للشركات الأربع الأكبر (التابعة للدولة) بالتنقيب عن النفط بينما يحظر ذلك على الشركات الخاصة ،فضلا عن الدعم المالي الذي يقدمه البنك المركزي للشركات الحكومية ،فمثلا في عام 2008 ارتفعت أسعار النفط العالمية والدولة لم تساير هذا فحظرت على شركاتها رفع أسعار البترول والإبقاء على سعرها المنخفض في مقابل تقديم 51 مليار يوان كدعم لشركة سيونبك المملوكة للدولة ،وكذلك الغاء الديون المسجلة على الشركات التابعة للدولة في كثير من الحالات وتقديم القروض للقطاعات الأقل انتاجية لكن لأهميتها بالنسبة للدولة يتم تقديم قروض وتسهيلات لها فضلا عن تقييد نشاط القطاع الخاص ،فالشركات الخاصة تضطر الى مشاركة أسهمها مع الحكومة أو المجالس والهيئات التابعة لها للحصول على القروض فضلا عن أن نسبة كبيرة من ملاك الشركات الخاصة الوطنية في الصين ينتسبون للحزب الشيوعي قدر هذا ب 34 % في 2009 من أصحاب الأعمال الخاصة الصينيين ..كذلك بالنسبة للمشتريات الحكومية حيث قدرت الغرفة التجارية الأوروبية هذه النسبة ب 20 % من الناتج المحلي وهو ما يخالف الاتفاقية الدولية بهذا الشأن ونسبة كبيرة تذهب لصالح الشركات التابعة للدولة غير المرتبطة بالمنشآت الخدمية ..

أما عن التنظيم الاداري الذي تتبعه الشركات التابعة للدولة فهو تنظيم هرمي ،يكون في الرأس المجلس الاستشاري السيادي أو ما يعرف (SASAC) حيث أن هذه اللجنة تراقب وتخطط للشركات التابعة للدولة ،وبالطبع هناك أفرع محلية ،وفي الصين ومع الاصلاحات تم تبني النظام العصري بفصل المالك (الدولة) عن المدير لتخضع المؤسسة للاعتبارات الربحية ،لكن مع هذا الدولة تتدخل مباشرة في نشاط الشركة فهي لا تخضع فقط للاعتبارات الربحية بل هناك اعتبارات أخرى اجتماعية ،كمثال بلغت حصة الأجور المدفوعة للعمال التابعين للشركات المملوكة للدولة 54% من الأجور المدفوعة في المناطق الحضرية ،والحزب الشيوعي الحاكم هو من يعين رئيس الشركة والمدير التنفيذي وفي الغالب يكون هؤلاء أعضاء في الحزب الشيوعي ،بينما المديرين الوسيطين يعينون من اللجنة الاستشارية السيادية التابعة للدولة وبإمكان الحزب الشيوعي أو الحكومة أن تعزل المديرين لو لم يسيروا على الخطة الخمسية أو عندما يخالفون التوجيهات الحكومية كمثال ؛ ارتأت الحكومة أن توفر خام الحديد من استراليا بأسعار مخفضة وذلك بالتعاقد مع شركة Rio Tinto حاول بعض المديرين التنفيذيين في بعض الشركات الحكومية الصينية التفاهم مع الشركة الأجنبية على أسعار أعلى ،قامت الحكومة بسجن هؤلاء المديرين بتهمة الخيانة والتي قد تصل عقوبتها للإعدام وكذلك قامت بمصادرة أملاك شركة RIO Tinto في الصين وسجن مدرائها التنفيذيين ،وبشأن الخطة الخمسية وهي كانت متبعة في دول الكتلة الاشتراكية سابقا ،تحدد السياسة العامة للاقتصاد بما يتلائم مع مصالح الدولة ،كمثال الخطة المتبعة بين 2001 -2005 اقتضت بأن يوجه الاقتصاد من خلال القطاعات الرئيسية المملوكة لها ومضاعفة الانتاج بالصناعات التقليدية (الصلب ووسائل الانتاج مع ما يتطلبه من بنية تحتية قوية ) في الخطة التالية حصل فائض انتاج كنتيجة للخطة السابقة مما اقتضى أن تتوسع الدولة في تصديرها وهذا تطلب تشجيع سياسات الاندماج بين الشركات وهو ما كان ،في الخطة الأخيرة والتي تزامنت مع موعد هذه الدراسة من 2011-2015 اقتضى الحال تنمية السوق الداخلي كبديل عن التصدير (مع ما ترافق من ركود بعد أزمة 2008) وشجعت صناعات معينة كالصناعات الجديدة ..الحزب الشيوعي يقود الاقتصاد من خلال الخطط الخمسية هذه ويوجه الشركات العامة والخاصة بما يتوافق مع متطلبات الخطة ..وهذا مثال أبرز على طبيعة النظام المركزي للاقتصاد الصيني..

النظام البنكي في الصين يخضع لاعتبارات السياسة الحكومية رغم أن الدولة منحت درجة من الاستقلالية لهذه البنوك فقامت على بعض الأسس التجارية ،لكن البنوك توجه من الدولة لدعم قطاعات معينة وقد تكون قطاعات متعثرة وأقل انتاجية ،لكن الحكومة توجه هذه البنوك لما يتوافق مع الخطط الخمسية


أما عن الاستثمارات الصينية الخارجية فهي في معظمها تتبع للدولة سواءا المباشرة أو غير المباشرة وفي عام 2011 كانت الدولة تملك محافظ استثمارية تقدر ب 3.2 ترليون دولار نصفها في أمريكا ،أما عن الاستثمارات المباشرة (الموظفة في القطاعات الغير مالية) فتقدر نسبة ما تملكه الدولة منها ب أربعة أخماسها ،تقوم هذه القطاعات المستثمرة بالخارج بدور مهم في السياسة الخارجية الصينية وهي تتركز في قطاعات النفط والغاز والمعادن والتي تؤثر فيها على البلدان الأخرى (وهذه الاستثمارات الخارجية لو أدخلت في حساب نسبة القطاع الحكومي الى الخاص لاختلت النسبة وبصورة كبيرة لصالح القطاعات الحكومية) ..


ختاما ،تصف الدراسة المعنية الاقتصاد الصيني بأنه اقتصاد رأسمالية الدولة وهذا النظام هو الذي كان متبعا في الاتحاد السوفيتي في معظم فتراته إن لم يكن في جلها وهنا كمثال أفضل 500 شركة في الصين تملك الدولة منها 63 % و83 % من ايراداتها 90 من قيمة أصولها https://spectrejournal.com/why-china-isnt-capitalist-despite-the-pink-ferraris/ ،في هذا النظام يوجه الاقتصاد لتحقيق أعلى معدلات النمو والتراكم وعلى حساب الرفاهية المباشرة للمواطنين في الكثير من الحالات وفي الصين تم تبني سياسة الرخاء المشترك التي ألزمت الأثرياء والقطاع الخاص بعشرات مليارات الدولارات،لكن بينما يقوم بهذه المهمة في البلدان الرأسمالية القطاع الخاص ،تقوم الدولة بهذا الدور في هذا النمط من الاقتصاد ،والصين سارت في هذا الطريق كنتيجة للظروف الموضوعية المحيطة بها ،ومنها التهديد العسكري الأمريكي المحيط بها في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان واستراليا الخ..كذلك فالصين كانت مقسمة فعليا بين الاستعمار الغربي والياباني لكن مع الثورة الماوية تم توحيد الدولة وخضعت الدولة لسلطة مركزية كنتيجة للتهديدات الخارجية وأيضا عدم وجود طبقة رأسمالية تقليدية تمارس دورها في الاقتصاد ،وسياسة الانفتاح لا تشذ عن النظام المركزي الصارم ،وليس الانفتاح في حد ذاته عائق أمام تحقيق الاشتراكية (وهذا ما قاله دينغ الذي رأى أن سيطرة الدولة على القطاعات الرئيسية ستبقي على النظام المخطط) وقد طبق لينين السياسة الاقتصادية الجديدة أو مايعرف بسياسة النيب التي نتج عنها فتح للعلاقات التجارية والترحيب بالاستثمار الأجنبي وتحرير الأسعار جزئيا الخ ...واستمرت هذه السياسة حتى ال 10 سنين الأولى من فترة ستالين وكانت عاملا أساسيا في انقاذ الرأسمالية بعد الكساد الكبير حيث أنعش الطلب السوفيتي الأسواق الأمريكية والغربية الراكدة ،وفعليا الدول الغربية فرضت حصارا اقصاديا على بلدان الكتلة الاشتراكية وإلا لم تعارض هذه البلدان سياسة الانفتاح بحد ذاتها ،النمط الفاشي هو الأقرب لهذا الأسلوب ،مع هذا من السخف تصوير الانفتاح كما لو أنه كلمة السر في حل المشكلات الاقتصادية ولعل الدول التي تبنت هذه السياسة الى آخر مداها كما هو الحال في روسيا ودول أوروبا الشرقية والعديد من بلدان أمريكا الجنوبية مثال حي لفشل هذه السياسة لو أخذت دون تضبيط ودون تكييفها لمصلحة الاقتصاد المحلي ،حيث هبط الانتاج وتعمقت اللامساواة ودُمر الانتاج الصناعي في هذه البلدان ،بل إن متوسط معدل العمر انخفض في بعضها ! كما في روسيا مثلا وكانت النتيجة وصول بوتين الى الحكم والذي أعاد حضور الدولة جزئيا بتأميم بعض المؤسسات في القطاعات الانتاجية الاستراتيجية والخدمية ..
ف
الصين تتبنى نظام اقتصادي مركزي ،لكنها لاتتبنى ايديولوجية الاتحاد السوفيتي في تقاسم العالم سياسيا مع أمريكا وهذا ما يركز عليه القادة الصينيون وهي تبني علاقات اقتصادية قوية مع أطراف مختلفة ومتصارعة كإسرائيل وايران مثلا .

عنوان الدراسة :
An Analysis of State-owned Enterprises and State Capitalism in China








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصين راسمالية دولة شمولية
منير كريم ( 2021 / 10 / 30 - 08:40 )
تحية للاستاذ الكاتب
شكرا على مقالك وهو مفيد جدا
الصين اشتراكية ام لا هذه تسميات ايديولوجية لا اكثر , الصين لها اقتصاد مختلط تحت هيمنة الدولة ولا توجد في الصين نقابات مستقلة تدافع عن حقوق العمال وفي الصين بطالة تقدر 5 بالمئة حسب احصائيات الدولة لعام 2021 ولك ان تقدر ان 5 بالمئة كم تعادل بدولة في حجم الصين
اقتصاد مختلط تحت هيمنة الدولة الشمولية وجد قبل تجربة الصين بالانفتاح فكان في مصر في عهد عبد الناصر وفي سوريا تحت حكم البعث ووجد سابقا في المانيا النازية
شكرا


2 - رأسمالية الدولة (!!)
فؤاد النمري ( 2021 / 10 / 30 - 08:57 )
-رأسمالية الدولة- هي فكرة غبية تدل على إفلاس الإقتصاديين الذين يفشلون في الإستدلال على جنس الإقتصاد المعني

تعبير -رأسمالية الدولة- لا يعني سوى أن هناك دولة ليست رأسمالية لها رغبة شديدة في أن تبني نظاماً رأسماليا !!

لكن لماذا مثل هذه الدولة غير الرأسمالية ترغب في بناء تظام رأسمالي زغم كل الشروط غير المؤاتية ؟

ليس من جواب آخر غير أن هذه الدولة الإستثنائية تحب شعبها وتضحي بنفسها من أجل أن توفر حياة سهلة سعيدة لمختلف أبناء الشعب

علم السياسة يعرف الدولة على أنها -هيئة تمتلك وسائل القمع- لتقمع شعبها بالطبع أي أنها لا تحب الشعب بل هي ضد الشعب بحكم بنيتها

البحث في الإقتصاد الصيني وتحديد جنسه أمر في غاية الأهمية لدرجة أنه يشير إلى مصائر العالم في المستقبل الوشيك

سأكتب تحت غنوان -الصين اللغز- خلال الأيام الثلاث القادمة

تحياتي مع الشكر على التطرق لهذا البحث فائق الأهمية


3 - الاستاذ منير كريم
عبدالرحمن مصطفى ( 2021 / 10 / 30 - 18:40 )
تحياتي سيد منير كريم..
بالنسبة لمعدل البطالة في الصين وعلى فرض أنه ٥-;- % فهذا الرقم يبقى أقل من معدل البطالة في الكثير من الدول الغربية خصوصا امريكا وبريطانيا التي يتجاوز فيها المعدل في أحيان كثيرة ال ١-;-٠-;- % طبعا مع اشكالية حساب هذا المعدل وتحديد الفئات العاطلة ..
الدولة في الصين تقود الاقتصاد واستطاعت أن تنتشل ملايين الصينيين من فقرهم بفضل تمويل البنوك المملوكة للدولة للمشاريع الصغيرة التي تشرف عليها البلدات،في دول أخرى يذهب التمويل الى الخارج لأن نظم الحكم لاتهدف لاحداث نهضة وطنية
كحال الدول العربية مثلا.


4 - رأسمالية الدولة
عبدالرحمن مصطفى ( 2021 / 10 / 30 - 18:49 )
تحية للأستاذ فؤاد النمري

هناك محددات لرأسمالية الدولة ،منها نسبة قطاع وسائل الانتاج الى سلع الاستهلاك النهائي وكذلك حجم الانفاق العسكري ،وعموما الاقتصاد الصيني موجه نحو تحقيق أعلى معدلات النمو والتراكم وهنا الطابع الرأسمالي في النظام،لكن بدلا من أن يقود القطاع الخاص هذا التوجه،تقوم الدولة بهذا الدور وهذا ما يوجد حاليا في الصين،حيث يخضع الاقتصاد لسيطرة الدولة بغية تحقيق أعلى معدلات النمو وعلى حساب الرفاهية المباشرة للشعب في بعض الأحيان..


5 - رأسمالية الدزلة !!
فؤاد النمري ( 2021 / 10 / 30 - 21:06 )
هل قادة الحزب الشيزعي الصيني من الرأسماليين ؟

وإذا كانوا من غير الرأسماليين فلماذا يبنون الرأسمالية ؟
قي الإجابة على هذا السؤال هناك مسار تطور النظام العالمي

تحياتي


6 - عوامل ساعدت الصين لايمكن ان تستمر
منير كريم ( 2021 / 10 / 30 - 22:03 )
تحية مرة اخرى
فعلا حققت الصين تطورا كبيرا بعد تخليها عن الماوية وانتهاجها الراسمالية في الاقتصاد والادارة وقد ساعدها في هذا الخصوص
اولا العلاقة الاقتصادية الخاصة مع الولايات المتحدة
ثانيا ان الصين بلد شرقي بمعنى ان الفردية كما في الغرب لاتوجد وهذا سهل على الحكومة الصينية السيطرة ومصادرة الحريات وفرض النموذج الراسمالي الصيني هذا
الا ان هذه المرحلة قاربت ان تنتهي والشعب يطالب بتوسيع الحرية الاقتصادية لتشمل الحريات السياسية والاجتماعية
الخلاصة خط صعود الصين لن يبقى خطيا وملامح مرحلة جديدة تلوح بالافق
شكرا لك ثانية


7 - الحزب الشيوعي
عبدالرحمن مصطفى ( 2021 / 10 / 31 - 06:58 )
السيد فؤاد النمري ..
لا يلزم أن يكونوا رأسماليين ليطبقوا النظام الحالي،طالما أن الاشتراكية الكاملة لن تحقق بيوم وليلة ،وطالما أن الطريق الذي يسير به الاقتصاد الصيني هو مخالف للرأسمالية التقليديةبقيادة الدولة وتطويع الاقتصاد لمصلحة الدولة أولا والشعب،والنظام الهرمي في الشركات والمؤسسات ،حيث هناك رؤساء تنفيذيين وموظفين لايخالف النظام التقليدي ،الا بكون تبعية المنشآت للدولة


8 - رأسمالية الدولة مرة أخرى
عبدالرحمن مصطفى ( 2021 / 10 / 31 - 07:07 )
السيد منير كريم..
رأسمالية الدولة لاتعني الرأسمالية التقليدية،فالاتحاد السوفيتي مر بهذه التجربة أيضا ،طالما أن النظام الهرمي البيروقراطي مطبق في المؤسسات الحكومية وهي التي تقود الاقتصاد كما قلت في تعليقك الأول،فرأسمالية الدولة حاضرة،وهذا النظام يمكن الصين من الاستفادة من الانفتاح في خلق تنمية داخلية،الدول التي انخرطت كليا أو ما يشبه هذا في العولمة هي التي تحولت الى رأسمالية تقليدية كما في روسيا واوروبا الشرقية في فترة التسعينيات وتحولت الى اقتصادات هشة أدت الى هروب مئات المليارات الى البنوك الغربية ودمار الاقتصاد الداخلي (في تلك الفترة).


9 - الاقتصاد في عهد ماو
عبدالرحمن مصطفى ( 2021 / 10 / 31 - 07:13 )
كذلك الاقتصاد الصيني كان اقتصادا أقرب لرأسمالية الدولة في الفترة الماوية (مع معدلات نمو عالية لكن أقل من المرحلة اللاحقة) والدولة حافظت على هذا النظام مع الاستفادة من العولمة الاقتصادية وتطويعها لمصلحة الداخل..

اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري


.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج


.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي