الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة / منعطف اول الواصلين

علي قاسم مهدي

2021 / 10 / 30
الادب والفن


منعطف أول الواصلين
آخر منعطفاتي، نزولي عن مواصلة الحياة. قد يبدو منعطفا غريبا بعض الشيء. لكنه يقودني على الإتيان به، يلح عليّ بقوة، بسبب خساراتي المستمرة. التي ولّدت لديّ إحساسا معيقا حقا في إكمال مشوار حياتي. هذا ما أحسه. مررت بمنعطفات كثيرة، حرمتني أن أتلو أنشودة نفسي، أن أعلن البوح بعواطفي. أن امجد حبي، وان اكتب قصائد الحب في الطرقات.. منعطفي الأخير تنتصر فيه الغرابة حد الجنون على واقعي، لأنني أحسه يمنحني طمأنينة. مكامنه تأتي من عوالم مجهولة بالنسبة لي. تؤكد حمى الشك بوجدي كمرآة لا تعكس ضوءًا للحياة. لهذا قررت السير نحو تنفيذه.. تركني الجميع. وحيدا بلا ذنب، عندما عرفوا بأنني عازما إلى استدرج منعطفي الأخير. لأنهم يمجدون ملذاتهم التي تنهشني ويدعون الإنسانية. أنانية متجذرة بنفوسهم. يمقتون الحب، يكرهون المحبين.. لذا تجذرت رغبتي بقوة لقطع مسافة الابتعاد، كي أصل حيث تسكن روحي في النهاية في منعطفها الأخير. والذي اخترته وبكامل إرادتي. تركت جسدي مسجى بخانة الذكريات، حيث حراس الآلهة البهيونَ يقفوا بصرامة لحراسة الخانات.. وأَدْرَكته - أي منعطفي - أخيرا. انه حيث الزمن بلانهاية، والسعادة تشع من أبواب الساكنين، الذين عانوا في عالمهم الأرضي. وقفت على أبوابهم، سمعت همسات حب، نابعة كفيض يشع، وأحسست دفئا، توقده محبة. لم اطرق بابا، قد أحكر صفوهم. أنا ألان معهم، حيث مبتغاي. عند دخولي لمحت لائحة النزلاء، كان اسمي عليها. لكن أين بابي. أليس لي مكان؟ تقدم اليأس نحوي وقراءت وصايا كثيرة معلقة على الجدران. منها، أن لا يأس هنا، الجميع سعداء. تقدمت. لكن رغبتي تباطأت. لا أريد ترك هذا المكان. قهقهة أطفال، نساء وجوههن فيض من حنان وسعادة،حلاوة شهدٍ تلمع في ابتسامتهن، ورجال مُمتهنون صنع المحبة والألفة. يرقصون. عندما مررت بتجمع يشبه لحد ما عرس ارضي. لوحت بيدي للجميع، لوحوا لي، تأكدت إنني بينهم، مثلهم بالضبط. لكن:
- أين بابي؟.
طارت فراشات من حولي، دغدغت راسي، وتوقد سمعي. أحسوا ما بي، أشاروا إليّ حيث الطريق. سعيت نحوه، سمعت عزفا لنايٍ حزينٍ. تخرج منه ذبذبات، تجعل مثلي يحزن، ومثلهم يرقصون. جلست قرب العازف. كان يعزف بلا أصابع. أنهى وصلته الحزينة . قلت:
- اعزف لحن بهيجة .
ضحك ونمت أصابعه ، اخرج ورقة خضراء بلون الرياحين.
- إذانْ أنتَ تسمع الحزن فقط لأنك جئت من عالم حزين. عوالم لن تفارقك. قدرك مكتوبا حزين . لا زلت غير مصدقا، تركته يعزف. واصلتَ سعييّ أن أصل بابي. صادفني الكثير يسيرون بدروب شتى، ألونها تحدد المسارات. اخترت لوني المفضل الأحمر. فتشت لم أجد مسارا بلوني، هَمْت لا اعرف إلى أين، أحسست بيدٍ تمسكني.
- أيصادفك هنا ضياع.
- نعم.
- لا عليك. إنها البداية. عالمك الأرضي لا يفارقك. ستمر بمراحل كثيرة، ما عليك إلا أن تتحمل .
- أريد الاختصار .
- إذن عليك أن تفعل.
قاطعته بنفاذ صبر.
- ماذا افعل.
- كل ما عليك فعله أن تطلب ما تريد.
صرخت بقوة، باسم أبي وأمي. سقطت دمعة. وأخرى بقت تترقق بعيني. جاءني صوت أبي من بعيد، بدأ يقترب أكثر. ذهلت. أبي ينادي باسمي، اسمعه بوضوح،وشممت رائحة أمي، وسمعت صوتها تصيح ولدي.
- يا الهي.
صرخت عندما رايتهم. بكيت، غير مصدقا.
- لقد عانيت كثيرا بعدكُم. حضناني بقوة. أُماه، اسمع نبض حياتي الحزين يتلاشى، أدركت بأنني وصلت منعطفي أخيرا. شعرت بأمان مطلق. عندها لوح أبي بمفتاح، عرفت إنه لبابي، مكتوبا عليه مفتاح أول الواصلين برغبته.



انتهت .
الجمعة بغداد 15/10/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب


.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري




.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات