الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حالات حاتم حسن الغاضبة

صلاح زنكنه

2021 / 10 / 30
الادب والفن


من الأهمية بمكان أن يدرك الكاتب ماذا يكتب؟ وعن ماذا يكتب؟ لكن الأهم من كل ذلك هو أن يدرك كيف يكتب؟ وهذا الـ «كيف» هو الذي يحدد مساحة الإبداع في أي عمل فني أو نص أدبي، والقاص (حاتم حسن) من هذا الطراز، الذي يعتقد أن الأدب في الحصيلة النهائية هو موقف ورؤية، وهذا الموقف وهذه الرؤية, لا يمكن أن يكونا جديرين بالاعتبار, ما لم يتجسدا عبر معمار فني رفيع يمتلك مقومات النجاح والديمومة .
و(حاتم حسن) الذي ينتمي حسب اصطلاح النقاد للجيل السبعيني, قاص مقل في نتاجه القصصي, قياساً لتجربته الطويلة نسبياً, بيد أنه حريص كل الحرص على قصته وجودة وجدية القص وبالتالي تمايزه عن غيره، فهو عبر أكثر من ربع قرن من الكتابة لم يصدر سوى مجموعة قصصية واحدة، وهذه المجموعة كفيلة بأن تضع اسمه الى جانب كبار المبدعين من كتاب القصة في العراق .
شخوص حاتم حسن القصصية في مجموعته البكر «حالة من حالات السيد غضبان الشيخ» شخوص مسحوقة تحت وطأة الحاجة والعوز والضنك، محاصرة بالإرث الاجتماعي والبيروقراطية، شخصيات مأزومة وعصابية, لا تملك زمام نفسها, ولا تتوائم مع محيطها وهي تتخبط في واقع قاس مرير، لا تجد خلاصها إلا في الموت كما في قصص « تحت شجرة التوت، وابراهيم، وأصوات متصلة، ووجه في الجدار، ولكي تتم اللعبة» وهي في غاية الضعف الإنساني, وغالباً ما تجهش في البكاء كما في قصص «ابراهيم، ودائما تأتي من هناك, واستعارة» ومعظم هذه الشخوص تعاني من الاغتراب والاستلاب والتهميش, مصيرها السجن كما في قصص «في مكان عام ، تحت شجرة التوت» أو الاذلال كما في قصص « الياء، والصوت الآخر، وجه في الجدار» ويتربص بها الموت كما أشرنا أنفا .
وغضبان الشيخ بطل قصته الأولى, هي شخصية محورية, تتكرر في معظم القصص بملامح وأجواء وأسماء أخرى، غضبان موظف في الأربعين من العمر، محبط، يكره المدير العام, هو نفسه بطل قصته الثانية والثالثة والرابعة والسادسـة والسابعة والتاسعة وجميعها باستثناء القصة الثالثة, تشترك بثيمتها الجنسية, وولع شخوصها بالنساء واخفاقها في تحقيق أية رغبة عاطفية أو جنسية أو أي طموح آخر, رغم أن بطل القصة السابعة يحمل اسم «عبدالله السايف» وبطل القصة التاسعة يحمل اسم «سلیمان سلمو» إلا أن ذلك لا يغير شيئا من المناخ العام لتلك القصص, التي تنتهي باستثناء القصة السابعة,, نهاية فاجعة ومأساوية .
إن نموذج الموظف الصغير المحبط, المثقف أحيانا, المتشاكل مع المدير العام, والذي نادراً ما يحتج, هو النموذج الأثير لدى حاتم حسن.
تنفرد قصتا «أصوات متصلة، ولكي تتم اللعبة» بموضوعة الحرب وأهوالها وافرازاتها، حيث تمتاز قصة «لكي تتم اللعبة» بنكهة خاصة وتعد في تقديري الشخصي من القصص الرائعة في مضمارها الإنساني رغم بساطتها (السهل الممتنع) إذ تعتمد في بنيتها على الحوار بين طفلين تبدأ هكذا ...
أيهما تحبين أكثر .. الموز؟ أم ماما؟ يسأل مروان أخته بتول فتجيب ...
الموز؟ ما هو؟ أنا أحب الكبة, ثم تسأل هي - أين هو الموز؟ فيجيب ـ ماما تقول في الجنة . فتتدارك الطفلة وتقول ـ أبي اذن يأكل الموز ص 58 .. بهذه السلاسة والذكاء يدير حوار الطفلين في محاولة اتفاق على لعبة الموت .
حالات حاتم حسن الغاضبة بأسلوبه الرشيق, وجمله القصيرة المكتفية بنفسها, دون اسهاب واستطراد, تشير بوضوح الى قاص بارع وصانع ماهر في التقاط وصياغة مشاهد ضاجة بالحيوية والعنفوان, باستثناء مؤاخـذتي على عنـوان المجموعة الذي يذكرني بقصص الأربعينات والخمسينات, التي اضفت بظلالها على بعض القصص فأن هذه المجموعة تستحق القراءة والاعجاب والتقدير.
...
جريدة العراق 8 / 7 / 1998








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي