الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحت المطر

ايناس البدران

2006 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


باكر النهار.. والشمس مغللة بالغبش، تبدت السماء كأقرب ما تكون الى الارض تتزاحم غمائمها لتعكس ظلالا خالجها الرمادي بالعاجي المضيء.

ما لبثت ان نثت ابرا قزحية على المارة، مما دفعهم الى حث خطاهم واتقائها بمظلة او صحيفة. اما هي فأختارت غصنا ظليلا افلح في درء بضع قطرات عنها. رائحة القهوة مازالت عالقة بأنفاسها، وبقايا دفء يسري في عروقها.

مع بدء دبيب الحياة اشتد انهمار المطر وصار يتقافز ثقلا على الحشائش الصفر العائمة مكونا بركا صغيرة اذكت المكان برائحة الارض الطيبة حيث يغمرها المطر.

كانت تغالب عذاب الانتظار بمتابعة لحن صباحي بعيد.. وتنقل نظرها ما بين الزرع المنتشي ببشائر الخصب، والطريق الاسفلتي المغسول بالماء.

برهة وانشقت الارض عن كوة من لهب واهتزت ارجاؤها لعصف دموي مزق ثوب الامان ناصع البياض.. غامت الرؤى امامها وهي تتلقى صفعة مدوية ادمت خدها بلحاء شجرة صفصاف فالتصقت بها مستغيثة في التحام جنيني. ذابت رفرفة اجنحة مذعورة في صمت مريب، غدا الدخان سيد الموقف ازاح ستار السكون اخيرا صوت انين تلقفه صدى بعيد الاصوات تتناهى تعلو لتختلط بدوي الصدمة بالدم المسفوح مشربا بالمطر بركام الرماد. الاجساد التي اغفلها الانفجار خلفها للدوار بمتاهات الهلع، الاقدام غاصت بأوحال بؤر غرينية ضاربة للحمرة بعدها سكن كل شيء.

طفت على سطح عقلها كلمات قالها يوما:

- ان عالمنا هذا قابل للتشكل وفيه متسع للجميع، لم تكن الحياة بالنسبة لهما استسلاما او انتظارا لقدر محتوم، ولا حتى بحثا عن حلم وردي.. وانما اختيار مسؤول حد المجازفة وتجريب لسبر اغوار ومحاولات لاكتناه حقائق اسمى واغنى.

حمل الصدى في الريح حشرجة غشي عينيها الدمع وهي ترنو الى اشلاء كانت عيونا حالمة قبل قليل تتأمل تفحم الشجر، تصدع الجدران، اصطبغت بالاحمر القاني، المشهد كله صار لوحة حية لعذابات مسجاة بلا اكفان.. وهي تحاول احتواء صدمة ذلك الصمت الذي يعقب ضجة عالم يتشظى.

طال وقوفها بانتظار الصباح مصحوبا بزقزقات العصافير، باللحن المفعم بالحنين، بضجيج الباعة والمركبات. كانت الريح ساكنة، وحدها نقرات المطر ظلت تهدهد اغفاءة الموت. حينما اطل امامها بقامته السامقة كانما انبثق من فراغ ودون ان ينبس بكلمة احاط كتفها بذراعه عيناه تشعان حزنا ازليا، نظراته طمأنينة تحتويها.. وكعصفور مبتل دست رأسها في ياقة معطفه وهي تغالب ارتجاف اوصالها. بللت قطرات من مطر شفتيه الشــاحبتين فعادتا ورديتين ترشفان حبات الدمع وتهمســان بوعد عذب.

بالحب الكبير المتغلغل فيهما التقيا حاملين ذات العذاب يسكنهما عالم يتوحد.. يولد من رحم الجراح.. من ذوب الاشلاء الوردية فيورق زرعا وعشبا وزهرا بريا.

غسلت الارض دماءها ودموعها.. شربت من ماء السماء حتى تطهرت وارتوت فتح الرجل مظلته وهو يتنهد.. امسك بيدها وسارا جنبا الى جنب تحت المطر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فراس ورند.. اختبار المعلومات عن علاقتهما، فمن يكسب؟ ????


.. 22 شهيدا في قصف حي سكني بمخيط مستشفى كمال عدوان بمخيم جباليا




.. كلية الآداب بجامعة كولومبيا تصوت على سحب الثقة من نعمت شفيق


.. قميص زوكربيرغ يدعو لتدمير قرطاج ويغضب التونسيين




.. -حنعمرها ولو بعد سنين-.. رسالة صمود من شاب فلسطيني بين ركام