الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانكسار في عيون المصري له حل: المقاومة لإسقاط الدولة هي الحل

هويدا طه

2006 / 8 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


شيء ما.. جعل ثلاث مشاهد مصرية عرضتها الفضائيات هذا الأسبوع تتداعى وكأن كل منها يستدعي الآخر.. قد تدهش في البداية وتتساءل وما العلاقة بينها.. لكن سرعان ما تلمسه على اختلاف الصورة واللون فيها.. واختلاف الزمن والوجهة والظروف.. رابط قوي قد يحيلنا إلى نتيجة ما، أولها صور حادث تصادم قطارين في شمال القاهرة وتعليقات المواطنين عليها والتي لم تخل منها نشرة أخبار في آية قناة تليفزيونية، وثانيها لقاء مع الأديب السكندري إدوار الخراط في برنامج "أدب السجون" على قناة الجزيرة، ثم خبر صغير عن مطلب (جديد على الساحة المصرية) طالب به مؤتمر نوادي هيئة التدريس بالجامعات المصرية.. وهو ضرورة تعليم الطلاب (فكر المقاومة) ونشرها بينهم..
قبل بدء بث صور (الضحايا) في حادث تصادم القطارين.. قبلها بلحظات.. كانت صور (الضحايا) تحت الأنقاض في بيروت وغزة وبغداد هي الصورة السائدة.. ثم جاءت صور مشابهة من القاهرة.. مشابهة في كونها تعرض أيضا (ضحايا).. لكن التعليقات العفوية للمواطن المصري بدت مختلفة تماما عن تلك التي يدلي بها المواطن اللبناني أو الفلسطيني أو العراقي خلال الأخبار- وعلى مختلف القنوات التليفزيونية- هناك (انكسار) في عين المصري.. هناك (ضياع) وعجز.. هناك (ذل) وحيرة.. هناك (فقدان للأمل).. لا تلمس في عين المصري ذلك (الإصرار) الذي يبديه اللبناني والفلسطيني والعراقي عندما يشير إلى الضحايا في بلده وهو (يعرف عدوه) ويعرف طريق الخلاص رغم صعوبة المضي فيه.. يتحدثون عن (المقاومة.. مقاومة العدو) يتحدثون عن (السلاح) يتحدثون عن قائدهم أو عن حزبهم أو عن جماعتهم.. يرفضون بإصرار (ظلم الاحتلال).. يصفونه بالاسم ويصفون (بغضب) معاناتهم معه.. يتوعدونه ولا تنحني جباههم رغم المعاناة أمام فشل هنا أو هناك لمقاومتهم ضد العدو.. وتشعر أنهم حتى وإن تأخر الحل لقضاياهم الدامية.. لا يستسلمون..
تتساءل.. لماذا يبدو المواطن المصري منكسرا مهزوما حائرا أمام عدوه إلى هذا الحد؟ لماذا تشعر أن فكرة (التصدي لعدوه) لم تمر مجرد مرور بذهنه؟.. الضحايا الناجون في حادث القطارين وقبلها في حادث العبارة وقبلها في محرقة بني سويف وقبلها في حادث قطار الصعيد.. وضحايا القهر الحكومي اليومي الذي بطال الرزق والحرية والأمان.. وضحايا الحرمان من أبسط حقوق الإنسان.. وضبابية المستقبل.. والفساد الذي ينهش بوحشية فرص الحياة للجميع.. كل هذا يمر به المواطن المصري ومع ذلك لا تراه يفكر في مقاومته بالسلاح أو بالسلم أو بآية طريقة تجعل هذا (العدو الوحش) يتراجع.. المصري يعرف أن عدوه هو (الدولة المصرية) كما يعرف اللبناني والفلسطيني والعراقي أن عدوه هو أميركا وإسرائيل، لكن المصري يقابل عدوه باستسلام لا محدود.. بالطبع أنا وأنت (إن كنت مصريا) هو هذا (المواطن الحائر).. فالمشكلة ليست (فيهم) وإنما هي (فينا).. في (مصري اليوم) الذي – لسبب ما- صار (مختلفا) عن المصري الذي حكى لنا عنه إدوار الخراط.. في لقاء الجزيرة معه خلال برنامج (أدب السجون).. قال الخراط إن المظاهرات التي كانوا يخرجون فيها ضد الاحتلال البريطاني لمصر في النصف الأول من القرن الماضي.. كانت لا تقل عن 150 أو 200 ألف متظاهر، عُرضت في البرنامج الصور المتاحة بالأبيض والأسود لهذه المظاهرات المصرية القديمة.. تتقارب أجساد المتظاهرين وتشعر بهم (يعرفون هدفهم)، كان عدد سكان مصر حينها أقل من 18 مليون.. بينما اليوم وعدد سكان مصر يصل إلى 80 مليون.. يتجادل البعض بعد انتهاء مظاهرة ما بأن العدد كان أكثر من 400 مشارك.. لا لا.. كان أكثر.. كان يمكن أكثر من 600 متظاهر! الأحياء من هؤلاء المصريين القدامي- قدامي أي كانوا شبابا فقط قبل خمسين عاما- ورغم الشيخوخة التي (تكسر) الإنسان بطبيعتها.. لا ترى في عيونهم الغائرة بحكم السن ذلك (الانكسار) الذي نراه في عيون الشباب المصري الآن.. (أو نضبط أنفسنا به في لحظة ما.. أو للأسف.. لحظات ما).. التقيت بالدكتور محمود أمين العالم وحاولت أن أخترق عينيه فلم أرى رغم شيخوخته شيئا من انكسار.. بحثت عن جذور هذا الانكسار الذي يغمرنا الآن في عيون هؤلاء فلم أجد.. إنه خاص بنا.. بجيلنا نحن ومن يتلونا من أجيال.. هذا المصري القديم (قديم قبل خمسين عاما فقط) تظاهر ضد (العدو) البريطاني وحمل السلاح أحيانا وفي نفس الوقت كان يبدع في الفنون والأدب.. وبعد ثورة يوليو زاد تألقه فكانت القاهرة مقرا إقليميا عربيا للإبداع في الفنون والآداب وعندما (انتكست) في عام 67 لم تنحن الجباه كما تنحني الآن.. قاوم المصري وظل واقفا واستمر يبدع حتى استرد من كرامته الكثير في حرب 73.. ثم.. ثم بعد تلك الحرب الأخيرة.. وُلد مصري اليوم.. المنكسر الضائع الحائر العاجز المستسلم.. الضعيف في العلم والمهارات والفن والمعرفة.. أحد الضحايا الناجين من حادث القطارين قال في نشرة أخبار:" حتى عمال الإنقاذ إللي وصلوا معندهومش أي فكرة عن أي إنقاذ"، تفوق على مصري اليوم جيران كانوا يتطلعون إلى مصر على أنها (المُعلم الأكبر).. وصاروا ينظرون بتعالٍ إلى (المصري فقير المهارات)، وصارت الفنون المصرية في الحضيض ولم يعد بمصر إبداع ولا تفوق ولا أي شيء على الإطلاق إلا ذلك الانحطاط وذلك التردي المتمدد المستمر في كل أوجه الحياة.. إلا ذلك (الانكسار) اللعين.. فلماذا.. رغم أن المتاح من المعارف الآن أضعاف أضعاف ما كان متاحا منذ خمسين عاما.. ربما لأن المصري اليوم لم يعد يعرف (فن المقاومة).. لم يمارسها منذ انتهاء آخر شواهدها في حرب 73.. ليس لديه بشأنها خبرة من سبقوه.. ليس منتشرا بين شباب اليوم ما يسمى (ثقافة المقاومة).. لعلها هنا هي البداية.. تعليم الشباب (فن المقاومة).. نشرها بينهم ثقافة كي تسود.. كما طالب مؤتمر نوادي هيئات تدريس الجامعات المصرية.. لكن وبينما نتعلم من جديد كيف تكون (المقاومة).. علينا أن نشير بوضوح إلى (العدو).. عدونا الأول هو الدولة المصرية.. أو قل نظامها.. وهدفنا الأول (بناء دولة جديدة) كما قال لي أحد الأصدقاء وهو يتساءل في مقهى نقابة الصحفيين في القاهرة.. مجيبا عن سؤاله.. ماذا نريد؟! بعد هذا الانكسار الذي أبداه المصريون أمام حادث القطارين أو تحت عجلاتهما.. ربما صار علينا قبل بناء الدولة الجديدة أن نسقط القديمة.. والمقاومة هي الحل.. مقاومة الدولة.. بالسلم أو بالعصيان المدني أو بغيره.. هذه الدولة لابد أن تسقط.. لابد أن تسقط..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشييع الرئيس ابراهيم رئيسي بعد مقتله في حادث تحطم مروحية | ا


.. الضفة الغربية تشتعل.. مقتل 7 فلسطينيين بنيران الجيش الإسرائي




.. هل ستتمكن إيران من ملئ الفراغ الرئاسي ؟ وما هي توجهاتها بعد


.. إل جي إلكترونيكس تطلق حملة Life’s Good لتقديم أجهزة عصرية في




.. ما -إعلان نيروبي-؟ وهل يحل أزمة السودان؟