الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خمس قوى في مركب واحد

ثائر دوري

2006 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


منذ بداية هذه السنة و كل مدقق في الشأن السياسي العام كان يدرك أن المنطقة مقبلة على انفجار كبير . و بعضهم حدد موعد له في الخريف ، و هذا أمر أكده أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصر الله فيما بعد .
كان من الواضح أن المنطقة شرق السويس ، الممتدة من قناة السويس إلى طهران و تالياً كابول ، إضافة إلى أنها تفور و تغلي ، بات واضحاً أنها منذ معركة الفلوجة الثانية قد دخلت في حالة توازن بين أطراف المقاومة أو الممانعة للمشروع الأمريكي ، و هي بشكل أساسي خمس أطراف : المقاومة العراقية ، المقاومة الفلسطينية ، حزب الله ، دمشق ، طهران ، و منذ شهور يمكن إضافة قوة سادسة لها هي طالبان العائدة إلى الساحة الأفغانية بقوة ( و بالطبع فإن ما يجمع هذه القوى هو عدائها للمشروع الأمريكي و كل لأسبابه الخاصة ، لكنها جميعاً باتت في مركب واحد يبدو أن القفز منه ، أو المساومة عليه صارت صعبة على أي طرف من هذه الأطراف ، كما أن أية هزيمة تلحق بواحدة من هذه القوى الخمسة سيكون لها مفعول الدومينو و بالعكس في حال النصر)
بدا منذ معركة الفلوجة الثانية أن هناك حالة توازن و تقابل قتالي بين هذه القوى و بين المشروع الأمريكي الصهيوني . ففي الميدان العراقي ، الذي أراد الأمريكان أن يكون ميدان حسم معاركهم مع العرب و المسلمين و تالياً مع العالم مرة واحدة و طيلة القرن الحادي و العشرين ، فجهزوا ميدان المعركة لثلاثة عشر عاماً بالقصف اليومي و الحصار الوحشي كي يكون النصر كاسحاً عندما تحين لحظة الغزو . لقد أرادوه نصراً كاسحاً لا تقوم للعرب و المسلمين قيامة بعده ، إلا أن مفاجأة الميدان العراقي غير المتوقعة ، و المتمثلة بالمقاومة العراقية ، قلبت كل حسابات الأمريكان و بدل أن يتحول العراق المحتل أمريكياً إلى عمود ارتكاز للمشروع الإمبرطوري الأمريكي شاهدناه يتحول إلى معول هدم لهذا المشروع بل أشبه بثقب أسود يمتص كل ما يدفع به الأمريكان من مال و رجال ............
عجز الأمريكان عن إنجاز الركيزة الأساسية لمشروعهم الإمبرطوري في العراق بفعل المقاومة المسلحة ، التي لم تترك جنود الإمبرطورية يرتاحون في أرض الرافدين لحظة واحدة . فتوقفت محركات الدبابات الأمريكية عن الدوران و غاصت في طين دجلة و الفرات ، و هي التي كان يُراد لها أن تتابع شرقاً و غرباً إما بالغزو المباشر أو بتأثير الصدمة و الرعب لتشكل الشرق الأوسط الجديد ، الذي ينتهي فيه الفلسطينيون كشعب و إلى الأبد ، فتستكمل الصهيونية ابتلاع ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية و تقيم الإدارة الأمريكية امبرطوريتها الإقليمية من حدود الصين إلى الأطلسي ، و بالتالي تضمن السيطرة على البترول حتى تاريخ نفاذه ، و تمنع قيام قوة منافسة فيبقى القرن الحادي و العشرين قرناً أمريكياً .
إن ضخامة هذا المشروع الأمريكي و التأثيرات الهائلة لفشله جعله أكبر من أن يُهزم في العراق وحده . و لتوضيح هذه النقطة نشير إلى أنه لو كانت نتائج المجابهة بين قوات الإحتلال الأمريكي و المقاومة العراقية تخص حدود العراق الجغرافية المعروفة لأقرت الولايات المتحدة بالهزيمة أمام المقاومة العراقية و لانسحبت . لأن مشروع الغزو بات خاسراً فيما لو كانت حسابات الربح و الخسارة تخص العراق وحده . و لكن بما أنه مشروع غزو العراق مشروع إقليمي و تالياً كوني ، فإن الربح و الخسارة في هذه الحالة معان أخرى تتجاوز حدود العراق الجغرافية . بمعنى أن حساب الخسائر لا يحسب كما في الحالة الإستعمارية التقليدية ، نحن نربح من العراق عشر مليارات مثلاً و نخسر بالمقابل على جيشنا عشرين ملياراً إذاً يجب أن ننسحب . بل إن المعادلة هي التالية نحن نخسر في العراق مائة مليار لكن لو انسحبنا لخسرنا ألف مليار في الإقليم و في العالم ........... . و هذا أمر طبيعي نتيجة الترابط الوثيق بين أطراف الإقليم و تأثير الدومينو في حالتي الربح أو الخسارة .
و بما أن حسابات الربح و الخسارة أكبر من حدود العراق الجغرافية ، فقد زجت الإدارة الأمريكية بمزيد من القوات و بمزيد من القمع و التدمير في ظل تفوق جوي مطلق على أمل أن يحدث اختراق ما في الساحة العراقية يعيد دوران عجلات الدبابات الأمريكية على طريق الشرق الأوسط الكبير . لكن لا تدمير الفلوجة ، الذي حرم المقاومة من أرض محررة بشكل تام . كان يمكن أن تبني عليها مؤسساتها المستقلة ، و هذا أمر لو تم ،سيكون عظيم التأثير على الإقليم . لا تدمير الفلوجة و لا الحملات المستمرة على مدن الأنبار البطلة ، و لا محاولات إغراق الثورة العرقية المسلحة بالحرب الأهلية نجحت في تحقيق الإختراق المطلوب أمريكياً . فقد بقيت الثورة المسلحة متقدة و منعت الأمريكان من إنجاز مؤسسات سياسية عراقية تمتلك الحد الأدنى من الحياة المستقلة و هذا أمر حيوي لحياة المشروع الإمبرطوري . فرأينا مؤسسات عاجزة كسيحة تستنجد بالأمريكان كل حين و يتدخل الأمريكان بكل صغيرة و كبيرة لتسيير أمورها مما حول هذه المؤسسات إلى عبء على قوات الإحتلال بدل أن تساعدها . لقد أنجز مؤسسات سياسية هزيلة لا تقوى على الوقوف على قدميها فبقيت تتغذى من ثديي الاحتلال بشكل مباشر . و بات هذا الوضع يستنزف الإدارة الأمريكية التي أدركت أن الوقت لا يعمل لصالحها بل لصالح المقاومة ، فكانت محاولة افتعال حرب أهلية بواسطة العمليات القذرة و القتل و الخطف لكن الجسم العراقي امتص إلى حد كبير هذه الصدمة و أحسن التعامل معها .
بعد الفشل في الميدان العراقي تغيرت الإستراتيجية الأمريكية فبدأت محاولة كسر الإقليم من خارج العراق ، من المحيط . و هذا تغير مهم في الإستراتيجية الأمريكية ، فحسب الخطة الأصلية هدف الاستيلاء على بغداد كسر القدس و غزة و دمشق و طهران و بيروت . و لنتذكر في هذا السياق مقالة كيسنجر قبل غزو العراق و التي اعتمدها المحافظون الجدد خطة عمل لهم و عنوانها (( الطريق إلى القدس يمر ببغداد )) ، و التي يقول فيها إن إخماد الإنتفاضة و السيطرة على القدس مجددا يستلزم الإستيلاء على بغداد ، فحسب زعمه ما إن تسقط بغداد حتى يستسلم الفلسطينيون .
بدأت محاولة احداث اختراق في المنطقة الممتدة غرب بغداد من بيروت إلى دمشق . ففي بيروت بدأ الأمريكان هجوماً ضخماً توج بإخراج الجيش السوري و الهجوم السياسي على سلاح المقاومة بهدف نزعه إلا أنه و عند حد معين استعادت الساحة اللبنانية توازنها بين الأطراف المسوقة للمشروع الأمريكي و الأطراف المقاومة له،و بدا واضحاً أن النيل من سلاح المقاومة شيء لا قبل للأمريكان و حلفائهم بإنجازه سلمياً ، فانتقلت محاولة الكسر إلى دمشق و فشلت هذه المحاولة ، حيث اجتاز النظام ما كان مخططاً له في الشهر العاشر و الحادي عشر من العام الماضي ، و بقيت المواقع ثابتة كما هي بعد أن ظن الجميع أن العدو كاد يكسر حلقة من الحلقات . و كانت المفاجأة التالية هي نوع من الهجوم المضاد إذ صعدت حماس إلى السلطة بانتخابات ديمقراطية مما أكسب القوى المعادية للمشروع الأمريكي قوة جديدة و أضاف نقاطاً لصالح الطرف المقاوم . فبدأت من جديد محاولة إحداث كسر سياسي في الساحة اللبنانية يخص سلاح المقاومة عبر اسقاط الرئيس لحود و الإتيان برئيس يتساوق مع طروحات المشروع الأمريكي . فبدا و كأن الأمريكان يحاولون التعويض في بيروت عما خسروه في غزة . لكنهم لم يتمكنوا من ذلك فهدأت الأمور قليلاً لتنتقل المعركة إلى جبهة طهران و عنوانها هذه المرة الملف النووي ، و صمدت طهران ........
عاود الإسرائيليون محاولة اجتثاث حماس فعلى مدى شهر كامل صعد الصهاينة و تيرة القتل اليومي المعتادة في غزة فقصفوا الشواطيء ، و هدموا الدور فوق رؤوس ساكنيها ، و حاصروا غزة براً و بحراً و جواً . فكان لا بد لحزب الله أن يهب لنجدة غزة التي توشك أن تختنق فقام بما قام به عندها أخرج الصهاينة من الأدراج خطط غزو لبنان التي كانوا قد أعدوا العدة للقيام بها بعد شهرين أو ثلاثة اشهر و بعد أن ينتهوا من تدمير غزة و اجتثاث حماس .
و على الفور أعلنت رايس الأهداف الحقيقية لقصف لبنان ، و بدون مواربة ، شرق أوسط جديد . و هذا يعني عودة إلى نفس المشروع الذي غرق في أرض العراق . فسقوط بيروت ، حسب اعتقادهم ، سيكون له مفعول الدومينو ، سترتعد فرائض غزة فتستسلم و ستنطلق آلية تغيير أمريكية في سوريا و بالتالي تختنق المقاومة العراقية و يطبق الأمريكان حصار تاماً حول طهران . لكن ذلك فشل أيضاً فقد صمد حزب الله . بل و ألحق هزيمة تاريخية بالعدو الصهيو- امريكي رغم ميزان القوة العسكرية المختل بشدة لصالح الصهاينة . لقد اجترح حزب الله معجزة لا أحسب أن أحداً من أشد المتفائلين كان يتخيل حدوثها . و بات الأمريكان يخشون من دومينو معاكس ، فكما أن هناك دومينو متوقع كان سينجم عن هزيمة حزب الله ، لو حدثت ، فمن المتوقع أن يكون هناك دومينو معاكس ناجم عن انتصاره .
في النهاية يجب قول كلمة لا بد منها و هي ان قوى المقاومة في المنطقة قد أضافت بانتصار حزب الله نقاطاً هامة إلى رصيدها و هي جميعاً رابحة . لكن المعركة لم تنته بعد و العدو الصهيو – امريكي سيحاول و بشكل سريع تعويض خسارته في نقطة جديدة يظن فيها ضعفاً . فأين سيكون العدوان القادم ؟ هذا أمر ما زال في علم الغيب حتى الآن . لكن من المؤكد أن ظروف أي عدوان ستكون أصعب على الطرف المعتدي كما أن احتمالات نجاحه أقل . و سيخسر العدو مزيداً من النقاط . و يجب التذكير دوماً أن المعركة بين قوى المقاومة و المشروع الأمريكي هي معركة يتم كسبها بالنقاط لا بالضربة القاضية .
تبقى الإشارة إلى نقطة ضعف تحتاج إلى معالجة و هي الخلافات بن قوى المقاومة في المنطقة ، و هي خلافات تبدو أحياناً و كأنها تطغى على التناقض الأساسي مع العدو الصهيوني . صحيح أن المعركة الأخيرة قد جعلت هذه الخلافات تتراجع إلى الخلف إلا أن الأمر يحتاج إلى مقاربة سريعة لحل الخلافات وصولاً إلى التحالف بين قوى المقاومة . و بالتأكيد فإن الساحة العراقية هي التي يجب أن ينصب بها هذا الجهد ، الجهد الهادف إلى حل خلافات المقاومين مع بعضهم . لماذا العراق ؟
لأنه في هذه الساحة تتكثف خلافات أعداء المشروع الأمريكي . إن العدو يراهن على هذه الساحة كمدخل للتفتيت لذلك يجب أن نحولها إلى مدخل للتوحيد و هذا ممكن شرط توفر الجهود المخلصة و إدراك أن اللحظة التاريخية التي تمر بها الأمة تفترض التسامي على الجراحات و خلافات الماضي ، و تبني لغة تصالحية تنحي الخلافات جانباً و تركز على المشترك الذي يجمع، و بالطبع هذا لا يعمي ان يتخلى كل طرف عن فكره و رؤيته للكون . لكن البحث عن القواسم المشتركة ممكن خاصة و أنها كثيرة . كما نشير هنا إلى أن ايران لديها الكثير الذي تستطيع أن تقدمه في هذا المجال مما يمكن أن يزيل أي لبس حول دورها الإيجابي في الصراع العربي الصهيوني . و يسرع بهزيمة المشروع الصهيو- أمريكي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د