الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المارقة

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2021 / 10 / 31
الارهاب, الحرب والسلام


الحركة الاستعراضية والاستفزازية التي قام بها جلعاد آردان، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، بتمزيق التقرير الذي اصدره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على الملأ وأمام بقية المندوبين وأمام الكاميرات، ليست حركة جديدة ولا مبتكرة، فقد سبقه إليها عدد كبير من المندوبين والسياسيين من الشرق والغرب، والشمال والجنوب، ومن بينهم حاييم هرتسوغ رئيس إسرائيل الأسبق ووالد الرئيس الحالي اسحق هيرتسوغ، والذي كان ذات يوم مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، حيث احتج في حينه (اواسط السبعينات) على القرار الذي يعتبر الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية.
ربما يهدف آردان وهو من غلاة حزب الليكود اليميني المتطرف إلى تسجيل بطولات ومآثر شخصية في سيرته الذاتية، لعلها تفيده يوما ما في منافساته المقبلة وهو الذي يعد أحد أقطاب حزبه الموجود الآن في المعارضة، ومن العناصر التي كانت مزعجة لبنيامين نتنياهو. لكن الأهم من البعد الشخصي هو دلالة التصرف الفظ والأرعن على موقف دولة إسرائيل المارقة من المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، ومن قراراتها المتراكمة سنة بعد أخرى، وتوصياتها وتقاريرها، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومن مجمل القضايا المتصلة بحقوق الإنسان وخاصة غذا كان هذا الإنسان من (الغوييم )، اي من الآخرين غير اليهود وخاصة إذا كانوا عربا وبخاصة فلسطينيين.
تتصرف إسرائيل بطريقة عنجهية ملؤها الغطرسة والاستعلاء ليس تجاه قرارات الأمم المتحدة التي تخصها وتنتقدها، بل نظرتها الثقافية والنفسية للأخرين، ومعاملتها لهم في الحدودج والمطارات حتى لو كانوا من حملة جنسيات الدول الصديقة مثل الولايات المتحدة وغرب اوروبا، فهي مستعدة لاحتجاز بعض زوارها "المشبوهين" لساعات طويلة أو إعادتهم على أول طائرة لمجرد الاشتباه أنهم قادمون في زيارة تضامنية للفلسطينيين، أو أن أحد اجداد هؤلاء ولد في فلسطين، كما تتجلى سياسات إسرائيل العنجهية في استباحة سيادة الدول الأخرى وارتكاب جرائم حرب على أراضيها كما جرى الكشف عنه مؤخرا باختطاف جنرال إيراني لإحدى الدول الأفريقية، وقبلها تنفيذ سلسلة عمليات اغتيال في كوبنهاغن وروما واثينا وباريس ودبي ونيقوسيا ومالطا وتونس وبروكسل، واستخدام جوازات سفر مزورة تابعة لدول صديقة مثل كندا واستراليا والنرويج والسويد.
ما يساعد إسرائيل على هذا السلوك هو ثقتها بانها محمية من اية اجراءات عملية أو عقابية، فالفيتو الأميركي جاهز دائما لحماية إسرائيل من اية قرارات، كما أن وجود نزعة استخذائية عربية خانعة تجاه إسرائيل، وتندلق للتطبيع والتعاون معها، حيث أن هذه الأخيرة وفي ذروة تطرفها ونزعتها العدوانية التوسعية، ومع استقرار حكم اليمين فيها، وجدت من ينفتح عليها بكل ما أوتي من إمكانيات ومن يقيم معها علاقات دبلوماسية ويطبع العلاقات معها ويتخذها مدخلا لتحسين علاقاته بالولايات المتحدة، علاوة على ذلك فإن معظم دول أوروبا لا تفعل أكثر من انتقاد إسرائيل أو معاتبتها أو توجيه اللوم لها، ولكنها تحجم وتمتنع عن اتخاذ اية قرارات عملية، بل إن اوروبا بأسرها ترتبط مع إسرائيل باتفاقية شراكة لا تحظى بها اية دولة في العالم حتى دول أوروبا الشرقية وبعض دول البلقان التي لم تحصل بعد على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، وهذه الاتفاقية تعطي إسرائيل معاملة تفضيلية في كافة مجالات التجارة والسياحة والتعاون العلمي والاقتصادي والثقافي وفي شتى المجالات.
من الأمثلة النافرة على مثل هذه السلوك الأوروبي ما قامت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ( ومن العجب أن لها كثير من المعجبين بين ظهرانينا) التي اختارت إسرائيل من بين كل دول العالم لكي تزورها زيارة وداعية مشحونة بالعواطف، وقد أسهبت في مدحها بالقول أن إسرائيل "منارة في بحر هائج" وأنها المكان الوحيد في المنطقة الذي فيه احترام لديمقراطية وحقوق الإنسان! من المؤكد ان عناصر التقرير كانت جاهزة لحظة أدلت ميركل بتصريحها المنافق، كما أن قرار وزير الأمن الإسرائيلي بحظر ست منظمات حقوق إنسان فلسطينية ووصفها بأنها إرهابية كان جاهزا ايضا، وهو القرار الذي قوبل باعتراضات حتى من داخل الحكومة الإسرائيلية لإمعانه في التعدي على ملفات حقوق الإنسان. بل إن بعض الدول المحسوبة تاريخيا من اصدقاء العرب والفلسطينيين مثل الصين وروسيا والهند وحتى بعض الدول الإسلامية، تواصل "انتقاد" إسرائيل ولكنها ترتبط معها باتفاقيات تجارية وعسكرية وأمنية وسياسية، وتواصل التعاون معها في كافة المجالات، مجسدة المبدأ الساري المفعول في هذا العصر، وفي كل عصر على الأرجح، من أن السياسة تحددها المصالح وليس المبادىء والأخلاق والقيم، وبالتالي يصدق على كثير من الأطراف الدولية القول الماثور بان قلوبهم مع فلسطين ولكن سيوفهم ومصالحهم مع إسرائيل.
من المهم التأكيد أن قرار مجلس حقوق الإنسان قرار مهم، لا سيما اقترانه بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل خلال الحرب العدوانية الأخيرة والمواجهات الشاملة مع الفلسطينيين في شهر ايار/مايو الماضي، بما يشمل قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، وحتى الداخل المحتل عام 1948، وهو يمكن أن يفيد النضال الوطني الفلسطيني عند اقترانه وتكامله مع اشكال النضال الأخرى بما فيها المقاومة وكل أشكال النضال القانونية والسياسية والدبلوماسية والجماهيرية والتي لا يمكن أن تكون ناجعة إلا بانهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل