الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نحارب الرأسمالية المتوحشة

حاتم بن رجيبة

2021 / 10 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


حتى نتبين مواقع الخور في الإقتصاديات الريعية وفي الإقتصاديات الرأسمالية المتوحشة وحتى ندرك أسباب الفقر المدقع وأسباب التباين الكبير في الدخل تقريبا في جميع دول العالم لكن بشكل فاحش في دول العالم الغير الأول أدعوكم إلى تناول درس مشروع مصنع بالمنطق السليم حتى لا نضيع في تفاصيل تقنوقراطية تظللنا ولا تنيرنا.

تصوروا أنني اعتزمت بعث مصنع سيارات. ماذا يجب علي عمله؟؟

أولا يجب علي أن أدرس المشروع أو أوظف شركة محلية أو خارجية بذلك. سأتبين حجم رأس المال اللازم و قدرة السوق و نوع المنتوج الذي يمكن أن يلاقي قبولا و حجم العوائق البيروقراطية والمدة الزمنية اللازمة حتى أبدأ الإنتاج وقيمة المرابيح الممكنة و ماذا سيحصل إن أنا فشلت وخسرت؟ أو بمعنى آخر ماهو أفضل شكل قانوني للشركة حتى أتمتع بأكثر قدر من الأرباح إن نجح المشروع وأتحمل أقل قدر من الأضرار إن فشل.

عندما تكون نتائج تخميناتي أو نتائج الدراسة مشجعة فسأنتقل إلى المرحلة الثانية ألا وهي توفير رأس المال الضروري. إن كنت ثريا جدا فلن أدع شريكا يقاسمني أرباحي. وإن لم أكن كذلك فسأبحث عن شركاء أو سألتجئ إلى البنوك وأحاول إقناعها بمشروعي .

نفترض أنني تحصلت على رأس المال الكافي ، عندئذ سأبدأ بتنفيذ المشروع. سأبحث عن شركة مقاولة كفأة وعن أحسن الآلات وأكفأ العمال وأحسن موقع. ثم أنطلق في التصنيع و العمل هدفي ووازعي الأوحد هو الثراء.

ما تقدم يتبين أني كصاحب مشروع سيكون لي فضل وحيد ألا وهو الشجاعة والجرأة على الدخول في مشروع مقلدا غيري جازف ونجح أو خمنت في فكرة جديدة أو ابتكرت آلة فريدة أو اكتشفت ثغرة في السوق كما يقال . أما باقي المستلزمات فتعود إلى المجموعة فهي التي ستوفر العمال الأكفاء والأصحاء بمدارسها وجامعاتها و نظامها الصحي المتطور ومن ستوفر المحيط السليم والبنية التحتية الحديثة والقوانين المرنة والتمويل اللازم ألخ . وحتى إن كنت ثريا فثرائي لم ينزل من السماء بل كان من إنتاج عمال آخرين أي وفرته المجموعة.

هناك احتمالان ممكنان لطريقة تصرفي كمستثمر وصاحب مشروع:

الإحتمال الأول: سأكون أنانيا ووحشا إلى أعلى درجة فيما يخص الأرباح. سأحاول أن أدفع أقل أجر ممكن للعمال وأن أقدم أقل قدر من الضرائب لصالح الدولة والمجموعة وأن أتقيد بأدنى قدر بالتعليمات الحامية لسلامة العمال و للمحيط...سأكون ثعلبا وذئبا ووحشا لا يعرف الرحمة ولا ضمير له. رغم أنني أدين للمجموعة بتحقيق المشروع ولم يكن لي إلى فضل ضئيل جدا فإني سأعتبرها أكبر عدو يقف أمام سعادتي وثرائي إن نجح مبتغاي كما سأجعلها تتحمل كل تبعات فشلي إن فشل المصنع.

الإحتمال الثاني: سأعمل على أن أكون اجتماعيا أكثر قدر ممكن دون أن يكون المشروع خاسرا. بحيث سأدفع أقصى أجور ممكنة و سأدفع أكبر قدر من الضرائب وأحافظ على المحيط وعلى سلامة العمال بأقصى قدر كما سأسعى إلى تشريك العمال في صنع القرار وفي الأرباح وأعتبرهم شركاء وليسو أجراء. فجل الفضل يعود إلى المجموعة لذلك وجب أن يكون لها أكبر قسط من الأرباح.


كما هو معلوم جل أرباب العمل في العالم يتصرفون حسب الإحتمال الأول، حتى الكنيسة و الجمعيات الدينية الإسلامية واليهودية تتصرف كذلك. أي إنهم ثعالب وذئاب ووحوش...حتى في الدول الشيوعية يتصرف رب العمل الأوحد: الدولة بنفس الشكل: أجور مضحكة، تحطيم للمحيط، سلامة العمال وتشريكهم في اتخاذ القرار مفردات مجهولة في تلك الأنظمة.

أما أعراف النمط الثاني فأوتوبيا أو قلة نادرة .

موقع الخور هو أن المجموعة في شكل الدولة تسمح بوجود هذا النمط من الأعراف والمستثمرين. هي لا تمنع وجود أعراف النمط الثاني، لكن أين هم البشر الذين سيتصرفون كذلك؟؟؟

فالبين أن البشر أحببنا أم أبينا في سوادهم أنانيون ووحوش ومجرمون ولصوص ومصاصو دماء. وحدها هي المجموعة من تكبح شر الفرد.

البين كذلك أن أكبر وازع للعمل ولتكوين شركات وإنتاج مجتمع مصنع متطور و حضارة هو الربح والثراء، ذلك هو المحرك الأساسي، دافع أناني لكنه فعال جدا . فقلة من تعمل لتحقيق رفاهية الآخرين وتقليل آلامهم، هذه الفئة موجودة لكنها شاذة تحفظ ولا تقاس عليها.

وحده النظام السياسي والإجتماعي من قوانين وأخلاق ودستور ومحاكم وشرطة ودرك وجمعيات من يكبح جنون الأفراد فيسمح بالنوع الثاني من أرباب العمل. لأن ذلك هو السبيل الأوحد لتقليص الفقر إلى أقل قدر ممكن وتعميم الثراء على أكثر عدد ممكن من أفراد الشعب. وهو النظام الوحيد الكفيل باستمرار الدولة المصنعة والثرية على المدي البعيد. هو نظام محركه رغبة الفرد في الثراء والجاه و لجامه قوانين تحمي العمال والدولة والمحيط. قوانين اشتراكية وغيرية . نظام يشجع المبادرة الفردية و يفسح مجالا واسعا للأفراد للمشاركة في الإقتصاد لكنه في نفس الوقت يفرض الصالح العام على الأنانية الفردية.

إن تواصل استعباد العمال، صانعي الثروة الحقيقيين ، وتفقيرهم سيقود على المدى البعيد إلى انهيار الصناعة والمجتمعات الحرة.إلى انهيار المثال الغربي: المجتمعات المصنعة باقتصادياتها المخضرمة: اشتراكية ورأسمالية في نفس الوقت .هذا الإقتصاد المزدهر الذي نشأ في مطلع القرن التاسع عشر ونعيش الآن قمته. فمن سيشتري السيارات الفخمة والمريحة كما في عصرنا والمنازل العصرية و آلات الراحة من مبرد و ثلاجة وغسالة وحواسيب وتقنيات متطورة ؟ ومن سيسافر مرات سنويا للإستجمام والسياحة ويأكل في المطاعم الفاخرة ؟ ومن سيلبس الحرير والفساتين البراقة والألماس ألخ....؟ إن لم يكن سواد الشعب من سينعم بكل هذا كما هو معاش في الدول الغربية بنسبة مرضية فسينهار الإقتصاد الحديث المصنع والتكنلوجيا الحديثة. سنعود إلى القرون الوسطى مع 10 % من الإقطاعيين لا يستطيعون مهما تماهو في الإستهلاك والتبذير من تشغيل المصانع والمعامل التي صممت لتسدد حاجيات 90 % من أفراد الأمة.

من يعول على وعي الفرد فخاسر لا محالة. من يستسلم للإيديولوجيا الشيوعية فإنه سيخلق رب عمل وحيد هو الدولة لكنه جشع ووحش ومصاص دماء مثله مثل كل رأسمالي كلاسيكي، سيتحصل العمال على الفتات و تعيش حفنة بيروقراطية في ثراء فاحش كما حصل في روسيا وكل الأنظمة الشيوعية.

من يشجع الأنظمة الغربية على مواصلة سياساتها النيوليبرالية فسيقع في مستنقع الفقر إن آجلا أم عاجلا. ذلك أن الدول الغربية تنقل مصانعها في سباق محموم إلى بلدان العالم الثالث لتدفع أجورا مقرفة وتحطم المحيط و صحة العمال. فتعم الخصاصة قريبا كامل أرجاء الصقيعة.

نجاة العمال و أرباب العمل أيضا في أنظمة تمنع المستثمرين المحليين من نقل وحدات الإنتاج و الهروب خارج الوطن لاستعباد الآخرين،من ينتج خارج البلاد تثقل الدولة كاهله بالضرائب حتى يركع ويرجع إلى حضنها وإلا دمرته . لا بد من أنظمة تفرض مشاركة العمال في صنع القرار و تفرض مشاركة الأجراء صانعي الثروة في الأرباح. لا بد من أنظمة توفر بنوك حكومية تختص في تمويل كل المشاريع الواعدة، ذلك أن الأموال ليست منتوج المطابع بل من إنتاج العمال أي الشعب. من له الطموح والرغبة في الإنتاج والإبتكار فعلى المجموعة أن تساعده. له الحق في الثراء لكن عليه أن يعي أن نجاح مشروعه لا يتوقف على حماسته واجتهاده فقط بل على تفاني العمال، كل العمال، فهم شركاؤه وليسوا عبيده، عليه بالإقرار بفضل المجموعة لأنها هي من ستوفر البنية التحتية اللازمة من تقنيين وخبراء وطرقات و موانئ ومستشفيات وكهرباء ورأس المال...عليه إذا أن يدفع ضرائب مرتفعة لأجل المجموعة ويشغل أبناء بلده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟