الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدالة والقانون والصلة بينهما

فوزي نصر

2006 / 8 / 24
دراسات وابحاث قانونية


:مفهوم العدالة:
وقفت على شاطئ البحر أنتظر صديق لي كان قد ذهب بزورقه في عرض البحر 0 خلال ذلك كنت أنظر إلى أمواجه التي تتكسر على الشاطئ ، أسمع صوت الماء وهو يتدحرج على الصخور المتكومة على ساحله وهي تنثر زبدا متطايرا على هذه الصخور 0
وكنت أرنو إلى البواخر والسفن وهي تسبح في مقلة البحر غير عابئة بأمواجه ، ولا برياحه أو بالحيوانات أو الكائنات التي تعيش فيه 0
وعندما تطلعت إلى البعيد رأيت صديقي يقود زورقه ، يشبح به فوق الموج تعلو به تارة وتخفضه أخرى ، لقد كان يتسلق سفوح الأمواج ليبقى معتليا صهوتها ، ممسكا بزمام زورقه بكل قوة ، وبعد دقائق وصل صديقي إلى الشاطئ ، ربط زورقه وصعد وجلس على الرمل ثم قال : جميلة حياة البحر والرحلة ممتعة في قلب الماء ، لأن فيها لذة وتسلية تعال معي حتى نقوم بجولة فوق سطح الماء ، لترى هذا العالم الواسع ، وتستمع بصهيل الموج ، وطقطقة الماء وترى أسماك البحر وهي تلاعب الماء راق لي ما قال ووافقته وركبت الزورق رغم الوجل الذي كان يتحرك بين مفاصلي وعندما دخلنا مسافة في عرض البحر شاهدت سمكة كبيرة تقفز حينا ، وتعلو سطح الماء أحيانا ، تحمل لوحة جميلة براقة كتب عليها العدالة ، إنها لوحة سحرية مدهشة ، تعطي بريقا جذابا تنطلق منها إشعاعات تبعث الأمل في النفس ، فقلت لصديقي : هل ترى ما تحمل هذه السمكة ؟؟ !! 00 فقال نعم أراها 00 إنها تحمل لوحة جميلة مبهرة براقة (كتب عليها العدالة ) 0
أليس مفهوم العدالة الذي تقصده بمعناه الواسع يقتضي إرساء العدل بين الناس ، وتحقيق سيادة القانون حيث يأخذ كل مواطن إستحقاقاته بدون إجحاف ، وتطبيق المعاملة الواحدة المتوازنة لجميع الناس بدون تفضيل وبدون تمييز لواحد عن آخر 0
وهل سيادة القانون مطلب من مطالب البحر وأسماكه وحيتانه ؟؟ أسئلة مثيرة تتراءى ؛ وقد
أخذت السمكة تقترب من الزورق ببطء وتثاقل ، وهي ترفع اللوحة الجميلة البراقة فتمنيت في أعماقي أن تقترب أكثر علني أستطيع الحصول على هذه اللوحة ، أو علّ السمكة تقدمها لي هدية جزاء ركوبي البحر، هدية من عالم البحار وفعلا إقتربت السمكة حتى لاصقت الزورق تقريبا وبقوة وعنف مددت يدي وإختطفت اللوحة وصرخت بفرح أمام زميلي ها قد قبضت على العدالة 0 غابت السمكة في أعماق الماء حتى لم نعد نرها فظننت أنني فزت بشيء ثمين جدا فقلت : ما أجمل العدالة وما أروعها 0 ما أجملها في الصورة ، وما أروعها في الواقع ، إن يداي تتلمس العدالة فعلا ، وبدأت أقلب اللوحة لأرى كل جوانبها فهي فتانة جميلة 00مدهشة بكل جوانبها كيفما تحركت تضيء وتشع وتلمع ، أرى فيها العدل والمساواة والحق ، وأرى فيها جميع الناس سواسية أمام القانون ففرحت للحصول عليها 00 فرحت لأن العدالة أصبحت بين يدي وسوف أنشرها في كل جنبات بلدي 0 سوف أقدمها لجميع المسؤولين ولأصحاب السلطان وأعوانه الذين يوهموننا بأنهم يبحثون عن العدالة منذ زمن ولم يجدوها ويقنعوننا بأنها فقدت ولا يمكن البحث عنها لأنها غرقت في البحر 0
ووجهت الحديث لصديقي قائلا تصور هذه اللوحة المدهشة ، تصور إسم العدالة الذي ناضل من أجلها الإنسان في مختلف بقاع الأرض ، إنها مرسلة من ملك البحر حتى تضيء جنبات مملكة الأرض فقال صديقي فعلا قد يكون ذلك ، وأعتبرت نفسي محظوظا لأني تمكنت من الحصول عليها ، وبينما نحن نتجاذب الحديث وكل منا يقترح كيف سنوصل هذه اللوحة إلى صاحب الجلالة ( ملك الأرض ) إلى السلطان الأعظم 00 إلى سيد البلاد الذي يتظاهر بالحزن والألم لغياب العدالة ، حيث قد إختفت من مملكته وبعث يبحث عنها في كل مكان فلم يجدها بسبب غرقها في البحر 0 وفي هذه الأثناء وضباب التفكير يخيم علي قفزت السمكة وبسرعة مذهلة جدا ، وخطفت اللوحة من يدي وكدت ألحق بها وأرمي نفسي بعرض البحر ، لولا أن صديقي أمسكني وشدني نحوه ، تابعت النظر للسمكة فرأيتها تغوص في أعماق البحر حتى لم أعد أرها ، وانتابني شعور بالحزن ، ثم تابعنا سيرنا في الزورق بإتجاه العودة وما هي إلا دقائق حتى ظهرت السمكة من جديد فصرخت بها بصوت عال أين العدالة أعيديها لنا ؟؟ فيها حقوق الناس وفيها المساواة إننا بحاجة إليها ، فقالت : لقد عدت بها إلى قاع البحر ووضعتها هناك ورفضت الظهور إلى هذا العالم 0 وفضلت البقاء في الأعماق لما اصابها من ظلم واضطهاد وقهر 0
فقلت لماذا لم تتركيها لنا حتى نستمتع بوجودها ؟؟ وتذهب معنا الى مملكة الأرض قالت : لا وجود للعدالة في عالم يضمر المواطن الشر إلى من حوله ، إن عالم البحار مثل عالمكم تماما قد إختفت العدالة منه ، ودفنها في قاع البحر لأن الكبير يأكل الصغير ، والسمك الكبير يعيش ويتغذى على الصغير 0 وكذلك في عالمكم الكبار يأكلون الصغار والأقوياء يدوسون الضعفاء
ارجعوا الى تطبيق سيادة القانون تعود اليكم العدالة 00 ولا تستند مبادئ العدالة على مبدأ القوة
فحسب لكن الضعيف في هذا العالم يخسر وجود العدل ، ويفقد وجوده
التاريخ لا يمشي كما تريد النظريات 0 بل يسير وفق منهج محدد وقد يفرض الأقوياء أحداثه أحيانا ، وكثيرا ما يقال : إن الأقوياء يصنعون أو يسطرون التاريخ
ثم قالت : إني قد لا أشاهدكم مرة أخرى لكنني أقول لكم : لا حياة في هذا العالم إلا للأقوياء ، فهم الذين يفرضون تطبيق العدالة على طريقتهم 0
أراكم تتجهون للساحل العربي قلنا نعم : قالت : نحن تركنا الساحل العربي رغم كثرة ما فيه من خيرات ومن طعام ووفرة غذاء وغادرنا سواحلكم لأنكم لا تستطيعون حمايتنا ولا حماية أرضكم وسواحلكم ، ولا خيرات بلادكم فالضعيف لا يلوذ بالضعيف ، والعدالة تهرب من بين أيدي الضعفاء وتحتمي بالأقوياء 0وسوف أهمس في أذنيك أن سبب تأخركم هو شخصنة حكامكم وقهرهم للعدالة والديموقراطية وتمسكهم بأهداب السلطة 0
لقد خسر الحكام العرب كل المعارك التي خاضوها ، عدا معركة قهر وظلم شعوبهم فقد نجحوا فيها
إن ما يلزمكم العمل الدائب ، والنضال المستمر والكلمة الموحدة ، ووحدة الصف لتعيدوا ما فقدتموه 0 قالت ذلك واختفت وبقي صوتها في آذاننا 0
وقلت متى يمكن تطبيق العدالة ومن المسؤول عن تطبيقها :
إن تطبيق العدالة يكون بسن التشريعات القانونية السليمة ، وتطبيق القانون تطبيقا صحيحا على كافة الناس بدون إستثناء ، بحيث يطبق على القوي والضعيف ، وعلى الفقير والغني لا يفلت منه أي إنسان ينطبق عليه 0
فالمسؤول عن العدالة وعن حسن تطبيقها الدولة ، ولقد أكد المشرع في سورية في الأسباب الموجبة لقانون أصول المحاكمات رقم 84 لعام /1953 حيث جاء فيها : " من وظائف الدولة الأساسية إقامة العدل بين المتقاضين بصورة تمكن معها كل ذي حق من الوصول إلى حقه ، فلا يجعل نفسه حكما بينه وبين خصومه ولا يسعى إلى أخذ ما يدعي به لنفسه ، وتقاضي حقه بيده حتى لا تكون الغلبة للقوة 0
وإذا قصرت الدولة بوظيفتها هذه اختل نظامها وفسد مجتمعها "
وقد قال فريدريك الثاني : " إذا وجد الظلم سبيلا لعرقلة أعمال البشر فمن واجب العدل أن يجد سبيلا أوسع لتيسيرها " ويقول الأستاذ رمسيس بهنا في كتابه علم النفس القضائي :
(( وازدهار أجهزة العدالة شرط أساسي لإستتباب الأمن لأنه إذا توانت هذه الأجهزة عن النهوض برسالة العدالة ، أقام الناس العدالة بأنفسهم على ما فيهم من العلل والنزوات والأهواء وصارت أمورهم فوضى وإنتهى بهم المآل إلى إطاحة الأقوى منهم بالأضعف
وأفنى الأقوياء بعضهم بعضا )) 0 ـ المحامون العدد 3و4 /1997 ص 206 ـ
لماذا لا تكون العدالة ساطعة كالشمس ، ناصعة كالثلج تبهر الناظرين إليها وتدخل أشعتها قلوبهم بحيث لا يبقى لهم إلا منفذ الحق والعدل 0لأن الظلم وفقدان العدل يهدم الممالك ويدمر المجتمعات 0 وإن فساد المجتمع يعني تخلخل نظام الدولة ، حيث يصبح شعبها أوراقا ذابلة تتساقط في مهب الريح 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبال من القمامة بالقرب من خيام النازحين جنوب غزة


.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان ضد الحرب الإسرائيلية على ق




.. كيف يمكن وصف الوضع الإنساني في غزة؟


.. الصحة العالمية: المجاعة تطارد الملايين في السودان وسط قتال ع




.. الموظفون الحكوميون يتظاهرون في بيرو ضد رئيس البلاد