الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيتر شافير في العراق

سامي عبد الحميد

2021 / 11 / 3
الادب والفن


ذكرتني مقالة نشرت في جريدة (المدى) الغراء عن رحيل كاتب المسرحية والسيناريو السينمائي الإنكليزي (بيتر شافير) عن عمر ناهز التسعين ، وكانت الملكة اليزابيث قد كرمته بلقب "سير" أي السيد او "الفارس" وذلك عام 2001 لكونه من الشخصيات المرموقة في بلدها. هكذا تفتخر ملكة بريطانيا بمؤلف مسرحي حاز الفيلم الذي كتب له السيناريو (اماديوس) سبع جوائز اوسكار، أقول ذكرتني تلك المقالة بمسرحية شافير (اصطياد الشمس) التي اخرجتها للفرقة القومية للتمثيل عام 1992. وكان ذلك عملٌ مسرحي ضخم يفوق في ضخامته الكثير من الاعمال المسرحية التي شهدها المسرح العراقي منذ الخمسينات من القرن الماضي وحتى اليوم. ولا ادري ما الذي دفعني الى اخراج هكذا عمل لمؤلف مسرحي إنكليزي لم يكن معروفاً في الوسط المسرحي العراقي، وربما كان موضوع الاحتلال الاستعماري وقهر الشعوب المستعمَرة (بفتح الميم) والتنديد به هو الدافع الرئيسي الذي حثني للتصدي لمثل ذلك العمل الضخم.
نعم كانت مسرحية (اصطياد الشمس) عملاً ضخماً في جميع عناصر العرض ابتداءً من المنظر الذي صممه الفنان (نجم عبد حيدر) والمكون من كتلة كبيرة جداً تمثل مرتفعاً جبلياً في احدى البلدان اللاتينية . ولضخامة ذلك المنظر اضطر المصمم ان يضعه في فضاء احد ستوديوهات السينما في دائرة السينما والمسرح وليس على خشبة مسرح كخشبة المسرح الوطني مثلاً.
وكان العمل ذاك ضخماً في عدد شخوصه الذي تجاوز الخمسين سواء كانوا من الرئيسيين ام من الكومبارس فهناك قادة وضباط وجنود محتلون وهناك رؤساء قبائل وابناؤها من المتعرضين للاحتلال. وهو ايضاً ضخم في احداثه التي تستعرض الحملة التي قام بها الجيش الاسباني بقيادة (بتيسارو) لاحتلال (بيرو) في اميركا الجنوبية وتصدى قبائل (الانكا) الهندية لذلك الاحتلال ورئيس تلك القبائل. وكان لا بد من الاقتراب من الدقة التاريخية في تصميم أزياء الشخصيات جميعاً وهذا ما حققته المصممة (امتثال الطائي) وكذا الحال بالنسبة للاكسسوار.
يكشف عرض المسرحية وهي من نوع (الكوميديا السوداء) حيث هناك الكثير من المفارقات التي تحدث جراء العلاقة بين القائد الاسباني (بيتسارو) و(ابن الشمس) رئيس قبيلة الانكا، مما يثير الضحك الذي اشبه ما يكون بالبكاء، وكان العرض يعالج الاحداث التاريخية اكثر من معالجة احداث واقعية معاصرة ، بيد ان هناك اسقاطا واضحا فيها على احداث معاصرة، ويكشف عرض المسرحية عن الشكل الملحمي البريختي الذي لجأ اليه المؤلف (شافير) ففيه ملامح العرض السردي لمشاهد قصيرة ذات ذروات متعددة. وكانت ملامح الميثولوجيا مما يستدعي توفير مستلزمات تقديم المشاهد الضخمة التي تكشف عن صورة ايهامية معتمدة على مخيلة المؤلف وما فيها من شعائر وطقوس تخص قبيلة (الانكا) الهندية.
ومن ناحية المضمون فقد كشف العرض عن استغلال المستعمر للتبشير الديني وسيلة لاستعباد الشعوب التي يعتقد انها متخلفة، لقد كانت قصة المسرحية تروي احداثاً عن ما تفعله الحروب للجنس البشري من دمار وموت وما يرافقهما من كذب وخداع وظلم وتعدٍ.
اذن لم يكن اختياري لنص مسرحية (اصطياد الشمس) واخراجه في ستوديو السينما عملا اعتباطياً او صادراً من منطلق اظهار القدرة الاخراجية والتباهي بها بل لاعتقادي ان تلك المسرحية لبيتر شافير الراحل قبل أيام ليست الا انعكاساً لما تعرض له العراق من دمار وموت جراء الحروب الخاسرة التي اججتها نزوات وعنجهيات حاكم مستبد. وفي تقديم المسرحية موقف معارض مبطن كموقف مؤلفين ومخرجين مسرحيين عراقيين قدموا مسرحيات تحمل ذات المضامين المناهضة للحرب وويلاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي