الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت في وطن آخر

صلاح زنكنه

2021 / 11 / 1
الادب والفن


"وطن آخر" المجموعة القصصية الرابعة الصادرة عن دار سينا للنشر ـ القاهرة للقاصة العراقية بثينة الناصري بعد "حدوة حصان" و"موت إله البحر" و"فتى السردين المعلب" وقصص هذه المجموعة هي امتداد طبيعي وتكريس لصوتها الخاص ولنهجها القصصي عبر مجاميعها الثلاث, إلا إن موضوعة الموت تهيمن هيمنة تامة على أغلب نصوص المجموعة ابتداءً من القصة الأولى "ميلاد" التي تتناول بأسلوب فنظاري موت رجل يشهد موته ويحسه ويجاهد كي يتخلص منه دون جدوى, وتنتهي بعودته الى رحم أمه.
وفي قصة "حكاية سماح" تتناول فاجعة موت الطفلة سماح ذات الأربع سنوات والمفارقة الساخرة المرة وهي تستحم للمرة الأخيرة, كون الماء لم يلمس جسدها منذ زمن طويل، وفي قصة "الحظ تجلبه السلاحف" نجد الموت يتربص بأسرة كاملة, حين تلهو بسلحفاةً صغيرة في السيارة ظناً منها أنها تجلب الحظا لكنها لا تجلب سوى الموت.
وفي قصة "انتظار" نعايش رجلاً كهلاً مجاوراً امرأة اثيرة لديه عبر منلوج يطفح بالحب واللـوعـة والشفافية، لنكتشف بعد حين إنها ترقد ميتة في قبرها وهو جالس جنب القبر، وفي قصة "زينب تتذكر" تروي (زينب) المصرية للكاتبة العراقية, مشاهد القصف والموت واستشهاد زوجها العراقي.
وفي قصة «مسالة أمتار" لا يجد أهل عبد العظيم أفندي بضعة أمتار لدفن جثمان فقيدهم فيحشرونه داخل مترين بين باب الروض والطريق العام لتؤنسه اصوات مروق السيارات السريعة على أرض الشارع, وفي قصة غرفة "في فندق رخيص" ثمة رجل يواجه الموت وحيداً في حالة من الثمالة والغيبوبة فيخط بعد جهد جهيد, كلمة متفككة .. انـقـذونـي، ولا أحد ينقذه، لأن الورقة تقع بيد حارس أُمي.
في قصة "الجندي والصغير" ثمة موت أيضاً, لكن هذه المرة يموت الكلب بدلاً من الصبي بإطلاقة طائشة من بندقية الجندي العائد من الحرب, حيث يقول للصغير (الموت لا يخيف، أنه تحول من حالة الى حالة, لقد رأيت الكثير من أصحابي يموتون حولي في الحرب)

يتبين لنا من خلال هذه الثيمات أن الموت يمثل هاجساً متفـردا لدى الكاتبة وفي هذه المجموعة بالذات, علما أن مشكلة الموت تقف على عتبة الفلسفة كما يقول "شوبنهاور" الفيلسوف, ولأن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يعلم أنهُ سيموت كما يؤكد الروائي الفرنسي (اندريه مارلو ) وقد عالجت الكاتبة هذه المـوضوعـة الحساسة معالجات متباينة، بين نجاح واخفاق ، بين العمق والسطحية.
ومثالنا قصة "انتظار" حيث استطاعت أن تنقل لنا ببراعة حالة انسانية في غاية الرقة والروعة والشفافية في حين جاءت قصة "زينب تتذكر" مجرد مذكرات عادية طغت عليها صبغة التقريرية والمباشرة.
وتحتل الحيوانات وعلاقتها بالإنسان مرتبة ثانية لدى الكاتبة بثينة الناصري, وهي موضوعة أثيرة لديها, وتعد قصة "أحلام عنتر" من القصص الجميلة, حكاية الحصان عنتر ومعاناته ومأساته, حين يعزل عن أُمه في السيرك ليباع الى عباس ليقيده إلى عربة خشبية كبيرة تحمل أحمالاً ثقيلة حتى يدب فيه الوهن, ليصادف بعد سنين أمه "الفرس" في السوق فيحن لها فيعدو كالمجنون بالعربة المحملة بالخضار, ضارباً كل شيء يعترض طريقه ليلتصق بأمه ويستكين بدفئها، وفي قصة "دجاجة عمر" تؤكد القاصة العلاقة الحميمة بين عمر ودجاجته، وفي قصة "الحظ تجلبه السلاحف " تكون السلحفاة سبباً في موت أسرة، بينما نجد الكلب في قصة "الجندي والصغير" يكون بديلاً عن موت الطفل, بل نجد بطل قصة "جوع " في نهاية المطاف يتحول الى كلب.

تدور أحداث معظم القصص في مصر، باستثناء ثلاث تدور في العراق، وخمس أخريات أماكنها عامة شمولية، لأنها تتناول هموما إنسانية قارة.
علماً أن المجموعة تحوي (17) قصة مكتوبة بضمير الغائب باستثناء ثلاث, ويبدو أن خبرة الكاتبة ومرانها جعلاها تختار مداخل قوية تشد القارئ من الوهلة الأولى وحتى النهاية، وقد جاءت نهايات القصص مفتوحة, وفي هذا الصدد يؤكد القاص محمد خضير أن المقدمة القوية تقود الى نهاية حاسمة, تبقى قصة "موطن آخر" التي لم تحل هي الأخرى من موت مجازي، قصة ضعيفة نسبياً وتعالج موضوعاً مطروقاً ومستهلكاً إلا وهو موضوع الهجرة والغربة واصطدام العربي بالواقع الغربي.
(وطن آخر) مجموعة متميزة بسلاسة لغتها, ومتانة أسلوبها, وحميمة الحالات الإنسانية التي تناولتها القاصة المبدعة بثينة الناصري .
...
جريدة الثورة 19 / 10 / 1997








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس