الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الرابعة والعشرون

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2021 / 11 / 1
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تعلم الفرق بين التقارير والقصص


استخدم إحدهما لإعطاء المعلومة ولأخرى لتقديم التجربة


بعض الصحافين يستخدمون مصطلح " القصة " برومانسية مبتذلة .


يعدون أنفسهم ناقلين للاخبار فى عالمنا المعاصر ، رواة الحكايات ، نساجو الصوف . ثم وغالبا ، يكتبون تقارير مملة جدا .


ليس من الضرورى أن تكون التقارير مملة ، ولا أن تكون القصص مشوقة .ولكن الفرق بين التقرير والقصة أمرا مهم لتوقعات القارىء وأداء الكاتب .


تظهر فى كثير من التقارير شذرات من القصة – سمها أمثولات أو " القصة " له معنى وللقصص متطلبات محددة ، تخلق التأثيرات المتوقعة .


ما الفروقات بين القصة والتقرير ، وكيف يمكن للكاتب استخدامها للمنفعة الاستراتيجية ؟


يجادل العلامة الرائع لويس روزنبلات بلأن ، يقول ان الناس بصورة عامة تقرأ لسببين : المعلومات والخبرة .


وهذا هو الفرق . وظيفة التقرير نقل الأخبار ، اما القصة فتصنع الخبر . التقرير ينقل المعرفة ، أما القصة فتنقل القارىء عبر الزمان والمكان والخيال .


التقرير يوجهنا إلى هناك أما القصة فتضعنا هناك .


التقرير على هذا النحو : سوف يجتمع مجلس المدرسة يوم الخميس لمناقشة الخطة الجديدة لمعالجة التمييز العنصرى .


أما القصة فتبدو على هذا النحو : لوحت واندا ميتشل بقبضتها فى وجه رئيس مجلس المدرسة والدموع تنهمر بشدة من ماٌقيها .


كما تختلف الأدوات المستخدمة لتأليف التقارير والقصص أيضا .


لقد ساعدت الأسئلة الخمسة المعروفة فى الصحافة ( من ، ماذا ، أين ، لماذا ، ومتى ) بالاضافة الى (كيف ) .


تبدو هذه الأسئلة كأكثر عناصر المعلومات شيوعا . وسؤالى " لماذا " و" كيف " هى اصعبها .


وباستخدامها فى كتابة التقارير ، تصبح هذه المعلومات جامدة زمنيا ، تثبت بحيث يتمكن القارىء من مسحا واستيعابها .


انظر ماذا يحدث عندما نفك القيد الزمنى عن تلك الأسئلة ونحولها الى سرد . فى عملية التحويل هذه :


تتحول " مٌن " إلى شخصيات .


تتحول " ماذا " الى فعل ( ما الذى حدث ).


تتحول " أين " الى موقع .


تتحول " متى " الى تسلسل زمنى .


تتحول " لماذا " الى سبب أو دافع .


تتحول " كيف " الى عملية ( كيف حدث ) .


يجب على الكاتب ان يحدد ما إذا كان المشروع يتطلب ان يصاغ على شكل تقرير أو قصة أو خليط منهما .


الكاتب والمعلم جون فرانكلين يحاجج ، بأن القصص تتطلب صعودا وهبوطا فى الأحداث وتعقيدا فى الحبكات ونقاط استبصار فكريا وحلولا .


وبينما يخترع الروائيون هذه العناصر فى قصة ما ، يجب على الكتاب اللاقصصين نقلها بشكل تقريرى .


فى عقد الستينيات من القرن المنصرم عرض توم وولف كيفية الملائمة بين التقارير الواقعية وتقنيات الكتابة الخيالية ، على سبيل المثال ترتيب المشهد ، والعثور على تفاصيل الشخصيات والتقاط الحوارات وتغيير وجهات النظر .


يتطلب السرد قصة وراوية . فى المشهد التالى من رواية " أن تقرأ " لوليتا فى طهران " تروى اٌذر نفيسى لحظة مفاجئة من أحد دروسها السرية فى الأدب :


عندما طرحت السؤال عمن يحسن الرقص على الطريقة الفارسية على الصف / توجهت أنظار الجميع نحو سناز . وهى فتاة خجولة ، ترفض أن تظهر مواهبها فى الرقص على الملأ، فتحلقنا حولها لحثها وتحفيزها لكى تقوم وترقص .


وحين بدأت فى التحرك من مقعدها بتردد كبير صفقنا وشرعنا بالغناء ، نبهتنا نسرين الى أن نكف عن ذلك ، لأن سناز كانت تقوم من مقعدها ببطء شديد ، لاوية خصرها باشتهاء مقدس .


وفى غمرة ضحكنا ومرحنا كانت هى تزداد شجاعة وجرأة .


بدأت فى تحريك رأسها يمنة ويسرة ، تناغمت جميع اعضاء جسدها فى تواصل أثيرى .تلوى جسمها وهى تأخذ خطوات صغيرة لترقص بأصابعها ويديها .


وجهها أضاء بنظرة مميزة توحى بالتحدى والجرأة وتجلب الاهتمام من حولها .


ولكن فى اللحظة التى توقفت فيها عن الرقص ، اختفت تلك الهالة المغناطيسية ورجعت الى وضعها السابق .


يحرك المقطع السابق مشاعرى فى كل مرة أقرأه . ربما لا أكون أعرف الكثير عن جنس المؤلفة أو معتقدها أو ثقافتها أو بلدها أو نظامها السياسى ، بيد اننى أجد نفسى قد نقلت فى الثوانى التى تستغرقها قراءة تلك الكلمات .


إنها تضعنى فى تلك الغرفة ، حيث أقف ضمن حلقة الفتيات الإيرانيات ، منتشيا بسحر الراقصة .


الكاتب الجنوب افريقى هينك روسو يمزج بنجاح بين تقنية القصة والتقرير ، حيث ينقلنا بجملة واحدة إلى عالم وزمن مختلفين ، وتجربة مريرة :


" حين أفاقت أكالو جرال من نومها كان فى وسعها الشعور بنسيم الليل البارد يلفح وجهها ، لكنها لم تستطيع التحرك قيد أنملة .


كانت معظم أجزاء جسدها مغطاة بالرمال . لكن أين مسدسها ؟ كانت تعلم أن عقوبة إضاعة سلاحها النارى هى الضرب المبرح على يد قائدها فى جيش المقاومة .


وبينما هى تصارع للقيام من قبرها الضحل ، تذكرت بوضوح أحداث ذلك اليوم " .

لكى نفهم السبب وراء اهتمام المؤلف بحياة هذه المرأة الأفريقية ، يشرح لنا روسو كيف اجتازت الرحلة " من الجحيم إلى الجامعة " .


ولكى يساعدنا على استيعاب قساوة هذه الرحلة انتقل روسو من نمط القصة الى التقرير :


" عدد النساء اللواتى يلتحقن بالتعليم ما بعد المدرسى على أطراف الصحراء الأفريقية لا يتجاوز الربع من إجمالى الطلبة ، وفق تقديرات البنك الدولى لتلك المنطقة فى منتصف التسعينيات .


إذ يقضى نحو 60 فى المائة من النساء الأفريقيات حياتهن فى العمل فى الحقول والمزارع وتربية الأطفال ، ومعدل إنجاب الاطفال فى اوغندا هو سبعة أطفال للمرأة الواحدة ، حيث الزواج المبكر شائع هناك ، وعمر الفتيات اللواتى يجرى تزويجهن لا يتجاوز الرابعة عشرة أحيانا فى المناطق الريفية .


وبينما توفر الحكومة الأوغندية 900 منحة دراسية للراغبات فى تكملة تعليمهن الجامعى ، يصل مجموع المتقدمات لهذه المنح 10 اٌلاف أمرأة .


رأينا كيف أن الكاتب خاطب عقولنا وقلوبنا فى اٌن واحد عن طريق مزج أسلوب كتابة القصة والتقرير ، مما جعلنا نفهم منطقيا ونتعاطف شعوريا .


والى الأداة االخامسة والعشرون فى المقال القادم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -