الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقعية السحرية في فيلم ريش

عادل صوما

2021 / 11 / 2
الادب والفن


بدأ استعمال مصطلح الواقعية السحرية في عشرينات القرن العشرين، و أول من صاغه و استخدمه الناقد الفني الألماني والمؤرخ فرانز روه (1890 – 1965) سنة 1925 ، للإشارة إلى أسلوب تصويري يعرف باسم "الموضوعية الجديدة" عوضاً عن التعبيرية.
إلا أن الروائيين الأكثر تأثيراً الذين أثروا في شكلها الحالي هم غابريال غارسيا ماركيز وإيزابيل الليندي، وخورخي لويس بورخيس مؤلف "التاريخ العالمي للعار" سنة 1935، الذي استلهم فيه وشجع الكتاب الآخرين في أميركا اللاتينية على تطوير هذا النوع الجديد من الروايات، وظهرت رواية "رجال الذرة" للكاتب الغواتيمالي الحائز على جائزة نوبل للآداب ميغيل أنخيل أستورياس و"مملكة هذا العالم" للكاتب أليخو كاربنتييه كنتيجة لتشجييع بورخيس.
كما دخلت الواقعية السحرية مجال السينما أيضا، وهناك علاقة وثيقة بين غابرييل غارسيا ماركيز والسينما، فبعض رواياته مثل "حكاية موت مُعلن" و"الحب في زمن الكوليرا" تم تحويلها إلى السينما، وهو نفسه كتب سيناريوهات كثيرة وألّف كتابه "مهمة سرية في تشيلي" عن المخرج ميغيل ليتين.
روى ماركيز في كتاب "كيف تُحكى حكاية" أن هناك مناهج كثيرة لكتابة السيناريو، لكن كل حكاية تحمل معها تقنيتها، والمهم بالنسبة لكاتب السيناريو أن يكتشف تقنيتها الخاصة، ورأى ماركيز أن ورشة السيناريو "ندرس فيها ديناميكية الفريق مطبقة على الإنتاج الفني على أنها عملية ومضة ذهنية تطبق على قصة، على فكرة، على صورة، على أي شيء يتحول إلى فيلم. ومن خلال النقاش، جميع هذه العناصر تتجمع في ما بينها وتتكامل مثل لعبة "القطع التركيبية". في الورشة يشتغل الجميع على القصة، لكن يتم في النهاية اختيار واحد من أفرادها ليكتب السيناريو ويصبح صاحبه، لكن عندما ينتقل السيناريو إلى الشاشة يصبح المُخرج صاحبه. لست ادري كم من السيناريوهات كَتبتُ، بعضها جيد وبعضها سيئ، لكن ما كنت أراه على الشاشة من صور، لم تكن إطلاقاً الصور التي تصورتها. كل مخرج يصنع المشاهد على طريقته، لهذا يتوجب على كاتب السيناريو أن يتقبل هذا الأمر، إذا ما أراد أن يبقى كاتباً للسيناريو".
حكاية وسيناريو
كانت هذه الخلفية التاريخية ضرورية لمحاولة فهم فيلم "ريش" الذي ينتمي لفئة الواقعية السحرية السينمائية، وهو عكس فيلم السينما الروائية الذي يبقى خاضعاً للأدب ورؤية الروائي.
الواقعية السحرية أو الواقعية العجائبية سواء في الأدب أو السينما طريقة للتساؤل حول طبيعة الواقع حيث يعمد الفنان إلى تسليط رؤى خيالية بعيدة لمساءلة المجتمع وطبيعة البشر، ما يعطي الأعمال التي تتجسد فيها الواقعية السحرية طابعاً فريداً من الضبابية والغموض والسحر، ومن هنا تكون صعوبة فهم عمل مثل "ريش"، الذي تتأرجح أحداثه وشخصياته بين عالمين مختلفين؛ عالم واقعي يغوص في صميم مؤثرات تقاليد المجتمع والدين والسياسة التي تعيشها المجتمعات، وعالم آخر سحري يحفل بالقدرات العجائبية ويضع علامات استفهام كثيرة حول العالم الواقعي، لكن المثير في "ريش" هو الجمع بين شخصيات متمسكة بالحقائق والمنطق والتقاليد ولا تأبه بما يروّج حولها، وشخصيات مؤمنة بخوارق الحياة تتقبلها بدون أن تبدي حتى استغرابها من عجائبيتها، وكأنها أمور يجب أن تُؤخذ كما هي حتى لو لم تُفهم. حدث هذا الامر تماماً عندما تحوّل بطل الحكاية إلى دجاجة.
صناعة الفيلم
حكاية الفيلم موجدة في عقل كاتبيه أحمد عامر والمخرج عمر الزهيري، وما يراه الجمهور على الشاشة يفسره كلٌ حسب ما يراه، لكن حكاية الفيلم باختصار حكاية أسرة فقيرة جاء ساحر إلى عيد ميلاد ابنها الأكبر لتقديم بعض ألعاب الخفة، وفي إحدى فقراتها أدخل الأب في صندوق خشبي وأغلقه ثم فتحه ورأى الحاضرون الرجل قد تحول إلى دجاجة فصفقوا، لكن الساحر كان مندهشاً مما حدث ويبدو أن ما صار كان خارج نطاق إرادته، ثم فشل الساحر مرات لإعادة الأب مرة أخرى إلى آدميته، وظل في هيئة دجاجة بينما تلاشى الساحر من الحكاية. ومن عجائبيات الفيلم أن الدجاجة لم تختف من المشاهد حين عاد الأب منهوكا مليئاً بالجروح ذات نهار بدون أي تفسير لما حدث له.
مَن هو الأب؟ ومَن هي الدجاجة؟ ومَن هو الساحر؟ هناك عدة اجابات للأسئلة حسب ما يفكر كل مشاهد. قد يكون هناك خط سياسي وقد يكون هناك خط ديني وقد يكون هناك تابوهات المجتمع، وأي منها قد يحل ألغاز تحوّل رجل إلى دجاجة.
كوميديا سوداء عبثية مفتوحة على كل الاحتمالات، بدأت بطريقة الدراما المفرطة في واقعيتها بسرد سينمائي لتفاصيل بيئة فقيرة وربة منزل منطوية منكسرة لا تتحدث كثيراً، في منزل بجوار مصنع يعيل العائلات من حوله، لكنه ينشر فيهم المرض بالتلوث المفرط والعوادم غير المنضبطة الخارجة من مداخنه المتهالة، وظلت الشخصيات مجهولة الهوية عن عمد، لأن الأمر يمكن أن يحدث لأي انسان، ومع تطور الفيلم بعد تحوّل رب العائلة إلى دجاجة، تحاول الزوجة العمل عوضاً عن الوقوع في مصائد الطامعين في جسدها، لكن حائط رفض السماح للنساء بالعمل في المصنع الذي يعطي الوظائف والمرض، أو الحياة والموت يحول دون عملها، لكن الامور ستتغير في ما بعد.
لكن ما عنصر ورمزية الريش في الفيلم وعنوانه؟ يقول المخرج الزهيري إن عنصر الريش غير التقليدي هو أداة سرد القصص التي يمكن أن تكشف عن حقائق أعمق. "هذه دراما بالنسبة لي، وإنها تخبر الكثير عن شعور الناس تجاه أنفسهم وحياتهم ووضعهم. أعتقد أن كونك مضحكاً أو سخيفاً في بعض الأحيان أمر قد يجذب انتباه الجمهور. لذلك أنا أحب العبث كشخص. نحن نعيش في عالم مجنون الآن، لذلك من الجيد أن تكون سخيفاً". ورغم كلمات المخرج فالريش قد يراه المتفرج من وجهة نظر أخرى، كما حدث في فيلم "فورست غامب" مثلا.
"ريش" ليس بطيئاً أو مملاً فالمشَاهِد متسلسلة بعناية ولا يوجد أي مشهد يُمكن الاستغناء عنه، وإلاّ ضاع المعنى الذي يحاول أي مُشاهد بناءه في عقله، والرسالة التي يريد صانعا الفيلم توصيلها للمشاهد.
الفيلم حدث في صعيد مصر، لكن هذا ما قاله النقاد حسب موقع التصوير، لكنه حدث في لامكان في حقيقة الأمر، ولا شيء ينتمي لمصر في الفيلم سوى اللغة المصرية العامية، لأنه يستحيل أن يكون أي فيلم بدون لغة لأننا تخطينا عصر السينما الصامتة، وكانت البيئة الفقيرة متعمد اختيارها لتوّصل رسالة الفيلم الانسانية.
لو كان الممثلون على سبيل المثال يتحدثون العامية اللبنانية لقلت شخصياً أن الفيلم صُوِّر في شِكا، وهي مدينة لبنانية فيها مصنع للأسمنت ينفث أيضا دخانه في الجوار، وينشر الدخان لدرجة أنه يؤذي أشجار الأرز الخالدة، لكن "ريش" كما ذكرتُ إنساني الهوية لا ينتمي إلى مدينة أو دولة بعينها.
الطاقم والجوائز
اختار المخرج عمر الزهيري أبطالا لم يشاركوا بالتمثيل من قبل، معتمدا على طبيعيتهم في التعامل مع المواقف التي وضعوا فيها، وقد أحسن المخرج في اختياره سامي بسيوني ومحمد عبد الهادي وفادي مينا فوزي ودميانا نصار وأبو سيفين نبيل ويصا، لأن هؤلاء لم يؤدوا باحترافية الممثل ولا بخبرته، بل حسب ما قال لهم المخرج تماماً، وكانت بعض المشاهد فعلا ترقى إلى لوحات فنية سينمائية خصوصاً المشاهد المنفردة لدميانا نصار.
شارك الكاتب أحمد عامر المخرج عمر الزهيري كتابة القصة والسيناريو والحوار، فخرج الفيلم للمشاهد بهذه الطريقة الفريدة وهي كتابة هذه الواقعية السحرية بالتصوير السينمائي والحوار وليس بالكلمة والفصل، وربما كانت لحظات العتمة في الفيلم هي الانتقال من فصل إلى فصل مرئي بالعتمة، وليس بقلب الصفحة كما في فصول الكتاب.
نَفَذَ هذه الرؤية تصويراً كمال سامي وقام بتركيب الفيلم هشام صقر، وأنتج الفيلم ڤيرونا ميير وجوليت ليبوتر، ولم تذهب المليون جنيه مصرياً سدى لأن الفيلم حصد الجائزة الكبرى في اسبوع مهرجان النقاد في مهرجان "كان"، وجائزة مجلة "ڤرايتس"الاميركية لأحسن موهبة في الشرق الأوسط، وجائزة أفضل فيلم لمهرجان "بن غاو" في الصين، وجائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان "الجونة" المصري بواسطة محكمّين عالميين.
ما قيل حول الفيلم من بعض الفنانين أو النُقاد سواء كان دينياً أو سياسياً أو وطنياً لا يُعتد به في النظر إلى عمل مثل "ريش"، لأن هؤلاء لا دراية لهم بتفاصيل المقدمة المختصرة التي ذكرتها، ولا يفهمون من ثمة معنى الواقعية السحرية، وقد قالوا أراءهم إما لأنه قيل لهم أن يقولوا كذا وكذا، أو لإبداء رأيهم في ما لم يفهموه وهذه مشكلتهم، أو غيرة من العمل نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان