الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطريق الى بغداد .. طريق الى الإبداع

صلاح زنكنه

2021 / 11 / 2
الادب والفن


تعد الكاتبة العراقية المقيمة في القاهرة (بثينة الناصري) واحدة من الكاتبات العربيات الجادات والجريئات في مجال القصة القصيرة بالتحديد، استطاعت ان تقتطع لنفسها رقعة من مساحة الابداع، متخذة من فن القصة وسيلة لا لقول شيء ما، بل لقول كل شيء, واضافة الى الجدية والجرأة, تمتاز القاصة بالصدق والوعي في تناول موضوعاتها القصصية وبالأخص في مجموعتها الجديدة (الطريق الى بغداد)، الصادرة في أواخر عام 1998 في القاهرة وبغداد.
تحوي المجموعة بين دفتيها (19) قصة قصيرة, كتبت بين سنوات 90 - 93 - 94 ركزت القاصة من خلالها على بضع حالات ومواقف إنسانية متفردة, غلبت بشموليتها على الجانب القومي والمحلي عبر شخصيات نسائية متقاربة في الرؤى والسلوك, وهن غالبا من نمط النساء المثقفات, وقد مثلت موضوعة الحب القاسم المشترك لمعظم القصص.

والمرأة في هذه المجموعة المتميزة، ناضجة، جميلة, تجاوزت سن الاربعين، خبرت الحياة، تبدو دافئة العواطف وصاحبة موقف, وهي بشكل عام، امرأة صبور، مثابرة جلدة محبة، ومتفانية.
وشخصية بثينة الناصري الكاتبة والإنسانة، حاضرة بشكل أو بآخر في الكثير من القصص، وهي لا تتوانى عن استخدام اسمها المجرد (بثينة) في أكثر من قصة, بل ورسم ملامحها في قصص أخرى مثل (الطريق الى بغداد, والحفل الغنائي، والليلة الأخيرة، والليلة الاولى، وانتظار السيدة) .
أما الرجل في هذه المجموعة, فدوره ثانوي أو مكمل لدور المرأة, كونها مركز الفعل القصصي، وهو مغيب عن هذا الفعل, وحضوره بتم عادة عبر خطاب المرأة استرجاعا واستذكاراً, ففي قصة (الطريق الى بغداد) تستذكر المرأة حبيبها وهما يسيران تحت وابل المطر في الشارع أبي نواس، وفي قصة (الحاجة سميحة) لا نتعرف على الزوج الحاج محمد إلا من خلال الحاجة سميحة، وفي قصة (انتظار سيدة) لا أثر للحبيب رئيس التحرير إلا من خلال رسائله الى السيدة ، الخ.

والرجل هنا، مفارق دائما، هاجر حينا، ومهجور في غالب الأحيان, ففي القصة (الليلة الأخيرة) تترك المرأة حبيبها وترحل الى بلاد أخرى, وفي قصة (الليلة الأولى) المرأة مرتبطة روحياً بزوجها الأول برغم اقترانها بزوج جديد، تلهج باسمه (أحمد) محدثة بذلك شرخاً في وجدان زوجها (كامل).

والرجال كلهم كبار في السن، كهلة وشيوخ، غادروا عهد الشباب، فالحبيب (غزا الشيب رأسه) في (الطريق الى بغداد) والأستاذ عزمي رجل متقاعد ويمشي على عكاز في (الأستاذ عزمي) وكامل في الستين من العمر (الليلة الأولى) والحاج محمد لا يقل عنه سنا في (واقعة الحاجة سميحة) وحامد شيخ متهدم في (سفر) والجد عجوز جدا في (طائرة ورقية) والاستثناء الوحيد هو الصحفي الشاب الذي ينتحر في نهاية قصة (سبق صحفي).

وقد عالجت الكاتبة عبر موضوعة الحب, مفاصل وتفصيلات شتى تتشعب وتتناغم والموضوعة الرئيسية، مثل الغربة والحنين في قصتي (الطريق, وسفر) والوحدة والوحشة في (الأستاذ عزمي، وكنت هنا من قبل) والتضامن الأنثوي في (الحفل الغنائي) والسعادة والهناء في (بطة عند البحر) والفراق والهجران في (الليلة الأخيرة) والزواج والوئام (الليلة الأولى) والانتظار والخيبة في (انتظار سيدة, وعودة أسير) والغيرة والإنجاب والأمومة في قصص (واقعة الحاجة سميحة, وكل هذه الأرض, وموتور سيكل) والاضطهاد والاستلاب في قصتي (تقرير يومي، ومانيكان).

وإذا كانت بثينة تضعنا من الوهلة الأولى في قلب الحدث عبر مداخلها القصصية المرسومة بعناية ودقة, فأنها تختتم قصصها بنهايات مفتوحة على مدى الحكاية, وباستطاعة القارئ الذكي أن يسترسل على وفق ما يشاء خياله إلى مديات أوسع, وأرحب، مانحة إياه فرصة المشاركة في كتابه النص، نصه، وهي عادة تقفل قصصها بجملة حوارية قصيرة على صيغة ديالوج أو مونولوج (ها قد جئتك يا بغداد) الطريق ص 18(الى المنيرة يا عمي الحاج ؟) الأستاذ عزمي ص 27 (أن أرجع وأنظر في عيني نجوى) الحفل ص 37 (إنني لم أكن أحلم) كنت هنا ص 45 (نعم سأتذكر، لابد أن أتذكر) واقعة ص 73 (وأنا في هذه المرحلة من الحمل) كل هذه الأرض ص 79 (حين جاء هذا) موتور سيكل ص 81 (لقد افتقدناك يا رجل كيف الحال ؟) تقرير يومي ص 98 .

وباستثناء قصة (الطريق الى بغداد) التي حملت عنوان المجموعة وقصة (قهقهات) حيث طغت عليها المباشرة والانفعال، فأن القصص الأخرى تعبد الطريق للقاصة المتألقة بثينة الناصري الى بيت الإبداع دون أدنى شك.
...
جريدة الثورة 16 / 12 / 1998








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الرياضي فتحي سند : فرص الأهلي في الفوز بالبط


.. كل يوم - الناقد الرياضي فتحي سند : لو السوبر الأفريقي مصري خ




.. مهرجان كان السينمائي: آراء متباينة حول فيلم كوبولا الجديد وم


.. أون سيت - من نجوم شهر مايو الزعيم عادل إمام.. ومن أبرز أفلام




.. عمر عبدالحليم: نجاح «السرب» فاق توقعاتي ورأيت الجمهور يبكي ف