الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نماذجَ العَيْشِ والحُكم في عراق الرماد

عماد عبد اللطيف سالم

2021 / 11 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


كلّ وزارة، أو"دائرة" أو "مؤسّسة"، أو "هيئة"، أو جامعة ، أو كُليّة(حكوميةً أكانت أم أهليّة)هي عراقٌ مُصغّرٌ، بكلّ ما يحملهُ ذلك من معنى وتفاصيل.
وعندما يتدهور وضع العراق"العام"، يتدهورُ الوضع"الخاص" لهذه التشكيلات، بدرجةٍ أكبر بكثير من تدهور أوضاع العراق ذاته.. و في "أفضل" الأحوال يتماهى الوضعان معاً، ويصلان معاً إلى حدود المهزلة.
لا أطالبُ هنا لنفسي أو لأبناء جيلي بشيء، فـ"نحنُ" جزءٌ رئيس من هذا الخراب"الحاليّ"الذي قوّض كلّ مرافق هذا البلد، وفي جميع المجالات .. وحدث ذلك أمّا بصمتنا، أو بتواطئنا، أو بعجزنا وتكاسلنا عن فعل أيّ شيءٍ ذي قيمة، باستثناء الكثير من اللغو، و المزيد من الهراء الذي لامعنى له، ولا جدوى منه ، ولا نفع فيه.. أو أنّ عجزنا هذا(في أفضل تقييم لنا)كان بسبب ضعف قوّتنا، و قلّة حيلتنا، وهواننا على الناس.
أنا ، و "جيلي" (إلاّ ما رحمَ ربّي .. ومهما كانت الأسباب)، تنَكّرنا لدورنا(في مراحل مهمّة من تاريخ هذا البلد) في صناعة مستقبلٍ أفضل لنا، ولأبنائنا، و تركنا مصير الأجيال الشابّة رهينةً لدى سياسيّين فاسدين وطائفيّين وخونة، و رجال دينٍ باعوا قيم السماء لأرباب الثروة والسلطة، وزعماء قبليين تخلّوا عن "منظومة" الأخلاق العشائريّة التي يتباهون بها بين الأمم المتحضّرة، وباتوا يستثمرون مكانتهم، وصعودهم السريع في سلّم الحراك الإجتماعي "الزائف" كأداةٍ في الصراع من أجل المال، والنفوذ السياسي، و"الهيبة" الفارغة.
و هذه "القوى" الصاعدة في تاريخ العراق الراهن(والمُلتَبِس الآن)، ليست معنيّةً بالتنمية الإقتصادية - الإجتماعية الشاملة والمُستدامة، ولا ببناء دولة مؤسّات رصينة وقويّة، ولا بتعزيز قيم المواطنة والحَداثة، ولا بترسيخ نظام تعليم متطوّر، ولا حتّى ببناء مرافق خدميّة حديثة.
إنّ هذه "القوى" الغاشمة، والمُتعسِّفة في استخدام العُنف واحتكارهِ بشراسةٍ تفوق شراسة "النظام" السابق عليها، تلجأُ في سياق دفاعها المستميت عن "حقوقها" و "مكتسباتها" و "غنائمها"، إلى استمالة السُذّج والتغرير بهم واستغلالهم بكلّ نذالة، وإلى كسب رضا الأوغاد الصغار، وفتيان العصابات الجوّالة، و إلى تعزيز وترسيخ قوّة ودور و وظيفة "نظام" المافيّات التي تغلغلت عميقاً في كلّ شيء .. هذه المافيات التي تبدو في الظاهر مستقرّةً ومُتعايشةً ومُتصالحة مع نفسها ومع غيرها من المافيات، غير أنّها في حقيقة الأمر ما تزالُ أسيرةً لعُقَد النقص الغائرةِ عميقاً في الروح، و لمرارات الجوع القديم التي لا ترحم.
اتركونا ، (نحنُ الجيلُ البائدُ)للنسيان.. ولتأنيب الضمير الذي سيقضُّ مضاجعنا إلى أن نموت.. وأرحَموا جيل الشباب في هذا البلد المنكوب.
لن نقولَ لكم .. إرحلوا.
هذا يفوقُ الانَ قدراتنا بكثير ..
ولكنّنا سنطلبُ منكم فقط ، بل ونرجوكم(كعادتنا دائماً) أن تُخفّفوا من ضغط أذرعكم الغليظة على أعناق هذا الجيل، الذي لا يجدُ لهُ أُفُقاً ولا أمل، بينما أنتم تجثمون فوقه، وتقطعون عليه سبل الخلاص.
إنّهُم ليسوا أبناءنا وأحفادنا فقط .
أنّهُم ليسوا"أبناءهم" و "أحفادهم" فقط.
أنّهُم ليسو أبناء وأحفاد "جماعةٍ" دون أخرى.
إنّهُم أبناءكم وأحفادكم في نهاية المطاف ..
فأمنحوهم سلامهم الممكن الوحيد في "وطنٍ" مُعافى من الرمادِ والسَبَخِ والسَخام.. رمادنا وسَبَخَنا وسَخامنا .. ورمادَكُم و سَبَخَكُم وسَخامكم ، على حدٍّ سواء..
وأتركوا عار التاريخ لنا، ولكم، ففيه من التفاصيل ما يكفي لأن يتذكّرنا العالم إلى الأبد، كأسوأ نماذج الحُكمِ و العيش التي مرّت على هذا الكون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد 9 أشهر من الحرب.. ماذا حدث في غزة؟


.. أبو عبيدة: محور وسط القطاع المسمى نتساريم سيكون محورا للرعب




.. 10 شهداء على الأقل في استهداف الاحتلال لمنزل مأهول في منطقة


.. قطاع غزة.. حياة الأطفال مهددة بسبب نقص الدواء والغذاء




.. تفاعلكم | صدمة.. حقائب البراندات العالمية لا تكلف صناعتها أ