الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية خيار استراتيجي للمستقبل

احمد حسن _ شاهوز

2006 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


خلال الفترة الاخيرة نلاحظ ان قضية التوجه نحو الخيار الديمقراطي ، قد اصبحت تحتل الدرجة الاولى من الاهتمامات السياسية والشعبية في المجتمعات العربية . ولاشك ان الانظمة العربية ومنطقة الشرق الاوسط بشكل عام ، تعاني من ضغوطات خارجية تطالب باجراء اصلاحات ديمقراطية ، وهذا طبعا بالاضافة الى المطالبة الشعبية بتحقيق الاصلاحات الداخلية ضمن البلدان . ومن خلال متابعة للواقع نرى ان الانظمة السياسية العربية تظهر نوعا من الحساسية تجاه التدخلات والضغوط الخارجية ، لاحداث تغيرات واصلاحات في الشؤون الداخلية ، متذرعة بأن ذلك يمس السيادة والاستقلال الوطني ، وطبعا هذا لايقتصر فقط على الانظمة العربية ، فحتى تركيا التي تنوي الدخول في الاتحاد الاوربي تواجه نفس الحالة ، حيث ان اوربا تسعى لفرض مقاييسها على تركيا التي ما تزال تتبنى فكرة الدولة القومية ، وتحاول ان تحافظ على استقلالية كيانها ، ولكن كيف ومتى تستطيع هذه الانظمة الصمود في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية ؟ فهذا ما سيظهره لنا المستقبل . حيث ان هناك توجهات اساسية في الفكر العالمي ، باتت تطرح منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي ، فكرة محورها انه لم تعد هناك قدسية لفكرة سيادة الدول ، عندما يتعلق الامر بانتهاك حقوق الشعوب ، او حقوق الانسان او حقوق الاقليات ، وان على المجتمع الدولي التدخل في الشؤو ن الداخلية للدول ، اذا لم تكن هذه الحكومات والدول تسير في طريق النهج الديمقراطي . وحتى ان السيد كوفي عنان ، الامين العام للامم المتحدة التي ينص ميثاقها على ضرورة احترام سيادة الدول ، ايد في احد تصريحاته فكرة التدخل الخارجي والمساس بسيادة الدول الداخلية ، اذا كان الامر متعلقا بحماية حقوق الانسان ، ومنع حدوث انتهاكات فيما يتعلق بحقوق الاقليات . من هنا ، لابد للفكر السياسي العربي ان يرى ، ان البيئة السياسية الدولية تعيش حالة تغير وتحول وتفرض مفاهيم وقيم ومبادىء ، ويجب اتخاذ الخطوات السياسية اللازمة ، لتمكين المجتمعات العربية من امتلاك الاساليب والادوات اللازمة للتطور والنهوض والرقي ومواكبة روح العصر . طبعا هناك بعض الدول التي تتحدث عن وجوب ان يكون الاصلاح الديمقراطي ناتج داخلي ، وتلبية لاحتياجات مجتمعية داخلية ، وليس استجابة لضغوط خارجية . وهذا صحيح ولكن يبقى السؤال متى وكيف ستقوم الانظمة الحاكمة في الدول العربية بالاصلاح الديمقراطي ؟ بنظرة بسيطة الى الواقع نرى ان الانظمة الحاكمة في البلدان العربية ، كما في بلدان أخرى في المنطقة تسعى الى المراوغة في هذا الموضوع ، وان استطاعت ان تهمل كل متطلبات الشعب ، وان واجهت ضغوظ خارجية تقرر بعض القرارات والقوانين التي لا تطبق على الاغلب فقط لغرض ارضاء الخارج ، فاذن بهذا التوجه لا يمكن ان تحقق الانظمة الحاكمة في الوطن العربي أي اصلاحات ديمقراطية ، وان أي قرار بسيط في سبيل الاصلاح يأتي على الاغلب لارضاء الخارج ، وليس لارضاء مجتمعاتها التي تعيش حالة من الاستياء الذي يزداد يوم بعد يوم . الشعوب دوما تطمح الى نظام يضمن لها الحرية والاستقرار ، فالحاجة الى الديمقراطية هي مطلب عربي صميم نابع من متطلبات واحتياجات المجتمعات العربية . اذن فمن الافضل للانظمة العربية ان تؤسس قاعدتها المرجعية الديمقراطية ، باعتبارها حاجة ضرورية عصرية ، ومطلبا لم يعد من الممكن التخلف او النكوص عنه ، بدلا من الاستجابة بخطوات محدودة وقصيرة كلما زادت الضغوط الخارجية في هذا الاتجاه . هناك امر مؤكد ، ان المناورات التي تقوم بها الانظمة العربية بتأجيل التوجه نحو الخيار الديمقراطي قد ضيقت الهامش امامها ، وباتت سياستها قصيرة الانفاس ولن تتمكن من الصمود طويلا امام قوة التوجهات العالمية لتبني الديمقراطية في السياسة والحكم ، رغم ملاحظة ان مطلب دمقرطة العلاقات الدولية ذاتها يعاني من ازمة ، وهذه مرتبطة بأزمة النظام العالمي الذي يمكننا العودة اليه في فرصة أخرى . لكن في المقابل ، فان الملاحظات هو اتساع درجة الاحتكام الى الخيار الديمقراطي في تحديد نمط العلاقات بين الحكومات في المنظومة الدولية ، وهناك اتجاه متزايد للربط بين درجة تطور وتقدم التفاعلات الاقتصادية وبين الدول ، ومدى الالتزام بالتوجه السياسي الديمقراطي . وفي الاجمال ، فان هناك توجها عالميا متصاعدا نحو الديمقراطية ، ولا يمكن للبلدان العربية ان تتخلف عن هذا الركب الحضاري العالمي في التطور الديمقراطي ، رغم محاولات بعض الحكومات العربية تأجيل التوجه نحو الديمقراطية لأطول فترة ممكنة . ولكن من المؤكد ، ان هذا المنحى في الممارسات السياسية العربية لن يصمد طويلا ، ولن يستطيع مقاومة التيار العالمي نحو الديمقراطية . وهنا تأتي اهمية ضرورة استيعاب طبيعة التحولات السياسية العالمية جيدا . وبالفعل بات الخيار الديمقراطي خيارا استراتيجيا لافكاك منه في عموم المنطقة والعالم ، ولا يمكن لعالمنا العربي والشرقي ان يبقى خارجه الى ما لا نهاية . وفي هذا الاطار لابد من استلهام دروس التجربة الاوربية في التكامل والوحدة السياسية ، فتجربة الاتحاد الاوربي هي محصلة للانتصار لفكرة الديمقراطية في بناء الاتحاد الاوربي . الامر المؤكد ، ان أي مشروع مستقبلي باتجاه احياء امال العرب في الوحدة السياسية او الكونفدارلية ، لابد له ان يمر عبر المسار الديمقراطي والمشاركة الشعبية ، فقد ولى زمن الوحدة السياسية القسرية التي تأتي عبر قرارات فجائية فوقية من اعلى . وان التوجه نحو الديمقراطية لا يشكل فقط حلا للازمات السياسية الراهنة للنظم العربية ، او سبيلا لها لاحتواء الضغوط الخارجية وتفادي غضب النقمة الشعبية ، ولكن ايضا هو السبيل لتطوير المجتمعات العربية ونقلها الى افاق الحرية السياسية ، والتطور الاقتصادي والرقي الحضاري من ناحية ، ويشكل قاعدة الانطلاق لتحقيق الطروحات العربية الكبرى المؤجلة في الوحدة والتكامل الاقتصادي والاندماج السياسي . وللوصول الى مبادرة عربية تنطلق نحو النور والتطبيق العملي ، فان هناك عددا من الخطوات التي يجب التفكير في كيفية التعامل معها بايجابية ، ولعل من ابرزها :
اولا: التخلص من تلك النظرة الخاطئة الى الديمقراطية في الساحة الفكرية والسياسية العربية ، حيث هناك جدل عقيم ما يزال مستمرا وينظر الى الديمقراطية وكأنها فكرة مستوردة ، ولا حاجة للمجتمعات العربية والاسلامية لها . ويوم بعد اخر يتم اثبات ان الفكرة الديمقراطية ، هي فكرة عالمية انسانية حضارية ، وعلى العكس فان المجتمعات الشرقية اقرب الى الديمقراطية ، بسبب خصائص حياتها المشاعية الباقية كارث ثقافي واجتماعي الى اليوم . طبعا هناك حاجة الى تحقيق حركة تنويرية لتستطيع مجتمعاتنا مواكبة العصر وتحقيق تقدمها . وان التجارب العالمية وتطورات عصرنا اثبتت بأن النظام الديمقراطي هو الافضل بين انظمة الحكم لضمان الرشادة والنزاهة والشفافية في العمل السياسي والاحتكام الى ارادة الشعب . ويمكننا ذكر مثال بسيط هنا من التاريخ ، حيث ان مدينة اثينا الصغيرة استطاعت التغلب على اعدائها في القرن الخامس قبل الميلاد ، عبر سلاح الديمقراطية الذاتية . وقد نجحت في ذلك عن طريق الميليشيات الطوعية ، والمسؤولين المختارين لتأدية الوظائف السنوية ، دون اللجوء ابدا الى الدولة او الجيش النظامي الدائمي . لم تكن الديمقراطية المطبقة ديمقراطية الشعب ، بل ديمقراطية الطبقة العبودية . مع ذلك ، فقد طبعت اثينا احد اسمى قرون التاريخ بطابعها . هكذا صنعت الشعوب أكثر ازمانها رفاهية عن طريق ديمقراطياتها . وسيكون مفيدا ان ننوه الى ان الاصرار من قبل الانظمة الحاكمة في التحايل على فكرة الديمقراطية ، عبر طرح صيغ سياسية بديلة تتسم بمحدودية القدرة على مراقبة السلطات التنفيذية لا يخدم تقدم المجتمعات العربية ، ويدخلها في دائرة مفرغة من الممارسات المشوهة والمنقوصة ، التي لا تروي عطش الجماهير لممارسة النهج الديمقراطي .
ثانيا: من المهم الايمان بفكرة ان تولي الحكم هو تكليف من الشعب وليس خطوة سياسية ، تتيح لمن ينالها فرصة التحكم بمصائر الناس والبلاد ، ومن هنا الاقتناع بفكرة المساءلة والمحاسبة لمن في السلطة ، وتقييد السلطات والصلاحيات الواسعة للحاكم ، واعطاء صلاحيات اكبر للسلطة المنتخبة من قبل الشعب ، بحيث تكون هي مصدر اتخاذ القرار سياسيا واقتصاديا وتشريعيا ، والاحتكام الدوري للانتخابات النزيهة ، باعتبارها السبيل لتقيم سياسات النخبة الحاكمة وامكانية تغيرها او تحديد الثقة فيها وفي نهجها في الحكم والعمل السياسي .
ثالثا: تطبيق مبدأ مساواة المرأة مع الرجل قانونيا وسياسيا ، لانه لا يمكن ان تتحقق الديمقراطية وتتطور في ظل حرمان النساء من المشاركة في العمل السياسي ، بشكل يتناسب مع عصرنا الذي اصبحت فيه قضية المرأة وحرياتها من اولى واهم القضايا التي تشغل عالمنا ، ففي عالمنا العربي الى الآن تظل المرأة محرومة حتى من المشاركة في التصويت ، ورغم ظهور بعض التعديلات الدستورية في بعض بلدان الخليج ، الا انها تبقى ضعيفة جدا . وتحتاج الحركات النسائية في العالم العربي الى تحقيق مزيد من العمل الجاد للحصول على حريتها وحقوقها ، لتكون أكثر فاعلية ضمن المجتمع . وطبعا علينا ان نشير الى ان الحالة الموجودة الآن ، حالة غير سوية وغير منصفة يتم تبريرها وفق قرارات خاطئة لاحكام الشرع ، او خضوعا لتقاليد مجتمعية بالية ، باتت تشكل نقطة ضعف ومصدر تشويه لحضارة المجتمعات العربية . وان مشاركة المرأة في العمل السياسي سيكون له دور حقيقي في تطور الديمقراطية وترسيخها ضمن المجتمع وانظمة الحكم العربي . واعتقد ان مشاركة المرأة كلما كانت فعالة أكثر وحقيقية ، سيكون مستقبلنا اقرب الى تحقيق النظام الديمقراطي .
رابعا: من الضروري جدا ان تستند انظمة الحكم في العالم العربي الى دساتير عصرية ، تضمن الحقوق والحريات للناس وتشرع القوانين التي تتوافق مع روح العصر ، وهذا طبعا يحتاج الى تحقيق تعديلات حقيقية على دساتير البلدان العربية من جهة ، ومن جهة أخرى يتطلب تنمية ثقافة احترام الدستور في المجتمع ، فلا تصبح الدساتير مجرد واجهات شكلية امام الخارج ، بل قوانين تحكم تفاعلات المجتمع السياسي وان تتسم هذه الدساتير بالعقلانية والمرونة والتوازن في توزيع السلطات ، وضمان الرقابة المتبادلة بين اجهزة السلطة . فلا تطغى واحدة علىالاخرى . وان يتم احترام هذه الدساتير في الواقع العملي ولا يتم تجاوزها تحت أي ظرف .
خامسا: من الواضح انه سيكون من الاهمية بمكان ان تكون هناك اجواء مناسبة للتطور باتجاه الديمقراطية ، وهذا ما لا يمكن ان يتحقق لذاته او ان تطرح الانظمة الحاكمة فكرة اطلاق الحريات وتطبيقها بشكل مباشر . اذا هذا يحتاج الى جهود ونضالات شعبية وجماهيرية في المجتمعات العربية والمنطقة عموما ، وان تنصب هذه الجهود على تطور الحريات والديمقراطية ، وتطالب الانظمة الحاكمة ، بذلك والا فان اطلاق مناخ الحريات ، من حرية التعبير وحرية الصحافة ووسائل الاعلام في نقد الممارسات السياسية والاقتصادية والرقابة عليها واطلاق حرية التنظيم السياسي ، تبقى شيئا خياليا بدون بذل الجهود الحقيقة من قبل الشعب الذي يتوجب على الانظمة الحاكمة ، ان تثق بقدرته على التمييز بين الصالح والطالح في الآراء والايدلوجيات والافكار ، وان الوصول الى وضع نهاية لتوجهات الوصاية على الجماهير في اختياراتها وتوجهاتها السياسية . من المؤكد ان نمو وتطور المنظمات المدنية مهم جدا ، لذا يتطلب فتح الباب واسعا ، لنمو حركات ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية ، لتكون قاعدة العمل السياسي ونبع تشكيل الرؤى والاقتراحات السياسية ، وافراز الكوادر والقيادات المجتمعية المستقبلية . ان متطلبات بناء مجتمعات ديمقراطية حقيقة هي متطلبات كثيرة ومتشابكة ومتداخلة ، لكنها في الاجمال تغذي بعضها بعضا ، ولا يمكن ان تتحقق الديمقراطية في غياب أي من هذه المتطلبات ، كما ان طريق الديمقراطية هي طريق طويلة وصعبة وشاقة ، يتطلب السير فيها صبرا كبيرا وقدرة عالية على التطور والنقد الذاتي باستمرار ، ومراجعة المسار من حين لآخر ، ومراكمة الخطوات الايجابية وتنحية الممارسات السلبية ، وهذه هي سمة المجتمعات الحية والحيوية والمتجددة القادرة على مواكبة العصر . لكن نقطة البدء دائما ، هي الايمان بالحاجة الموضوعية والضرورة التاريخية للانتقال بالمجتمعات العربية نحو الخيار الديمقراطي ، باعتباره المسار الاسلم نحو بناء مجتمعات عصرية ناهضة قادرة على تصحيح اخطاءها ، وتعزيز آفاق النجاح والتقدم فيها . لقد اضاع العرب وقتا طويلا في التردد بشأن التبني الكامل والناجز للخيار الديمقراطي ، والآن جاءت لحظة الحسم والقرارات التاريخية ، لوضع نهاية لهذا التردد ، والانطلاق في دروب الديمقراطية بكل ايمان وثقة وتفاؤل بالمستقبل . هذا اذا كنا نريد حقا ، لمجتمعاتنا العربية نهوضا يواكب العصر ، وتقدما يجعلها تزهو بنفسها بين الامم في عالم القرن الحادي والعشرين .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة أمام وزارة الدفاع اليابانية رفضا لشراء طائرات مسيرة م


.. عادل شديد: مسألة رون أراد تثير حساسية مفرطة لدى المجتمع الإس




.. دول غربية تسمح لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لضرب أهداف داخل رو


.. ما دلالات رفض نصف ضباط الجيش الإسرائيلي الاستمرار بالخدمة بع




.. أهالي جباليا يحاولون استصلاح ما يمكن من المباني ليسكنوها