الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بصدد مظاهرات جماهير كردستان الحالية ضد الحزبين القوميين الكرديين

مؤيد احمد
(Muayad Ahmed)

2006 / 8 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تشهد مدن كردستان العراق منذ عدة اشهر تصاعدا كبيرا في موجة الاعتراضات بوجه الاحزاب القومية الكردية الميليشية الحاكمة، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. اشتدت وتيرة هذه الاعتراضات على شكل تظاهرات ومظاهرات جماهيرية خلال الايام الاخيرة وهي مستمرة لحد هذه اللحظة.

لقد شملت موجة المظاهرات الكثير من مدن كردستان خلال الفترة السابقة: كلار، هلبجة، رانية، قلعة دزة، السليمانية، عقرة، جمجمال، دربنديخان غيرها. كما وتصاعدت الموجة الاعتراضية داخل اوساط الطبقة العاملة في كردستان وامتدت الى اماكن عملها في المعامل والدوائر والمؤسسات الخدمية والاقتصادية، فقامت، في الفترة الاخيرة ووسط هذه الاجواء، عمال السمنت في معمل طاسلوجة في السليمانية باضراب عن العمل والتظاهرامام المعمل رافعين مطالبهم الاقتصادية، غير انهم جوبهوا بالرمي بالرصاص من قبل قوات الاتحاد الوطني وعلى اثرذلك سقطت عشرات الجرحى من بين العمال. كما وتحولت التظاهرات والاعتراضات الجماهيرية في مدن جمجمال ودربنديخان الى مواجهات عنيفة تم من خلالها وضع الموانع على الطرقات. هذا وتعيش ولحد كتابة هذه الاسطر مدينة السليمانية اجواء انفجارات غضب المواطنين في اية لحظة بوجه الاتحاد الوطني، وبالارتباط مع ذلك تشهد شوارع هذه المدينة وغيرها من المدن تواجد مكثف لقوات الاسايش والشرطة التابعة للحزبيين. ان اخبار تصاعد هذه الموجات الاعتراضية تنتشر بسرعة كبيرة في مدن كردستان واصبحت حديث الساعة وموضع تعاطف شامل في كل بيت ومحلة ومكان عمل وفي اوساط الناس وحلقاتهم الاجتماعية رغم كل الدعايات الكاذبة والمضادة لهذه المظاهرات من قبل الاجهزة القمعية والاعلامية للحزبين.

ان هذه المظاهرات والتظاهرات الجماهيرية العادلة ليست عوارض ثانوية وحوادث منفصلة وتصادفية، على العكس من ذلك، انها تعبير عن غضب ونفور جماهيري شامل ضد الحزبين الحاكمين والحركة القومية الكردية على العموم تراكمت مع الزمن. وهي حصيلة تجربة مرة لسنوات عديدة عاشتها الجماهير مع حكم هذه القوى وممارساتها البشعة انفضحت من خلالها بشكل ملموس اكاذيب ورياء القوميين الاكراد واحزابها وتضاد مصالحها مع مصالح الجماهير الغفيرة.

لم تعد الناس تطيق ما تعانيها على ايدي هذه الاحزاب القومية، فتعترض وتريد ان تفرض مطالبها عليها. ان الجماهير تدفع يوميا ضريبة تسلط هذه القوى، على حساب اشتداد بؤسها وفقرها وحرمانها من الرفاهية والخدمات التي تليق بالانسان المعاصر. ان ارتفاع اسعار المواد الغذائية والحاجيات اليومية وازدياد اسعار الوقود المذهل وعدم توفرها والمستوى المتدني لاجور العمال والموظفين وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة يوميا وعدم توفر المياه الصالحة للشرب وغياب الخدمات الصحية والاجتماعية المناسبة ضيقت الخناق على الجماهير بشكل لم يسبق له مثيل. كل ذلك يجري في وقت توجد في حوزة العصابات الحاكمة القومية، ابطال الحركة القومية الكردية، مليارات من الدولارات تحتكرها لنفسها وتسرقها بشكل مفضوح بدون ان تصرف منها شيئا ملموسا على رفع مستوى معيشة الناس ورفع الاجور وتوفير الخدمات..الخ. ان الفساد الاداري والتقاعس واللصوصية وسرقة قوت الجماهير من قبل هذه الاحزاب الميليشية ومسؤوليها ومتنفذيها واصلة لحدود قلت نظيرها في تاريخ المجتمعات الراسمالية والحكومات التي تدب فيها الفساد الاداري.

لقد اصبحت القطيعة مع هذه الاحزاب بالنسبة للاكثرية العظمى من الجماهير في كردستان، وكما تعكسها هذه التظاهرات المتكررة والغضب الشعبي العام، امرا واقعا وبالتالي بات يظهر على السطح مرحلة جديدة وتوازن جديد لبنيان الحياة السياسية في كردستان العراق.



الاهمية السياسية لهذه الاعتراضات

ان مجرد ظهور هذه التظاهرات في الساحة الاجتماعية في كردستان تحظى باهمية سياسية كبيرة وتشكل تغييرا غاية في الاهمية في التوازن الايدولوجي والسياسي على صعيد المجتمع. ان فضح ابطال الحركة القومية الكردية المتمثلة بالحزبيين القوميين الكرديين على صعيد اجتماعي واسع وكشف ماهيتهما كعصابات ميليشية ولصوصية مسلحة تقوم بنهب وسلب قوت الجماهير وحرمانها من الرفاهية، يعتبر مكسبا سياسيا كبيرا بالنسبة للجماهير المتطلعة الى الحرية والرفاهية والقيم المساواتية في كردستان ويرسي ارضية اجتماعية ملائمة لحدوث تغيير جدي في علاقة الحركات الاجتماعية والسنن والاحزاب السياسية في المجتمع لصالح اليسار والراديكالية والشيوعية العمالية. ان هذا الاعتراض الشعبي الشامل لا يمكن ان يتجرعها القوميون الاكراد بسهولة اذ يشكل ضربة جدية لكامل بنيانهم القومي وتسلطهم الفكري والسياسي منذ عقود على مجتمع كردستان.

لقد باتت تتحطم، على حجر مبادرة الجماهير الباسلة والعادلة، اوهام الحرية الزائفة والمبتورة التي طالما طبل لها القوميون الاكراد ومن يدور في فلكهم. كما وبدات تتكشف على صعيد اجتماعي واسع وبسرعة الماهية الحقيقية لهذه القوى عندما تبادرالجماهير وتلوج الميدان للدفاع عن حقوقها وحرياتها وتناضل من اجل فرض مطالبها الاقتصادية والاجتماعية على الطغمة الميليشية الحاكمة. ان الجماهير تجد نفسها امام طغمة مجرمة حيث ان الاوباش القوميين الاكراد وكالبعثيين يصوبون رؤس بنادقهم الى جمهور المتظاهرين ويعتقلون قادة ونشطاء هذه الاعتراضات ويقومون بكل انواع التعذيب والتنكيل بهم. ان ممارسة هذه القوى القومية تجاه الاعتراضات اثبتت بان الحرية في كردستان ليست الا حرية للحزبين القوميين الكرديين ومجموعة من المنظمات والاحزاب التي تدور في فلكهما وحرية لقسم من الكتاب والمثقفين القوميين وبعض الجرائد التي لا تتجاوز انتقاداتها الافق القومي. الحرية في قاموس هذه القوى الميليشية ممنوعة للجماهير. فالعمال ليس لهم حق الاضراب والتظاهروانشاء منظمات خاصة مستقلة بهم ولا يمكن للنساء ان تناضل بشكل راديكالي من اجل حرياتها ومساواتها المطلقة مع الرجل فتمنع منظماتها الراديكالية من ممارسة نشاطاتها ، الجماهير ليست لها الحق في الاعتراض والقيام بالتظاهرات للدفاع عن حقوقها وحرياتها وكسب مطاليبها. فمن يخالفهم سياسيا ويقوم بالتحريض السياسي ضد هذه الاحزاب يمنع من الاستمرار في النشاط . الحزب الشيوعي العمالي العراقي وتحريضها السياسي يشكل خطرا على نمط حكمهم فيجب ان يعاقب وان يمنع من ممارسة نشاطها السياسي بحرية.

ان موجة المظاهرات الحالية تفتح الطريق لا محال لمرحلة جديدة سياسية وتوازن قوى جديد بين الجماهير والقوميين الاكراد. ان الدعاية واختلاق الاكاذيب ونشر الاوهام داخل اوساط الجماهير باتت لا تكفي حيث تنظر الجماهير الى اكاذيبهم ودعاياتهم المضادة بمثابة وسائل سياسية يستخدمها القوميون في حربهم مع الجماهير. ان اسلوب حكمهم المبني على القمع واسكات الجماهير بدا ينفضح يوم بعد يوم وبشكل متزايد من خلال هذه الموجة الاعتراضية التي باتت لا تخمد منذ اشهر عديدة.



المغزى السياسي للنجاح الفوري لهذه الحركة

المسالة السياسية الملحة والاساسية بالنسبة لحزبنا ليست هي توضيح طابع ومنشاء هذه التظاهرات وتاييدها فقط بل هي تسليحها بافق واطار سياسي فعال وقيادتها الفعلي الى الانتصار. الجماهير تعرف بالغريزة بانه من غير الممكن كسب الانتصار في هذا الصراع الاجتماعي والسياسي الدائر في كردستان بدون قيام حزب سياسي جماهيري راديكالي بدور ريادي في تعبئة قوى الجماهير المعترضة وتنظيمها وقيادتها نحو الانتصار. فغياب تجسم نشاط الحزب بالارتباط مع هذه الحركة سيكون له تاثير سلبي على هذه الموجة الاعتراضية وتؤدي الى تقليص مداها وتقدمها، والعكس هو الصحيح، فكلما لعب الحزب دورا نشطا ومنظما في قيادة وتنظيم هذه الحركة كلما توفرت اداة سياسية مهمة لتطوير هذه الاعتراضات وضمان انجاحها وانتصارها. من الواضح بانه يجب ان تحقق هذه الاعتراضات، وفي مسار تطورها و تقدمها، تعادل سياسي فعلي جديد في ميزان القوى السياسية في كردستان وان يكون تجسيد ذلك التعادل ضمن الاجندة الانية القابلة للتحقيق لهذه الحركة. ان الصراع الدائر شانه شان جميع الجدالات السياسية المهمة في المجتمعات لا يمكنه ان يتوقف في وسط الطريق فاما ان يتطور الى كسب مطالبها واهدافها او يتراجع امام القوميين الاكراد، او ربما يستغلها الاسلاميون لتقوية انفسهم اذا عجزالبديل اليساري والشيوعي العمالي من ان يتجسد بشكل فعلي.

من الممكن بان يكون الانتصار السياسي لهذه الحركة تحقيق ارادة الجماهير السياسي على صعيد الحكم والنظام السياسي في كردستان وفرض تراجع جدي على الحركة القومية الكردية واحزابها الحاكمة اذا ساد آفاق وبديل اليسار والشيوعية العمالية السياسي داخل هذه الحركة الاعتراضية الشعبية وقادها الحزب وطورها. غير انه اذا كان هذا الانتصار السياسي مشروط بتوفر تلك المستلزمات فان واقع الحركة الاعتراضية وخصائصها الحالية يعطي امكانية فعلية لان تنجح في تحقيق مطالبها الاجتماعية والاقتصادية وتفرض تراجع سياسي جدي على القوى القومية او حتى ان تنجح في ايجاد تغيير سياسي وتعادل جديد في ميزان القوى السياسي في كردستان. المسالة الاساسية هنا ايضا هي انه حتى تحقيق هذه الاهداف العملية الانية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للحركة غير ممكنة بدون تحول هذه الاعتراضات الى اعتراض سياسي جماهيري ملتحم يقودها الحزب وقوى اليسار والتي تستوجب بالتالي نشر الافق والبديل الشيوعي العمالي واليساري داخل هذه الاعتراضات. ان الارضية الاجتماعية لامكانية سيادة هذا الافق الشيوعي العمالي واليساري موجودة وتتلخص في: اولا، تطور الطبقة العمالة في كردستان وحدوث استقطاب طبقي عميق وواسع خاصة خلال العقد والنصف الماضية ،ثانيا تواجد وتواصل تاريخ الاعتراض السياسي اليساري في كردستان التي بدات منذ بداية التسعينات من القرن الماضي وتجسدها في الحركة المجالسية والمنظمات الشيوعية العمالية مثل التيار الشيوعي، ونضال وتاريخ الطويل للحزب في طليعة الاعتراض الاجتماعي والسياسي والفكري الراديكالي في كردستان خلال 13 سنة المنصرمة.

باختصار ان الارضية الاجتماعية وطابع المظاهرات العادلة والراديكالية المرتبطة بجماهير العمال وقطاعات واسعة من الجماهيرالمستاءة من الاحزب الحاكمة وكذلك تواصل تاريخ الصراع السياسي والفكري اليساري على صعيد مجتمع كردستان توفر ظروف مناسبة لان تتطورهذه الاعتراضات وتتحول هذه الافاق الشيوعية واليسارية والانسانية لحزبنا الى راية نضالها. اننا لا ينقصنا شيئ في هذا المضمار، ما ينقصنا والذي يجب ان نرد عليه بسرعة هو توفير القيادة العملية لهذه الاعتراضات وخوض نشاط سياسي دؤوب من اجل تطويرها كاعتراض سياسي شامل لفرض التراجع على القوميين ولكسب الجماهير لمطالبها الاجتماعية والاقتصادية العادلة. كل خطوة بهذا الاتجاه سيكون بمثابة الاستيلاء على خندق من خنادق العدو وخطوة اخرى لشن هجوم اخر على قلعة القوميين الاكراد في مسار الصراع السياسي في كردستان.

ان حصيلة الموجة الاخيرة من الاعتراضات يجب ان تحقق وفي اول خطوة المطالب الاقتصادية والاجتماعية والاصلاحات الادارية التي تطالب بها المتظاهرون، وان تحقق وتجسد الحرية السياسية الغير مشروطة وغيرمقيدة، وحرية الاضراب والتظاهر والتنظيم وغيرها من الحريات والحقوق المدنية وتفرضها بمثابة اركان نظام الحياة السياسية في مجتمع كردستان لا يجرؤ احد على مسها وخرقها. كما يجب ان تدك هذه المظاهرات الاحتكار السياسي العشائري و الميليشي للاحزاب القومية الكردية.

كل ذلك يتطلب من حزبنا طرح وتنفيذ خطة سياسية شاملة لمواجهة هذه الاوضاع والظهور الفعال في الساحة السياسية في كردستان بوصفه حزب الطبقة العاملة الثوري وراديكاليتها الانسانية والمساواتية وفي طليعة هذه التظاهرات. ان هذه فرصة مواتية لكي يضع الحزب وتقليده السياسي من جديد في محك تجربة عظيمة، فيجب ان نظهربمثابة قوة سياسية متدخلة وفعالة ونتحول الى احد اركان معادلة القوى السياسية الاساسية بسرعة لترسيم المسار السياسي في كردستان لصالح الطبقة العاملة والجماهير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أي تسوية قد تحاول إسرائيل فرضها في لبنان والإقليم؟


.. أي ترتيبات متوقعة من الحكومة اللبنانية وهل تُجرى جنازة رسمية




.. خبير عسكري: هدف عمليات إسرائيل إحداث شلل في منظومة حزب الله


.. نديم قطيش لضيف إيراني: لماذا لا يشتبك الحرس الثوري مع إسرائي




.. شوارع بيروت مأوى للنازحين بعد مطالبة الجيش الإسرائيلي للسكان