الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسات النقدية بين الحقيقة والوهم

حاتم بن رجيبة

2021 / 11 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


روح السياسات النقدية هي كمية المال . لكن كل المفاهيم التقنية والإقتصادية حول دور كمية المال في الإقتصاد تزيدك جهلا ولا تنيرك في شيء. لذلك من الأحسن لفهم المال و إعطائه حق قدره دون تقزيمه أو تضخيم دوره أو دور الأجهزة التي تتحكم به مثل البنك المركزي مثلا، أن نبسط الموضوع ونتناوله بتقنية ،، المنطق السليم،،.

نتصور أننا قررنا لسبب ما( تضخم مهول أو الرغبة في إفلاس بارونات التجارة الموازية مثلا ...) حذف العملة الموجودة وصك عملة مغايرة تماما. كم من مليار سنصك؟ هل سنقيم قيم كل السلع المتداولة في البلاد وكل الثروات ونطبع قدرها كأن نقيمها بالدولار مثلا و نختار قيمة اعتباطية لقيمة العملة الجديدة مقارنة بالدولار ؟ هل تلك الكمية ستجنبنا فعلا التضخم أو الإنكماش ؟

كيف يمكن أن يكون ذلك إن كانت كمية اعتباطية، ذلك أن قيمة العملة الجديدة اعتباطية مقارنة بعملة عالمية صعبة مثل الدولار .

فسنستطيع دون أن نخشى شيئا أن نطبع ترليونات من العملة الجديدة، أو نصك كمية قليلة(و هو ما تفعله جل الحكومات عند تغيير العملة).

نوزع قسطا منها على البنوك، يقايضون العملة القديمة بمائة لواحد مثلا. على كل مئة وحدة نقدية قديمة يتسلم الحريف وحدة من المال الجديد مثلا 100 درهم قديمة تقابل دينارا من المال الجديد.

هنا يمكننا أن نجرب لنفهم إن كانت السياسات النقدية حقا مؤثرة في الاقتصاد أم وهم و كذب.هل يلعب المال=العملة في حد ذاته دورا اقتصاديا أكثر من كونه يسهل التعامل. بمعنى أوضح : هل لكمية المال دور في التضخم أو الإنكماش؟؟؟

يمكننا أن لا نمنح البنوك إلا قسطا ضئيلا من المال الجديد. أي أن الكمية الموجودة في السوق لن تسمح بإتمام كل المعاملات الإقتصادية. ماذا يمكن أن يحصل؟ أعتقد جازما أن الطلب على المال الجديد سيكون كبيرا لذلك سترتفع قيمته إلى أن تغطي الكمية المحدودة للعملة طلب السوق. فإن كان الثمن الأول لسيارة جديدة 20 2alf دينار فإنه لشح في الأوراق النقدية ستنزل قيمة تلك السيارة إلى النصف مثلا ، عشر آلاف ، وبذلك تصعد قيمة الدينار الجديد إلى الضعف، مقارنة بقيمته عند الصدور. فليست الدولة من ستقرر قيمة العملة بل السوق أي الشعب. لو ضخينا أطنانا من الأوراق الجديدة فسيرتفع ثمن السيارة إلا 60 ألف مثلا و ستنزل قيمة الدينار إلا الثلث مقارنة بقيمته عند الصك . لكن ما هو الضرر؟ هي قيمة مجردة 60 ألف أم 60 مليون أم 60 مليار : أرقام فحسب ، المهم أن السيارة موجودة والعملة متوفرة. المهم أن تكون السلع موجودة بوفرة و الطلب موجود . الفضل في قلة السيولة هو عدم الحاجة إلى أطنان من الورق أو المعادن.لا أكثر ولا أقل.

والآن لنفهم السياسة النقدية، سلاح الدولة(البنك المركزي) المزعوم للتحكم في قيمة العملة.

تتقدم البنوك إلى البنك المركزي بطلبات إقراض حتى تقدمها إلى حرفائها وتربح منهم الفوائض . حتى نقاوم التضخم(نظريا) يجب علينا أن نطلب من البنوك نسبة فائدة عالية حتى تحجم هي على الإقتراض بشكل كبير لتلبية رغبات كل الزبائن . النتيجة هي أن تبقى قيمة العملة الجديدة مرتفعة أو ترتفع أكثر. لكن هل سيحصل انكماش؟؟؟؟ هل ستؤدي شحة السيولة إلي قلة الإستثمار ؟ أي أن رجال الأعمال لن يتحصلوا على القروض بالشكل والقدر المطلوب لأن الفوائض ستكون باهضة وبالتالي سيكون تسديد الديون مرهقا مما يقلص نسبة الربح ويجعلهم يعزفون عن الإقتراض وبالتالي عدم الإستثمار. ستتقلص الثروة أو تبقى ساكنة فلن يحصل أي نمو. هذا ما ينظر له الإقتصاديون . لكن هل هو معقول؟؟

ذلك أن البنوك لا تحتاج دائما للإقتراض من البنك المركزي لتقرض زبائنها. يمكن أن تجمع مدخرات حرفائها و تقرض من يحتاج. كما أن قيمة العملة العالية عند شحتها ستجعل كمية ضئيلة كافية لسد حاجيات الإقتراض. قيمة المال ستزداد إلى أن يستقر حسب قانون العرض والطلب كما بينت سلفا . هذا التوازن سيكون مستديما يحده السوق ولا دخل للبنك المركزي فيه. على شرط أن لا تتدخل الدولة ، فلا تفرض قيمة اعتباطية للعملة. مثلا أن يكون سعر قنطار أرز أو حبوب ب-100 دينار!

حتى وإن أغدق البنك المركزي السوق بالعملة برفع الفائدة تماما عن قروضه للبنوك القومية فإن ذلك لن يؤثر بتاتا على حجم الإستثمار. فالبنوك ستقرض دائما بالفائدة أي بالربح وإلا ستفلس. كل ما سيحصل أن قيمة العملة ستنتخفض إلى أن تستقر في حد ما يناسب حجمها كمية السلع.

. لكن لا خطر البتة فسيان إن كان ثمن السيارة 20 ألفا أم أربعون أم عشرة، المهم أن يكون الثمن متناسقا مع بقية الأثمان في السوق.

المال في حد ذاته ليس له علاقة البتة بالإقتصاد. وفر كمية ما، ادفعها إلى السوق واترك الفاعلين يتعاملون بها(بطبيعة الحال في حد معقول فلن يشتغل اقتصاد بألف ورقة نقدية مثل) هم من سيقررون قيمتها. يبقى دور البنك المركزي في إقراض البنوك القومية وتجديد الأوراق المالية التالفة.

التضخم الخطر يحدث عند انهيار العرض: سلع أو خدمات مهما كان السبب: كوارث طبيعية، حروب، احتكار، فساد، إفلاس الدولة، ندرة...أو انهيار الطلب: بطالة رهيبة نتيجة تسريح مفاجئ للملايين من العمال: جائحة، حرب، فرقعة فقاعة في أسواق المضاربة، فساد و سوء الحوكمة ...

هناك أمثلة معاصرة تدل على أن المال في حد ذاته لا دور له في التضخم وفي الإنكماش. المثل الأول هي جائحة كورونا! في ألمانيا استعارات الدولة ترليونات من اليورو ووزعتها مجانا . أي ضختها هكذا في السوق. بقينا أشهرا لا نشتغل بتاتا أو نشتغل نصف الوقت لكن نتلقى أجورنا كاملة، أما أصحاب المحلات فتحصلوا على أموال تناسب إيراداتهم متى كانوا يعملون فعلا. ماذا حصل ؟ بقي الإقتصاد يشتغل وكأن الجائحة غير موجودة، المال ينزل ،، من السماء،،. دون أن يعمل قسط كبير من الشعب. فالأموال الطائلة لم تسبب تضخما رهيبا. ماحصل أن الدولة منعت انكماشا فظيعا. منعت الدول الغربية انهيار الطلب، فالعرض من سلع وخدمات بقي مرتفعا.

سبب نجاة ألمانيا والدول الغربية من الإنكماش والتضخم الرهيبين رغم الترليونات من العملة الإضافية هو سمعة اقتصادياتها. الكل يعرف أن اقتصاد ألمانيا مثلا في أحسن ما يكون من تصنيع وفلاحة وخدمات...فالمال المضخ والمقترض سيعود إلى من أقرضه. وحتى وإن كان الإقتراض من البنك المركزي فإن هذا الأخير سيسحب الترليونات الزائدة من السوق متى عادت دواليب الإقتصاد إلى سالف عهدها.

المثال الثاني هي الأزمة البنكية إثر تفرقع فقاعة العقارات في الولايات المتحدة سنة 2008 فقد قامت الدول الغربية بنفس الشيء: ضخ ترليونات من المال حتى لا يفلس الكثير من أرباب العمل ومن العمال وحتى لا ينهار الطلب عن السلع والخدمات. لم يحصل لا تضخم ولا انكماش. نفس الشيء : منعت الدول انهيار الطلب.

متى كان الإقتصاد في صحة جيدة فلا خوف من التضخم أو الإنكماش الخطرين. ذلك أن انكماشا أو تضخما طفيفين لا يمثلان خطرا. متى كانت المصانع تشتغل والخدمات متوفرة كان السوق يزخر بالسلع وكانت نسبة التشغيل مرتفعة كانت نسب العرض والطلب متناسقة فتنتفي أسباب الإنهيار. كمية الأوراق النقدية محسوسة أو افتراضية ثانوية ولا تتوجه نحوها الأنظار إلا متى أصاب السوق والإقتصاد علة في الانتاج: حروب، جوائح، سوء حوكمة، قلة انتاج ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة