الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ثرثرة فوق التحرير
حسن عزيز الياسري
2021 / 11 / 4الثورات والانتفاضات الجماهيرية
---------------------------------
- لم يكن عجيبا أن يعبد المصريون فرعون ، ولكن العجيب أن فرعون آمن حقاً بأنه إله .
نجيب محفوظ ، من رواية ثرثرة فوق النيل
- في لمحة استقراء عقلانية خاطفة للمفكر والاديب الدكتور طه حسين في معرض اجابته فيما اذا كان ادب الادباء ، خدم الثورة العربية التحررية القائمة آنذاك ؟ (( والحديث عام ١٩٥٩ )) نشرته
مجلة العربي *١ في العدد ٦١٤ ، شهر كانون الثاني / يناير ، عام ٢٠١٠
فأجاب : الاصل ان الادب يهدأ اثناء الثورات ، ولا ينشط الا بعد ان تستقر الامور ، وتجري على طبيعتها ، وذلك لان الادب يحتاج الى الحرية ، والثورة مضطرة الى ان تحافظ على نفسها حتى تحقق اغراضها ، فقل ان شئت ، ان بين الادب والثورة شيئا يشبه الهدنة ، حتى تبلغ الثورة غايتها ، انظر الى الثورة الفرنسية مثلا ، سَكتَ الادب الفرنسي اثناءها سكوتا يكاد يكون تاما ، ولم ينشط الا بعد ان استقرت الامور في فرنسا .
-- مر عامين واياما قلائل ، على ذكرى تشرين ، وليطلق كل منا الخيال في تسميتها ، العَنان ، بما شاء من مسميات (( لمفاهيم متمردة على واقع مبتذل ومنحرف ورديء )) ،
- مظاهرات ، احتجاجات ، ثورة ، عصيان ، تمرد او انتفاضة - ، ولا زال الكثير ، يستلذ بطعم ذكرها المؤلم السعيد ، وينتشي بعبق ، اريج نجيعها الفواح ممتزحا بذكريات تلك المشاهد التي ظلت وقفا ً حزينا على مسرح الذاكرة ، تُقلبُ اوراقها المليئة بالدم الابي حسرات شعب وامنيات وطن لا يهدأ ، ولا زال رجال دخان البنادق ( المُسيل للدموع والارواح معا ) ، واقفين الى اليوم في تلك المساحات التي شهدت رحيل شبابنا الاحرار الذين طالبوا بأدنى الحقوق التي يمتلكها اكثر شعوب الارض .
للثورة طعم خاص يحمل في اعماقه الأضداد ، من حزن وفرح ودمعة وابتسامة وحسرة ومسرّة وامل يأخذ بالصعود او الانحدار ، كلما طرأ على اسماعنا مقتل متظاهر مطالبا بحقه في العيش الكريم او اغتيال ناشط مدني .
-- هل هي تحشية لملئ الفراغات المحشوة اصلا بالحقائق التي نعيشها ونشاهدها ونقتاتها كخبزنا اليومي ، ام انها هوامش نفسية تسجل على الورق لتنشر على انها حقائق ثابتة !! فيصدقها من يريد تصديقها من الاتباع والمريدين ، على الرغم من انها تترك الكثير من علامات التساؤل ، حول تسويقها بهذه الطرق الفجة !!
-- عامين على الثورة ولا زال حماس تلك الايام يطغى على الساحة التي بدأت نتائجها بالظهور ، حيث لعبة الديمقراطية العجيبة التي زُرعت بذور فكرها قسرا ً على ارضنا البَور منها ، فتلاقحت سِفاحا ً بقِطاف تربتنا الخصبة التي نضجت بِثِمار ِ الاستئثار والمحاصصة او بالدم ِ ، اذا لزم الأمر ، او على حد تعبير المؤرخ العراقي الاستاذ باقر ياسين بكتابه المتخصص : شخصية الفرد العراقي - ثلاث صفات خطيرة التسلط التناقض الدموية - ، على ان هذه الارض المشتعلة بالخصومة والمحاصصة والصفات اعلاه ، فقدت مؤخرا في انتخابات ٢٠٢١ من هذا العام بعضا من غُراسِها الازليين ورعاتها المُتعنتين المحتكرين الفعليين الدائمين لها !!
( ففي العراق هناك سَبّابة ٌ واحدة ترفع ، والتاريخ يقول : انه ليس من عادة سيد بغداد ان يتقاعد ، خياراته محدودة ، القصر او القبر ) *٢
ومن الطريف ذكره ان من اصحاب تلك السَبابّات
- الخارجة من رحم الاستبداد - والتي خسرت الانتخابات مؤخرا ، هم ابرز من دعا للمشاركة الفاعلة لها .
- فأي ديمقراطية تلك ، التي تَبنّى موقفها مجموعة من المستبدين بالحكم طوال ١٨ عشر عاما ، ممن تجمعوا حول موائد السلطة اللذيذة طوال الاعوام التي مضت ، وخرجوا بمحصلة واحدة هي الفساد والفشل المتراكم ! لولا ما علقت بشخوصهم تلك الصفات الثلاثة الخطيرة المترسبة في دمائهم الموروثة !!
ولعل انتخابات تشرين ٢٠٢١ ونتائجها وما آلت اليه احوال بعض الخاسرين ، بعد اعلان النتائج ، ستُعلمنا بكل بساطة ، نوع تلك الثمار الديمقراطية اللاشهية ، التي طالما يسوقها القدر البائس لنا !! فأصبحت كابوسا مرعبا ، بعد ان كانت حلما لذيذا مستحيلا ، قد تحقق !!
-- هل تخرج الثورة من كينونة المجهول ، ام انها متأرجحة بالفضاء في متناوش الافكار والاقوال ومتناول الاحاديث اليومية ، ولا تنتظر الا التقدم خطوة واحدة ، نحو اعلان ولادتها القيصرية ، فلم يكتب لاي ثورة شعبية ان تكون هامشية وهي تقاد تحت زحمة الاحداث المأساوية اليومية التي دفعتها للوجود .
وليس هناك ما يثبت هذا التوجه الذي يرمي اليه البعض ، من ان هناك علاقة بين الثورة واسباب وجود ماورائية !! في نشأتها الاولى .
فكل ثورة تنبثق من رحم وجودها ، و تلتصق بمفاهيم واقعها الذي ثارت عليه .
فالثورة لها اسبابها الوجودية الحاضرة التي انبثقت منها ، ومن ثم انطلقت من ارض الواقع الذي انتج اسباب قيامها ، والذي تأصل في مفهوم الثوار خلال مدة زمنية مبتداها بداية تعثر النظام السياسي القائم .
مهما حاول الاتباع والمريدين من احزاب السلطة واعلامها الفقير الساكن في مستنقعات المحاصصة والتقديس الملوث ، من محاولات الاستهداف وخلق ظروف التشتيت في بلورة نشوءها ، الى اسباب بعيدة زمنيا عن اسباب قيامها الحالية ، او رميها بشيء من التسييس وتأطيرها بشيء من التخوين ، فهي الحالة الطبيعية لكل سلطة منبثقة من ارحام موبوءة !! وهي الحالة الطبيعية كذلك ، لكل ثورة اخلص الثوار لها ، ودفعوا دمائهم ، وفاء لبقائها وثمنا لديمومتها .
فالنظر اليها من خلال صناعة للوهم ، الذي يتنافى وحقائق قيامها ، في عصر مختلف جذريا ، عما يطرحه اعلام السلطة الماكث في زمن غير الزمان والمكان والتاريخ الذي ليس له علاقة بحاضر السلطة الذي تعيش ، اوهام ومبررات خارجة عن المضمون ، لا تستقر امام عواصف الامر الواقع الذي يضرب الحياة اليومية ويمزق الوجود ويحطم كرامة الانسان ، فالثورة وجودية الحال وظرفية الزمان والمكان ، ولا تخضع لأقيسة زمنية سابقة لحدوثها .
- قبل عامين من الآن ، وبعد عدة ايام من ٢٥ تشرين الاول - اكتوبر ٢٠١٩ ، سمعت هذه المحادثة التي دارت بين والد ٌ وولده في ساحة التحرير ولعلها كانت ثرثرة البسطاء التي تحاكي الواقع بكل طيبة قلوب الفقراء وتسامحهم وصدقهم وعفويتهم ، وبعد اداء صلاة المغرب والعشاء ، حيث دار الحديث عن الفائدة المرجوة من القيام بهكذا ثورة ، حصدت مئات الارواح وآلاف الجرحى والمعاقين ، ولا زالت غير واضحة المعالم ، ولا زال يكتنفها الغموض ، والفاسدون انفسهم لا زالوا يتربعون على موائد السلطة الشهية !!
حيث سأل الولد والده :
- بوية عود احنة صدك راح نرتاح ، بعد هاي التظاهرات اللي اختلط بيهه الدم والغاز ؟؟
- فأجاب الوالد ، منهو ، احنة ؟؟ نرتاح ؟
فقال الولد ، اي احنة .
فرد الوالد مبتسما : بوية وداعتك احنة من وعينا بهالدنيا ، لليوم ، مثل الغنم ، بس للذبح ! وتاكل بينا الوادم !
فأجاب الولد مستغربا : جا عليمن طلعنا يا بوية ! للموت ؟!
فقال الأب : لا بلكت ( عسى ) اولادك ، يكبرون ويرتاحون ، وهاي الدما ، ما تروح هدر وداعتك ! شباب فقير يريدلة خبزة ياكلها بشرف ، لا اكثر ولا اقل ، بوية !!
( إن الدنيا لا تهمنا كما أننا لا نهُم الدنيا فى شىء) *٣
- ولعله التبرير الاكثر تداولا عند قيام ثورة تشرين ٢٠١٩ وما قبلها وحتى يومنا هذا ، اجيالنا احترقت بحماقات القادة وفسادهم ، لعل جيلنا القادم ، ينعم بشيئ ٍ مما فقدناه ، انه الامل الذي لولاه - ما أضيق العيش دونه -
- انتهت تلك المحادثة القصيرة التي لا زال صداها يتكرر في انحاء البلاد ، بعد ثمانية عشر !! عاما عجافا ، لسلطة يقودها ، اقل ما يقال عنهم انهم الافسد والأكثر لصوصية وطائفية وابتذالا ونفاقا بتاريخ السَبابّات ، التي مرت على حكم العراق ، من الذين مروا مرور اللئام بتاريخه الطويل ،
حسن عزيز الياسري - ٢٠٢١/١٠/٢٧
☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆
*١ : مجلة العربي ، العدد ١١ لشهر تشرين الاول ١٩٥٩ واعيد نشر اللقاء في العدد ٦١٤ ، شهر كانون الثاني / يناير ، عام ٢٠١٠ ، ص ١٤٣ ، وهناك ما يشير لنفس المعنى بصورة اوسع وأدق ، للمفكر الاستلذ طه حسين في كتابه خصام ونقد ، صفحة ١٥٧
*٢ : غسان شربل ، العراق من حرب الى حرب ،
صدام مر من هنا ، صفحة ١٠
*٣ : نجيب محفوظ ، ثرثرة فوق النيل .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة أحمد الديين خلال الوقفة التضا
.. عنف الشرطة الأميركية ضد المتظاهرين المتضامنين مع #غزة
.. ما الذي تحقق لحركة حماس والفصائل الفلسطينية من القبول على مق
.. VODCAST الميادين | علي حجازي - الأمين العام لحزب البعث العرب
.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا