الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة وشرط المثقف

صلاح زنكنه

2021 / 11 / 4
الادب والفن


للثقافة مفهوم واسع ومتشعب, إن لــم نقل شبكة مفهومات متداخلة, ترتبـط بطروحـات المختصيـن مـن أنثروبولوجيين ومؤرخين وعلمـاء اجتماع وعلماء نفـس وأدبـاء ونقاد ومفكريـن ورجال دين وسياسـيين, كل منهم يرى الثقافة مـن وجهـة نظره وعبر حقل اشتغاله، من هنـا نجـد صعوبـة تحديـد المصطلح وتعريفه بدقة, لكون الثقافـة حسـب "أدوار تایلور" مركب كلي يشـتمل على المعتقد والمعرفة واللغة والفـن والأدب والفلسفة والأخلاق والقـانون والأعراف والتقاليد والقدرات التـي يكتسبها الإنسـان.

وضمـن هـذا المنظور يكون كل النـاس مثقفيـن كما يذهب غرامشي، لكن ليس لــهم كلهم أن يؤدوا وظيفة المثقـف فـي المجتمع, لأن شرط المثقـف عنـد غرامشــي يقـترن بالفعاليـة الايديولوجية, وهـو مـا يطلق عليـه صفة المثقف العضوي، ذلك الــذي يملك دوراً فاعلاً في المجتمع وموقفاً راسخاً من قضايا عصره، وهو بهذا يقارب، بل يطابق الـى حـد مـا شرط مـاركس لمفـهوم المثقـف والذي يكمن في عنصر "المغـايرة والتغيير" أي سعي المثقف لتغيـير بنى الفكر والمجتمع, وعلـى هـذا المنوال يجيء شرط سارتر الذي حدده "بالالتزام" كون المثقف كائناً ملتزماً بقضايا الإنسان وهمومـــه, ويتبنى (علـي حـرب) مفهوم المثقـف المسـتقل الـذي لا ينضـوي تـحـت أيـة مؤسسـة ويقرنه بشـرط الحريـة والنظـرة الشمولية، ويعيـب علـى المثقـف التقني "الاختصاصي" الذي يحصر الثقافة في زاوية ضيقة.

نستخلص مما ورد من آراء ومقاربات أن المثقف ليس المتعلـم الذي حصل على شهادة علمية فـي اختصاص معين، ولا الذي يخـزن كماً كبيرا من المعلومات في جـانب أو جوانب عـدة، وليـس الأديـب والفنان والسياسـي والتكنوقراطـ, مثقفا بالمعنى الدقيق للكلمـة, مـالم يمتلك شرط الثقافة الأساسـي "الأداة والفعل" و "الفكـر والسـلوك" أو بتعبير الغزالي "إن العلم بلا عمـل لا يكون، والعمل بلا علم جنـون" إذاً المثقف رجل علـم وعمـل، وهـو إنسان مسؤول يحمل علـى عاتقـه مسـؤولية اجتماعيـة وسياسـية وفكرية.

أما أولئك المثقفون الخـاملون الكسالى اللا أبـاليون, مـن حفظـة وتلقينيين وببغاوات بليـدة, والذيـن يعيشون فـي النصـوص الغـبراء العاطلة، متوهميـن أن أبراجـهم الكونكريتيـة تمنحـهم الحصانة والطمأنينة، متناسـيـن عـن عمـد ضجيج الحياة وصخبها, متغافلين عن شؤون وشجون الناس فـي القـاع وعلى السطح، مـهـادنين الخـراب والفساد والظلم طامعين بسلام كـاذب ورفاه زائل, فهم ليسوا أكثر من دمى ثقافية بهياكل جمالية محنطة, لا حظ لها في الديمومة والاستمرار, ولا أثراً يتركون كفقاعـات قـوس قـزح، وسـرعان ما يتناسـاهم التـاريخ ويطويهم فـي جلبابـه طيـا، لأن الثقافة هي "مـا يبقى فـي ذاكرتنـا عندما ننسى كل شيء" حسـب أدوارد هيريو، فعبر كل العصور والأزمـان, كان المثقفـون شـهودا وشـهداء, مدافعيـن عـن كرامـة الإنسـان, مناضلين من أجل مستقبله، عشـاق جمـال, وبنـاة حضـارة.

ولنـا أن نستذكر على سبيل المثال لا الحصـر, أسماء ابن رشد وغاليلو وفوليـتـر والطهطاوي وغوركي وهمنغـواي ونيرودا ولوركا ومالرو, وبريخت الذي قال "إن الأجيال القادمـة، لا تسـأل عن الزمن الرديء، وإنما سـتقول لماذا صمت الشعراء" والشعراء هـم كوكبة من المثقفين الذين لا يصمتـون في زمن صاخب ساخن مـهـمـا كـان رديئاً.

ورهان المثقف العراقي الآن من أهم رهانـات القـرن العشـرين, للفـوز بالمستقبل بعد أن خاض ويخـوض تجارب عسيرة، من حرب الى حرب, الى الحصـار وتوابعه وافرازاته, وتعـد بشـهادة الجميع من أخطر مخاضات تـاريخ العراق السياسي الحديـث, اسـتطاع المثقـف العراقـي أن يهضمها ويستوعبها ويتجاوزها, متخـذاً مـن شرط "التحدي" مرتكـزاً للكينونـة والإبداع.
***
جريدة الثورة 25 / 11 / 1999
جريدة الصباح 24 / 12 / 2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله


.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك




.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في


.. تأييد حكم حبس المتسبب في مصرع الفنان أشرف عبد الغفور 3 سنوات




.. عاجل .. إخلاء سبيل الفنان عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه