الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السقف الواطئ وسياسة فن الممكن

فيصل علوش

2006 / 8 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


حين أعلن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، في اجتماع سابق لوزراء الخارجية العرب، عن موت «عملية السلام» في الشرق الأوسط، أو تسليمها لإسرائيل لتفعل بها ما تشاء، تساءل آنئذ كثيرون عن المعنى الحقيقي لما قاله الأمين العام، خصوصاً أنه قد يفهم منه تبرير لأعمال أو لخيار المقاومة في لبنان والأراضي الفلسطينية.
وهل يعني هذا حالياً أن خيار الحرب أو المقاومة بات هو البديل المعتمد لوصول العرب إلى السلام المنشود؟
وإذا لم يكن الأمر كذلك، فما هي الاستراتيجية العربية الجديدة للخروج من مأزق انهيار عملية التسوية أو موتها؟ أو ما هي البدائل العربية الممكنة والتي قد يؤخذ بها في معالجة مشاكل المنطقة وأزماتها المزمنة، للوصول إلى حلول عادلة ومنصفة لها؟
الصمود البطولي الذي أبداه مقاتلو «حزب الله» في مواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان، والانتصار الذي حققوه عبر هذا الصمود، يدفع إلى الاستنتاج، أن خيار أو منطق المواجهة والمقاومة المسلحة، هو خيار منطقي وواقعي، شريطة أن يحصل على إجماع وطني داخلي، وعلى تغطية سياسية عربية له. لأنه، بغير ذلك، سيفقد أفقه السياسي، وتتحول أدواته إلى أطراف في صراعات داخلية مدمرة، تنزع عنها الشرعية وتودي بها إلى الهلاك.
يجب الاعتراف أنه من الصعوبة أو الاستحالة ترجمة الخيار السابق إلى واقع عملي في ساحتنا العربية، ويذهب بعض «الخبثاء المشككين» إلى القول إن القضاء على المقاومة في لبنان وفلسطين لم يكن هدفاً إسرائيلياً وأميركياً فحسب، بل كان هدفاً لأنظمة عربية معروفة ومحددة وعلى قدم المساواة أيضاً، مع الهدف الإسرائيلي والأميركي فكيف لمثل هذه الأنظمة إذن أن تعمل على دعم المقاومة وتغطيتها سياسياً وديبلوماسياً؟.
يدخل هنا في اعتبار البعض شبهة ارتباط المقاومة بأطراف إقليمية غير عربية، وبأهداف ومشاريع تلك الأطراف التي لا تحمل الخير، في نظر ذلك البعض، إلى العرب.
هنا لابد أن نسجل فعلاً ليس فقط غياب المشروع النهضوي العربي الذي طمح إليه رواد النهضة والتنوير منذ أكثر من قرن، بل حتى الحضور العربي الديبلوماسي الذي لا يترك للآخرين «أوتوسترادات» واسعة ينفذون إليها، ويتحركون داخلها جيئة وذهاباً بمطلق الحرية. فالطبيعة، لا تعرف ولا تعترف بالفراغ الناشئ، وفي حال وجوده لابد لأحد ما أن يملأه. وعليه، يخلص غير قليل من المراقبين والمحللين إلى القول، إنه في غياب هذا المشروع العربي أصبحت الساحة العربية نهباً وفريسة لمشاريع أميركية وإسرائيلية وإقليمية تتقاتل فيها وعليها.
وهكذا نجد أن الصمود الذي تحقق في الحرب الأخيرة، والذي يفترض أن يتم استثماره لصالح لبنان والفلسطينيين والعرب عامة، فإن تداعياته، على المستوى العربي الرسمي، لم تكن كذلك، بل هي تهدد بتحولها إلى عكس ذلك تماماً، من خلال بوادر الانقسام الواضح في الصف العربي الذي يترتب عليه نشوء محاور وصراعات تهدد النظام الإقليمي العربي برمته، وتدخل المنطقة في أتون حروب ونزاعات تستنزف طاقاتها ومواردها لسنوات أخرى طويلة، لننظر مثلاً في صفقات الأسلحة الغربية التي عقدتها غير دولة خليجية.
قد يذهب البعض حدّ مطالبة وزراء الخارجية العرب بضرورة استنفار كامل طاقات الأمة وإمكاناتها ووضعها تحت تصرف المقاومة، وتجييرها في وجه الصلف والغطرسة الإسرائيلية.
قد يطالبون مثلاً بتحريك الجيوش العربية أو التلويح بذلك، واستخدام سلاح النفط أو مجرد التلويح باستخدامه.
وقد يطالبون باستعمال سلاح المقاطعة وطرد سفراء إسرائيل وممثليها من العواصم العربية وسحب السفراء العرب كذلك من العاصمة الإسرائيلية. أو على الأقل سحب الأرصدة العربية من بنوك ومصارف الدول التي لا تناصر العرب ولا تقف إلى جانب مطالبهم واستعادة حقوقهم.. الخ حتى لو لم نطالب بكل ذلك، وألزمنا أنفسنا بقدر كبير من الواقعية وسياسة فن الممكن، لقلنا أن بإمكان العرب، وبإمكان وزراء خارجيتهم، الخروج بسقف أعلى من القرارات.
بإمكانهم مثلاً، وأمام التركيز الأميركي والإسرائيلي على تطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تخدم أهدافهم ومصالحهم، أن يطالبوا ويركزوا بالمقابل على تطبيق كافة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة ومنها 242 و338 و194 الخاص بقضية اللاجئين. بإمكانهم أن يشترطوا، مثلاً، تطبيق تلك القرارات جميعها كرزمة واحدة. وكفّ الدول الكبرى عن ممارسة الازدواجية واستخدام المعايير المزدوجة، فهل هذا مطلب طوباوي؟! بإمكانهم، مثلاً، أن يجترحوا طريقة ما للفت انتباه الإدارة الأميركية إلى أن الحرب الإسرائيلية على لبنان وعلى الفلسطينيين لا تندرج، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تندرج، في إطار الحرب الأميركية على الإرهاب، وبأن إصرار الإدارة الأميركية على عدم التمييز بين المقاومة والإرهاب سيجّر المنطقة إلى ويلات وكوارث جديدة، وسيعرّض المصالح الأميركية للمخاطر والتهديد في الوقت نفسه.
بإمكانهم، مثلاً أيضاً، أن يطلبوا من واشنطن التخلي عن انحيازها السافر إلى إسرائيل وفك تحالفها المشين مع اليمين الإسرائيلي المصر على تعنته وغطرسته، وعلى عدم وجود «شريك فلسطيني» للمفاوضات، وأن مثل هذه السياسات، الأميركية والإسرائيلية، هي التي قتلت عملية التسوية، وهي التي خيبت رجاء كافة القوى التي راهنت على المفاوضات والسلام، وأفضت في النهاية إلى زيادة التطرف ونمو ظاهرة العنف.
بإمكانهم استخدام طاقاتهم وإمكاناتهم، أو بعضها فقط، لإقناع واشنطن أن «الشرق الأوسط الجديد» يقتضي اجتثاث أسباب الصراع من جذورها، ودفع استحقاقات وأكلاف التسوية والتعايش المشترك، والذي يحتاج أول ما يحتاج إلى إعادة الحقوق المشروعة لأصحابها. فهل هذه المطالب خيالية ولا طاقة لنا عليها؟!.
الأمين العام عمرو موسى عاد وأعلن أخيراً أن مبادرة السلام العربية المقرة في بيروت لم تمت، وأن «عملية السلام» التي كانت تقودها واشنطن وسلمتها إلى تل أبيب هي التي ماتت. وكشف عن عزم الجامعة العربية العودة إلى مجلس الأمن لتحريك المفاوضات وعملية السلام.
تُرى، هل ثمة فرق كبير بين واشنطن ومجلس الأمن؟ وهل سنعود مرة بعد أخرى إلى تجريب المجّرب، خصوصاً إذا كان ذلك لا يتوسل سوى المناشدات الأخلاقية ووالاستجدائية ؟!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا