الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي حرب.. فرض الوصاية على الحقيقة والمعرفة مهمة فاشلة

فهد المضحكي

2021 / 11 / 6
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


في كتابه «أزمنة الحداثة الفائقة..الإصلاح- الارهاب- الشراكة» الصادر عام 2004 يتساءل المفكر اللبناني علي حرب، أين أصبحنا من الصراع الفكري الدائر حول الحداثة وما بعدها، وهل نتوقف عند الحداثة أم نتطلع إلى ما بعدها؟ وهل القضية هي أن نصطف في هذه المدرسة أو نتعصب لهذا المذهب أو نعسكر وراء ذلك النهج؟ بل هل مازلنا على الساحة الثقافية العربية نملك المصداقية فيما ندعي ونطرحه من القضايا والشعارات أو في ماتخوض فيه المعارك والصراعات؟ برأيه أن السبب في إثارة هذه الأسئلة هو اننا ننخرط في لعبة الصراع والتعريف والتصنيف، فيما نحن لسنا من صناع الحداثة الفكرية ولا من المبدعين في ما بعد الحداثة. من هنا كانت الخشية أن تنطوي سجالاتنا على كثير من الخداع والتهويل أو الضجيج الذي يستهلك الجهد والطاقة، أو أن تتحول متاريس عقائدية تنتج العوائق المعرفية فيما المطلوب واحد: إثبات جدارتنا الفكرية بإنتاج أفكار خارقة ومعارف ثمينة حول واقعنا و مجتمعاتنا أو حول الواقع والعالم يمكن أن يفيد منها الآخرون بقدر ما تخلق مجالها التداولي على ساحة الفكر العالمي. أما المدارس والمذاهب والمناهج، فإنها مجرد أطر أو أدوات لتحقيق هذا المطلب الوجودي. وهذا ما لم نفلح فيه حتى الآن بصورة مرضية أو مثمرة. ولذا لم تعد المسألة بالنسبة إليه مجرد صراع بين هذه المدرسة او تلك. وليست القضية أن نسبح بحمده ما بعد الحداثة لقتل الأباء الحداثيين أو لنمارس علاقتنا بهذا النوع من الادعاء أو السطو على منجزات الآخرين كما يفعل الكثيرون. كذلك ليست المسألة نتشبث كالغرقى بالحداثة ومفرداتها كما يفعل الخائفون مما بعد الحداثة ونقادها أو المذعورون من العولمة وفتوحاتها. وبالطبع ليست المسألة أن نحمل على الحداثة وما بعدها لكي نرجع إلى ما قبل الحداثة، كما يفعل الدعاة التراثيون الذين يملأون الاسماع والشاشات بدروسهم وامواعضهم وفتاواهم. فالمشكلة الأساسية كما يتصورها حرب ويعتقدها، إن التمترس وراء المذاهب وتأليه الأفكار وعبادة الأفكار الحديثة والمعاصرة قد أنتجت نماذج تهيمن على ساحة الثقافة، تجعلنا أن نترجح بين جمهور الداعية وتنظيم «القاعدة» أي بين «ألابله الثقافي» الذي يجري غسل دماغه ليصبح طوع امر شيخه وبين «الاصولي الإرهابي» الذي يريد إنقاذ الأمة والبشرية بزرع الرعب وسفك الدماء، او بين المحافظين الجدد من التنظيمات الإسلامية «والرجعين الجدد» من ذوي الاتجاهات السياسية المختلفة، بإختصار: نحن نتردد بين «ديناصورات التراث» الذين يشتغلون بتقديس التراث أو أولئك الذين يلوكون الشعارات، منذ عقود، ولم يستطيعوا التجديد في مصطلحات العقلانية والاستنارة والحرية والحداثة. ولذلك يشكل بعض المثقفين الحداثيين الوجه الآخر للداعية التراثي من حيث العجز عن الخلق والابتكار.

والعلة في ذلك حسب تصوره إن الوثقوقيات تسيطر على المعرفة، بحيث طغت على نشاط الذهن هواجس الذاتية والاعتبارات العقائدية والادعاءات المثالية والخرافة، فضلا عن تقديس النصوص، مما يعطل لغة الفهم ويشل إرادة المعرفة ويدمر منابع المعنى ومصادر القوة، بقدر ما يموه المشكلات ويحجب الوقائع والحقائق. ويشير إلى الوقائع الخطابية الشاهدة على ذلك، فيذكر إننا نتعامل مع الآثار الفكرية بمنطق تبشيري، سلباً أو إيجاباً، أو مماهاة، لكي نتماهى مع هذا الفيلسوف بوصفه نموذج الحداثة والعقلانية ( إشارة إلى تعامل محمد عابد الجابري مع ابن رشد بوصفه النموذج الذي يمكن احتذاؤه اليوم )، ونصنف المعارض له في خانة النقل والتقليد. اونتعامل مع هذه الآثار بالعكس، لكي نعتبر هذا العالم ممثل الأصالة التراثية ونصنف المختلف عنه في معسكر المضاد، كما تعامل الكثيرون مع إبن رشد وابن خلدون، او كما يقرأون الكتاب الديني والفلسفي. والنتيجة هي اختزال الآثار والأعمال بقراءتها قراءات فقيرة هشة. ذلك أن النصوص الهامة أكانت قديمة أم حديثة، هي بحسب «نقد النص» وقائع خطابية لا يجدي نفيها كما يستحيل التطابق معها، وإنما هي تتعدى أصحابها من حيث الكثافة الرمزية أو من حيث طياتها الفكرية ومفاعلها الدلالية. ولذا فهي تحتاج إلي أن تقرأ قراءة حية وخصبة تجدد المعرفة بها، بابتكار جديد من الأسئلة والمحاور والمناهج. واما المواقف العقائدية منها، وايا كان الاختلاف بشأنها، فإنها مجرد حوافز لتحقيق هذا المقصد. في نقده للوصاية الفاشلة، يعتقد أن من وجود استبدادنا إننا مارسنا الوصاية على شؤون الحقيقة والمعرفة والحرية والعدالة، فكانت النتيجة انهيار وسقوط الأحلام،لإنتاج المزيد من الاستبداد والتفاوت أو الحجب والتضليل. وتلك هي ثمرة التعامل مع الناس والمجتمع بعقلية نرجسية نخبوية فوقية تقوم على احتقار الناس باحتكار قيم الوعي والمعرفة والإبداع: «نهاية المثقف»صاحب الدور الرسولي وفقدان لمصداقيته وفاعليته فيما يدعيه او يدعو إليه، بعد فشل المزدوج في المهنة المعرفية والمهمة النضالية. ومن هنا يستعرض بعض المفارقات، من بينها إن الغربيين يعرقلون أكثر مما تعرفه، ليس فقط عن العالم بل عن تاريخنا وتراثنا، إذ هم يعتبرون أن من عوامل قوة الحضارة العربية الإسلامية وانتشارها إنها كانت حضارة تواصل وتبادل وتجارة، فيما نحن لانتوقف عن مهاجمة العولمة والتجارة والسوق والمبادلات، والنتيجة هي بالطبع المزيد من العجز والهشاشة أو التبعية والهامشية. وتلك هي ثمرة التشنج الثقافي وا الاستبداد الفكري. ومن آخر ما ابتكرته مخيلتنا الاستبدادية في هذا الخصوص أن نستعير شعار الزعيم الأوحد من مجال السياسة إلى مجال الثقافة. هذا مافعله كاتب شاء الثناء على كاتب آخر، فاعتبر المرجع الثقافي «الأوحد» الذي تفزع اليه الأمة والناس وسط الأزمات المستحكمة المخاطر المحدقة. وتلك هي الكارثة: أن نتعامل مع المشكلة بوصفها الحل، بقدر مانعتبر أن هناك فردا واحدا يحمل وحده مسؤولية التفكير والتقرير عن الجميع في مواجهة الأزمات والتحديات إذا لاشئ يدمر القضايا والمشاريع أكثر من أحادية المرجع والقطب والرأي والصوت. والمقصد من ذلك واضحا في قوله: «نحن نعارض الساسة ولكننا نتواطأ معهم في النهاية في منازعهم والقابهم، واحاديثهم. مثل هذه النرجسية الصادرة عن إرادة التأله وعشق الذات وعبادة الشخصية هي التي تجعل النخب الثقافية والسياسية تسهم في إنتاج الأزمة وتشويه السمعة. والثمرة هي الهزال الوجودي كما يتجلى فقرا أو ضعفا في المعرفة والثروة والقوة». على أية حال، قد نتفق او نختلف مع ما ذهب اليه هذا الخطاب من أفكار، إلا أن ما يمكننا قوله هنا هو إن بعض التصورات والآراء عن النخب الثقافية والسياسية ربما تعتبر غير دقيقة لانها تقوم على التعميم والأحكام المطلقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟