الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهادات اطفال الانفال - 1

يوسف ابو الفوز

2006 / 8 / 25
حقوق الانسان


اطفال الانفال هو العنوان الداخلي لكتابي ، الذي بدأت العمل فيه بعد احداث الانفال مباشرة ، وكنا لا نزال بالملابس التي اجتزنا فيها الحدود العراقية نحو الاراضي الايرانية ، وفيما بعد صدر عن وزارة الثقافة الكردية في السليمانية ، في شتاء 2004 ، وتحت عنوان (لدي اسئلة كثيرة او اطفال الانفال ) . هنا سأعيد نشر جزء من مقدمة الكتاب ليكون القارئ في صورة الاحداث ، واورد بعض القصص ـ الشهادات التي ضمها الكتاب .
***
في 28 أب 1988 ، وبعد استعدادات مكثفة ، وفي تصعيد جديد لـ " أنفال" النظام الديكاتوري ( المقبور ) ، حملات الابادة ، السيئة الصيت ، بدأت قوات مكونة من عشرات الألوف من قوات الأفواج الخفيفة من المرتزقة "الجحوش"، وثلاثة فيالق عسكرية من جيش النظام الديكتاتوري مدججة بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة وفي مقدمتها الأسلحة الكيماوية، بدأت عملياتها العسكرية الواسعة واجتاحت كل القرى التابعة لاقضية زاخو والعمادية (محافظة دهوك) والشيخان وعقرة (محافظة الموصل ) ومناطق واسعة من محافظتي السليمانية واربيل ، ودمرت كل مظاهر الحياة بنسفها وإحراقها للقرى والبساتين والينابيع وباستخدامها البشع للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا.
وخلال أسابيع حصد الديكتاتور ( المقبور) صدام ، " نصرا " باهرا في حربه ضد الشيوخ والأطفال والنساء ، حيث دمر اكثر من أربعة آلاف قرية ومدينة ، واجبر غالبية سكانها على السكن في معسكرات جماعية ، وكان هناك الآلاف من القتلى والجرحى والأسرى . وفي وسط همجية ووحشية النظام الفاشي لم يجد اكثر من مئة آلف مواطن ، ومن اجل الحفاظ على حياتهم سوى الاضطرار إلى ترك قراهم وممتلكاتهم ، واللجوء إلى تركيا وإيران في ظروف عصيبة وقاسية. استمرت حملة الابادة أسابيع قليلة ، شهد فيها الشعب الكوردي مأساة مروعة تضاف إلى سجل بطولات مارشال المارشالات المزيف ، في حربه الشوفينية لإبادة الشعب الكوردي ولتصفية الحساب مع قوات البيشمه ركه ، أسابيع شهد فيها كل مواطن كوردي مأساته الخاصة ومأساة شعبه ، في صور وأحداث تبدو قريبة إلى أجواء الأساطير وخرافات ما قبل التاريخ فيما لو جمعت كلها وقدمت للرأي العام .
وكنت هناك ... مع رفاقي الأنصار ، انصار الحزب الشيوعي العراقي ، في قلب الأحداث ، وسط أجواء التحدي والموت والجوع والعطش .
كنت هناك ... مع بسطاء الناس ، جزءا من المأساة ، وواحدا من ضحاياها .
كنت هناك ... مع الجميع شاهدا على كثير من فصول جريمة الديكتاتور ونظامه الشوفيني الفاشي ، و ما جرى بحق ابناء شعبنا الكوردي .
هنا ، سأحاول ، عبر هذه الصفحات ، وبتواضع أن ارصد بعض مما جرى ، ومن خلال زاوية محددة : الأطفال الأكراد !
.....
.....
لن اكتب فقط ما رأيت ، وما سجلت في دفاتري ، فشهادتي وشهادة الآلاف من الرجال والنساء ، المقاتلين والطلاب والفلاحين لن تجسد الحقائق المروعة اكثر من شهادات الأطفال أنفسهم الممهورة بالصدق والبراءة والرعب !
حملت أوراقي وتوجهت للأطفال ، وأيضا لبعض الأنصارـ البيشمه ركه الابطال ليكونوا عونا لي !
الأنصار : تم اختيارهم ، من بين الأنصار الذين تمكنوا بعد صعوبات ومشاق أسطورية من الوصول إلى الأراضي الإيرانية ، وأحاديثهم هنا تأتي من اجل عكس جانب من صورة المأساة ، وتم اختيارهم حسب علاقتهم ببعض الأحداث وخصوصا بما ورد على لسان بعض الأطفال من حكايات .
الأطفال : تم اختيارهم عشوائيا ، من بين الأطفال الأكراد اللاجئين في مخيم خوي في إيران ، وهنا سأثبت أجوبتهم ، من دون الأسئلة الموجهة لهم وباعتقادي ليس من صعوبة أمام القارئ لاستنتاج ماهية الأسئلة .
***

قصة الطفلة فوزية
حدثني النصير بوتان :
أثناء انسحابنا بأتجاه الحدود التركية ، بعد المعركة التي جرت عند قرية (سوري) بين الأنصار وقوات السلطة ، وعبرنا فيها وبقوة سلاحنا نهر الشين ، تحركنا في طرق صعبة وغير سالكة ، كي نتجنب الاصطدام مع قوات السلطة الفاشية المنتشرة في كل مكان ، وكنا بدون إدلاء ، كنا مفرزة أنصارية كبيرة ، وفي حمايتنا يتحرك عدد كبير من العوائل ، وبلغنا قرية (هيرياش) عند الساعة الثامنة مساءا . متعبون جدا . قررنا اخذ استراحة جيدة ، وأثناء الاستراحة اكتشف بعض الأنصار طفلة عند تبع الماء . حيث بدا واضحا أن الارتباك والذعر الذي دب بين صفوف الناس جعلهم لا ينتبهون إلى طفلتهم الصغيرة التي سرقها النوم.
دار نقاش حول كيفية نقل الطفلة حيث لا توجد معنا حيوانات ، والطريق طويل وصعب وملئ بالاحتمالات الخطرة وجميع الأنصار متعبون ومثقلون بأسلحتهم .
فتطوعت لحملها طالبا من الرفاق مساعدتي في حمل حقيبة ظهري وبندقيتي في بعض الأوقات حين لا تكون ثمة خطورة . تلك الليلة بقينا في (هيرياش) ، حيث كانت الطفلة نائمة بوداعة ، لا تدري بقدومنا ولا تدري ما الذي يجري . تحركنا مع الفجر ، والطفلة لا تزال نائمة على ظهري . مع أول النهار استيقظت . لتجد نفسها بين وجوه غريبة لم ترها سابقا ، فخافت كثيرا وانخرطت في بكاء حاد ، وبصعوبة استطعت أن اجعلها تطمئن وتهدأ .
اسمها ( فوزية تازدين ) من قرى منطقة الزيبار ، عمرها حوالي ست سنوات . كانت خجولة جدا ، نحيلة ، طويلة القامة ، وبدأت شيئا فشيئا تألفني ، وأخذت تحدثني عن عائلتها ، لكنها ظلت تخاف الأنصار الاخرين .
كنا نسير دون توقف . وكنت احملها على ظهري . وكانت الطرق صعبة . وعند الظهر جاء الطيران . كان يبحث عنا . وبدأ يمشط الطرق والأماكن المحتملة لمرورنا واختفاءنا . اختبأنا عند قرية (وره خر) حتى فترة العصر ، وخلال هذه الفترة بدأت فوزية تطمئن لنا اكثر ، وبدأت تتحدث مع الأنصار الاخرين وتتعرف إلى أسمائهم . عند العصر تحركنا باتجاه الحدود التركية. كنا نصعد منحدر جبلي وعر ، وحصل أن وصل وفي وقت واحد والى نقطة واحدة عند قمة المنحدر وفي سباق عصيب : مقدمة مفرزتنا التي تؤمن لنا الطريق و... قوة من المرتزقة (الجحوش) تحاول قطع الطريق ومنع عبورنا !
فورا ، بدء الاشتباك الضاري بين المجموعتين ، ومن طريق أخر وصلت إلى المكان قوة من البيشمه ركه ، من الحزب الديمقراطي الكوردستاني (حدك) ، لم تكن تعرف بوجودنا ، لكنها فورا وجهت نيرانها إلى قوات المرتزقة (الجحوش) ، فأصبحت مجموعتنا بين نارين ، وبصعوبة استطعنا الاتصال بقوات (حدك) لينظموا نيرانهم جيدا ، وتحركت مفرزتنا تحت ستار النيران لتواصل مسيرتها، وتركنا مجموعة بطلة من أنصارنا للمشاغلة وحماية ظهورنا ، وسرنا الليل كله ، وأخذنا استراحة حتى لحق بنا مجموعة المشاغلة والحماية سالمين من دون خسائر، فمنحنا هذا حماسا اكبر ، فواصلنا المسير، وخلال كل هذا الذي جرى كانت فوزية ، هادئة ، مربوطة إلى ظهري .
دخلنا الأراضي التركية من جهة منطقة( اتوش) وحين وجدنا أنفسنا وسط العوائل التي سقبتنا إلى هناك انفجرت فوزية في بكاء مر ، يبدو أنها تذكرت أهلها ، إذ أثارها منظر الأمهات والأباء يتحركون بمعية أطفالهم ، وبصعوبة استطعت تهدئتها ، ورحت أدور بين العوائل اسأل عن أهلها ، وبالصدفة قابلني شابان ، تعرفت فوزية عليهما ، كانا أخويها ، لكني لم أسلمها لهما إلا بعد أن تأكدت وتوثقت منهما تماما .
لقد وجهت عائلة فوزية لي ولرفاقي الأنصار الشكر الكثير لإنقاذنا فوزية .
ومن اخوي فوزية عرفت أن عائلتهم المكونة من سبعة أشخاص لم يبق منهم سوى أربعة ! فأبوهم مفقود. والأختان الكبيرتان أسرتا من قبل الجيش عند عبور نهر الزاب. ومع مجيء فوزية صارت العائلة أربعة أشخاص ، فوزية التي كانوا قد يئسوا منها وعدوها ضمن المفقودين

_________________
* الجحوش : جمع كلمة جحش ، وباللغة الكوردية تكون ( جاش ) وهذا تعبير ساخر يحمل استهانة واحتقار وعدم احترام ابناء الشعب الكوردي لابناء جلدتهم الذين يشكلون قوام وحدات المرتزقة التي يديرها النظام الديكتاتوري تحت اسم ( قوات الفرسان ) وبلغ تعدادها اكثر من ثلاثين الف مرتزق وكان لها دور قذر في تنفيذ حملات الانفال .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان


.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي




.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن


.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك




.. فشل حماية الأطفال على الإنترنت.. ميتا تخضع لتحقيقات أوروبية