الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هؤلاء في إبداع صلاح زنكنه

صلاح زنكنه

2021 / 11 / 8
الادب والفن


حين طلب مني الأستاذ القاص (حاتم حسن) أن أكتب نبذة عن تجربتي القصصية إزاء إشكالية الواقع ودور المحفزات والمثبطات من بيئة وشخوص ومرجعيات, في تبلور هذه التجربة, شعرت بحيرة وإرباك أمام هكذا موضوع شائك, وما يتطلبه من مكاشفة ومراجعة واستذكار, وها أنا أستجيب لدعوته, محاولا أن القي بعض الضوء على مراحل التكوين والتواصل والحضور, بعجالة عسى أن أفلح في ذلك.

في سن مبكرة وفي بيئة فقيرة بدأت ارهاصاتي القلقة للبوح, بوح ما يعتمل داخلي من أسى وشجن وتمرد , لأخربش على الورق عواطفي وانفعالاتي بتهويمات شعرية ساذجة, وانغمست في المسرح المدرسي ورحت أمثل وأكتب (اسكتشات) مسرحية, وأقرأ بنهم كل ما يقع تحت يدي من سلسلة المسرح العالمي (المصرية, ثم الكويتية) شكسبير وأونيل وآبسن وبرنادشو وبيكت, بل وتجرأت وكتبت عدة مقالات عن مسرحيات شاهدتها على مسرح بعقوبة ونشرت في جريدة (التأخي) وأنا لم ابلغ سن السادسة عشرة بعد, وكان شفيعي آنذاك الصحفي (ابراهيم علي محمود) الدكتور في ما بعد, الذي نصحني بأن أترك الشعر وأهتم بالمسرح وتجلياته.

ومن خلال قراءتي وشغفي بالأدب المسرحي, استهوتني القصص, فقرأت خلال سنتين ثلاثة أرباع نتاج القصة العراقية, منذ الرواد والى الستينين والسبعينين, فضلا عن روائع القصة والرواية العالميتين, وكان (تشيخوف) هو الأقرب الى نفسي.
في مطلع السبعينات كان أستاذ اللغة الانگليزية في مرحلة الدراسة المتوسطة هو المترجم والصحفي (شاكر نوري) الدكتور والروائي في ما بعد, يشجعني على القراءة ويفاخر بي أمام التلاميذ, حتى غدا صديقا رائعا لي, ومن دواعي سروري أن أتعرف في هذه المرحلة على رجل مثقف موسوعي مثل (جلال زنكبادي) الذي أغناني بثقافته المعرفية الواسعة, ومن ثم على المخرج (صباح الأنباري) الذي كان بمثابة الأستاذ والمعلم, الذي فتح أمامي أفاق الفكر والمعرفة على سعتها, وفي ثانوية بعقوبة كان أستاذ اللغة العربية الكاتب المسرحي الكبير (محي الدين زنگنه) يستحسن إنشائي, ويعطيني درجة عالية في العربية, وتعلمت منه كيف يحترم الكاتب كلمته, وكان الناقد (سليمان البكري) بمثابة الأب الروحي الذي يولي اهتماماً خاصاً بي وبأقراني.
وهكذا ومنذ منتصف السبعينات، دخلت معمعة القراءة والتثقيف والتجريب، كتبت عشرات النصوص ومزقت العشرات, وما زلت أحرص على نوعية ما أكتب, وأتعلم من أخطائي وهفواتي, علما بأنني مقل في الكتابة مقارنة بمن سبقوني ومن جايلوني, ولم أصدر مجموعتي القصصية الأولى إلا بعد سن الخامسة والثلاثين وها أنا في سن الأربعين ومجموعتي الثانية لم تر النور بعد.

وعودا الى البدء, أعتقد جازما أن الكاتب والشاعر والفنان كائن مفرط الحساسية وهذه الحساسية هي التي تشاكله مع الواقع، فكلما ازداد وعيا كلما ضاق بالثوابت والتابوات, وهو بهذا كائن قلق مفارق وعلى خصام مع محيطه الذي يعج بالمتناقضات والأضداد ابتداءً من البيت ومرورا بالشارع، وانتهاءً بالمؤسسة, ومتى ما تواءم واستكان لمفردات الواقع واستسلم بسهولة لمغريات الحياة والمعيشة والأسرة والبهرجة, وانخرط في أيديولوجية عصره, دون أيما وقفة، وأيما موقف، حينها سيفقد جذوة الإبداع, ويلفظ أنفاسه.

وشخصيا ككائن ثقافي, أدرك مسؤولية الكتابة, وأومن مع المتنبي بـ (إن الرأي قبل شجاعة الشجعان) وإن صوتا شجاعا واحدا هو الأكثرية, ومن هذا المنطق كثيرا ما اصطدام بعنت المجتمع وتجافيه لما هو جمالي, فأزداد اصراراً على المضي قدما, لقول كل أود قوله عبر القص, من أجل ترميم العوالم المهدمة بالكلمات.

واكتشفت فيما بعد, إننا كلما حققنا نجاحاً طيباً, وكسبنا أشواطاً في مضمار الإبداع, كلما تربص بنا الحاقدون والحاسدون, من كتبة ومتشاعرين وعاطلين عن الابداع، يتسقطون هفواتنا وعثراتنا, وهم في كل شوط خاسرون، وفي كل فرصة خائبون, وهؤلاء متوفرون في كل الأزمان, وفي شتى بقاع العالم، إلا إنهم دوما طي النسيان, كونهم لم يخلفوا وراءهم شيئا يذكر سوى السفاسف.

وفي مسك الختام, أقر وأوكد أن البيئة العراقية بكل ارثها وعنفوانها وتركاتها, هي التي صيرتني وانضجتني, ولو لم أعش في العراق وأعجن بشهيقه وزفيره, لما استطعت أن أنجز ما أنجزته, خاصة في ظرف المحنة (ففي الازمات تكون الحياة ذات معنى أكبر) كما يؤكد الشاعر (تيدهيوز) والذين خاضوا غمار التجربة, أعني تجربة الكينونة, هم وحدهم يدركون معنى أن تكون وتتكون في زمن صعب وعسير.
...
جريدة الثورة 25 / 4 / 1999








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي