الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتهاء الصلاحية -6*

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 11 / 8
الادب والفن


متى تشكلّ كل ذلك الألم ؟ كنت فتاة عادية جداً أطمح أن أبني البيوت و الجسور. تخيلت جسراً يصل بين الأرض و القمر .
ما أجمل الحلم!
عندما كنت أتخيل الجسر الذي يصل إلى القمر لم أكن أعرف شيئاً عن المسبار، لكنّني كنت أعتقد أن الأرض سوف تضيق بسكانها، وسوف أبني لهم جسراً يعبرون من خلاله إلى القمر . بكيت مرات عديدة و أنا أصعد الجسر : كيف سوف أفارق الأرض ؟
في مرّة حلمت أن يكون لي زوج و أطفال، ثم تذكرّت أنني عانس . كان ذلك عندما كنت في العشرين من عمري . اليوم قاربت على الثلاثين، ونمر أكبر مني بنصف عام. هو أيضاً من بلاد النّحس ، لن يتزوج إن لم يستطع بناء أسرة .
نحن من بلاد النّحس
كيفما اتجهنا تصدنا الرّيح
في بلاد النحس تعيش الغيلان في الزوايا
نبحث عن طعامنا
وعندما نحصل عليه يخطفونه
ابتسم أنت في بلاد النحس
أو ابك لو شئت ، لن يتغير الأمر
أنا في عائلة منحوسة حقاً ، أغلب الفتيات يجدن أزواجاً . هنّ لسن جميلات ، لكنّنا عائلة مميزة ، لذا أنا عانس ، لأن أمي قالت أن العلاقة مع الرجال تمس الشرف إذا أنا بلا شرف فقد أقمت تلك العلاقة مرة برغبتي، ومرة بالإكراه. ليتهم يقتلونني دفاعاً عن شرفهم .
. . .
-مرحبا ياحياة !
-أهلاً نمر . ما بك ؟
-لقد قتلت أختك نغم غسلاً للشرف ، لكن تقرير الطبيب الشرعي يقول أنها عذراء .
-من أين سمعت؟
-هذه هي الجريدة: صهر العائلة يقتل أخت زوجته غسلاً للعار، و لأن أخاها في السجن، وليس هناك من يغسل الشرف غير الصهر .
هل اعاتب أمّي ؟
هل أحاكم أختي نغم العذراء؟
هل أرتكب جريمة و أقتل صهري ؟ هو يستحق القتل لأنّه قاتل ، و لأنه بلا شرف . أختي الصغيرة نغم كانت أمي تطاردها وتضربها ، وكأنّه اخططت لتتهمها ، ومن ثم تقتلها فترتاح من همها. إما الموت، أو الزواج، نغم سعت للزواج ولم تستطع .
-اتركي الأمر للقضاء يا حياة!
-اعتقدتك أذكى ! عن أي قضاء تتكلم نحن الآن عائلة مدمرة . أخت مقتولة ، أخرى ترغب في قتل نفسها، و أخ في السّجن .
أسأل نفسي إن كنت مسؤولة عن هذا الشقاء
أجول في ماضي طفولتي
منحوس كلّ من يعيش في تلك الدّار
كان أبي مسلوب الإرادة
أمي تخاف ، و أنا أقع في دائرة النّحس
اختارنا القدر لنمثل وطنا
نصفه مقتول ، نصف مغتصب
وطن مسجون بين أسياج الظلم
لم يعد لي عائلة
ابتلعها الغول
أرسلها الوطن في رحلة إلى المجهول
وحيدة في هذا العالم
أصارع من أجل البقاء
يتربّص بي الغول
أترك أمي وحيدة
هل إذا كانت تحاربني علي أن أتخلى عنها
كانت خائفة من البشر
لم يعد هناك داع للخوف
وقع المحظور
-كوني هادئة ياحياة. هذا الندب لن يعيد أختك ، لكن قد تكون أختك هي القضية التي نبحث عنها كي لا نجعل غيرها من النساء في فم الغول.
-لماذا أهتم لغيرها من البشر ؟
لم أجد في طريق الحياة بشر
أريد أختي و أخي
أنقذ أختي من فم الغول
سوف أنتقم يانمر
سوف أقتل زوج أختي ، و أنتظر عند جثته كي يأخذني العسكر إلى السجن.
لن تعود أختي لو قتلته
لكنني سوف أنقذ أختاً تحاول الانتحار
منذ اليوم سوف أفدي المظلومين
سوف أقتله يانمر
تصور كيف تطورت أحلامي من مهندسة تبني الجسور إلى قاتلة
لا أحلم اليوم إلا بقتل هذا الكائن
الآحلام هنا تتهدّم
. . .
تمر الأيام ، تعود حياة إلى مدينتها، ترى أمها مريضة ، تأخذذها إلى الطبيب، تدفع تكاليف العلاج ، تقرّر أخذ الأم إلى العاصمة .
ماذا أقول لأمي ؟
لن أقول لها شيئاً
هل أحاسبها ؟
فات الأوان
هل أقتل صهري اليوم ؟
لا أستطيع أن أريق دمه حتى لو كان خنزيراً .
ياللهول! ما أضعفني!
أنا في أسوأ حالاتي

-ما رأيك يا أمل أن نتزوج ، فنحن نعيش معاً منذ زمن طويل ، وتعودنا على بعضنا البعض .
-هل إذا أنجبنا الأطفال سوف تحميهم؟
نعم. أفكر بالخلاص من هذا المكان.
-وأمي . لمن أتركها .
-الخلاض فردي، لا يمكننا أن نخلّص العالم من الظلم . يمكننا أن نخلّص أنفسنا فقط .
-سوف نترك لوالدتك بعض المال، وعندما نستقر نبحث عن وسيلة نجلبها فأنا أيضاً لديّ أم أحبّها وسوف أحاول تخليصها .
-أمّك ليست كأمّي. أمي كانت سبباً في بعض مصائبي ، لكنني نسيت بعد مرضها أصبحت أخاف عليها .
-دعينا نرحل الآن ، فالوقت ليس في صالحنا ، ولا في صالح أحبتنا . قد نستطيع تقديم العون لهم . الحدود قريبة ، فقط علينا السباحة في ذلك النّهر ، قد نغرق، ولا نكمل المشوار .
-لا أعرف كيف أفكّر في الرّحيل ، و أترك خلفي أناساً يتألمون . مالفائدة لو بقيت، ولم أستطع أن أساعدهم؟ هل تعرف كيف أنظر لنفسي ؟
أنا تلك العاهرة الخاطئة التي تستحق لموت. كلّهم على صواب. لو كنت قوية لما تجرأ احد عليّ . كان يجب أن أقول لا. لا لآمي، لا للمجتمع، لا للمعلم ، ولا للعمل في البيوت . هنا ليس من حقك أن تحلم . هنا كلّ شيء مسموح به إلا الحلم .



سوف أرحل معك ، لن أكون سعيدة ، ولن أستطيع إسعادك. لو ملكت الجنة لن أكون سوى امرأة غاضبة ، خاطئة
-أنت ضحية يا حياة . لا تلومي نفسك!
-هل قلت ضحية؟
لا أحب أن أكون ضحية ، ولا أن أبكي على الأطلال. أنا ضحية نفسي. كان علي أن أتزوج في الخامسة عشر لرجل في الستين كي أساعد نفسي وعائلتي . ماذا يعني أن تتزوج رجلاً يستطيع حمايتي بماله؟
قد نعيش معاً عشرين عاماً ، ويكبر أولادنا و لا أصبح عانساً وضحية .
نحن في بلاد النّحس ، من يفكّر بالحم يأكله الغول . سوف يأكلنا الغول لو بقينا هنا .
كأنني لم أعش طفولتي ، ولا شبابي ، أشعر بالعجز ، و الشيخوخة رغم أنني لا زلت شابة.
. . .
-هيا بنا نغامر . إما أن نغرق في النهر ، أو نصل إلى بر الأمان .
لو غرقنا سوف تنتهي المعاناة، ولو وصلنا سوف تبدأ . نحن في هذا العالم أحرار وعبيد، نحن من صنف العبيد ، فقد لا نستطيع التعود عل طعم الحرية ، تعودنا أن يتربص بنا الغول .
-سوف أصحب معي هويتي ، ولا شيء آخر ، ليس لدي سوى هذا لثوب سوف ألبسه . أو أنني لن أصحب هويتي . ماذا سوف أستفيد منها؟
-كوني خفيفة كورقة شجرة ، لن تحتاجي هوية هنا ، ولا هناك. سوف نخلع ثيابن ليكونوا قارباً لنا .
سوف نسبح عراة
نطهّر أنفسنا بماء النهر
لن يعرفنا أحد خلف النّهر
لن نخجل من عرينا ، فهكذا ولدنا
سوف يكون لنا شأن
قفي على حافة النهر
اقفزي
، أقفز خلفك ، ثم نسبح معاً
. . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال