الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاد التكرلي .. بقلم سامي مهدي

صلاح زنكنه

2021 / 11 / 8
الادب والفن


يعد كتاب الشاعر سامي مهدي (نهـاد الـتـكـرلي رائـد الـنـقـد الأدبي الحديث في العراق) وثيقة حية وشهادة عميقة ورصينة عن انشغالات الناقد نهاد التكرلي, الذي شغف منذ البـدايـة بـالفلسفـة الـوجـوديـة كرؤية للعالم والحياة، وعـرف بها جمهـور المثقفين في العراق عبر قراءاته الجادة لمؤلفات سارتر واستيعابه لطروحاته الأدبية والفكرية، وقد امتازت دراسة الأسـتـاذ سـامـي مهـدي بـالتحليل والمحاججـة والاستنتاج, مستندا في بحثه على نتاجات الناقد أولا، وعلى تمـوجـات الحـركـة الـثقـافـيـة إبـان الخمسينات وارهاصاتها وافرازانها ثانيا. والكتاب في تقديري الشخصي, هو تحية وفاء من شاعر مبدع لناقد مبدع, وهو بالتالي مرجع مهم للباحثين والدارسين والمعنيين بالنقد والحركة النقدية في العراق.

احـتـوى الـكـتـاب الـصـادر عـن دار الشؤون الثقافية 2001 بغداد, على مقـدمـة وثلاثـة فـصـول، وملحقين، ضم الأول جـردا بـأعـمال التكرلي المترجمة والمـوضـوعـة, وضم الملحق الثاني شهادة مكتـوبـة بقلم التكرلي, وهي عـبـارة عن أسئلة من الـشـاعـر وأجـوبـة من النـاقـد.
ففي المقدمة بين الشاعـر سامي مهدي, الدافع الذي دفعه لتأليف كتابه هذا, الذي يكمن في الدور الـريادي المهم للناقد نهاد التكرلي في تاريخ الثقافة العـراقيـة، بـالـرغـم من عدم معرفة الشاعر بالناقد معرفة مباشرة، ولم يره في حياته إلا مرة واحـدة، وقـد اعتمد على أخيه الروائي( فؤاد التكرلي) في تزويده بالمعلومات الوافية، ثم راسل النـاقـد المقيم في باريس شخصيا وحصل منه على شهـادة من ست صفحات كما اسلفنا.

تناول في الفصل الأول, سيرة حياة النـاقـد وولادته عام 1922 في بغداد, ودخـوله مدرسة قرآنية ثم المدرسة الابتدائية, وانهاء دراسته الثانوية عام 1940, وتخرجه من كلية الحقوق عام 1944, وتعينه عام 1949 قاضيا في محكمة بعقوبة، وسفره عام 1955 الى فرنسا في زمالة دراسية, وحصوله على الدبلوم في القـانـون, وكـان سـفـره حدثاً مهماً غير مجرى حياته، حتى هاجر نهائيا الى فرنسا عام 1970, وتزوج وانجب واقام هناك.

ويعرج على وجـودية التكرلي, ومدى تأثره بهذه الفلسفـة الـرائجـة آنذاك, واستزادته منها ثم موقفه وموقعه منها وازاءها، فهو لم يتوقف عند حدود الاعجاب السهل بالوجودية, ولم تكن وجوديته لفظية واستعراضية, بل كانت قناعة جدية برؤية جديدة للعالم بعد جهد ودراسة, عبر المراجع الأصلية باللغة الفرنسية التي اعانته كثيرا في التعرف على أمهات الكتب في الفلسفة والأدب الـوجـوديين، حيث ترجم أول عمل مهم له رواية (الغريب) لالبير كـامـو, ولم ينشرها في حينه، وكذلك فعل مع مسرحيتي (موتى بلا قبور) و (البغي الفاضلة) لجان بول سارتر، و (نور في آب) لوليم فوكنر و (البشر فانون جميعا) لسيمون دي بفوار, في حين تـرجـم ونشر عشرات المقالات والقصص والمسرحيـات, نـذكـر منها رواية ماركريت دوراس (موديراتو كانتابيل) و (أقاصيص معاصرة) وهي قصص مختارة, وكتاب (عالم الرواية) لرولان بـورتـون, وريال اولنيه, وقد امتازت هذه الترجمـات وغيرهـا بـالـجـدة والفرادة.
ويخلص سامي مهدي الى أن الناقد نهـاد الـتـكـرلي تحـول الى مبشر بالوجـودية وداعية من دعاتها سواء في ما ترجم وما كتب ونشر من أدبيات, ومـا قـدمه ورسخه في النقد الأدبي, ويجزم بأنه كان مبشرا رصينا, يصدر عن وعي ومعرفة.

ويتناول في الفصل الثـاني من الكتاب, التكـرلى نـاقـدا ريـاديـا ,فهو حسب تعبيره لم يكن فيلسوفا خالصا ولا مترجمـا محترفـا, بـل كـان نـاقـدا والنقد هـو الأساس من خلال تحليل بعض الأعمال الروائية والقصصية العالميـة, وتقـديـم مفاهيمه الأدبيـة والنقدية ومعاييره الجمالية الجديدة, وهي وجـوديـة سـارتـريـة خـالـصـة, وتطبيقهما على بعض الأعمال الأدبية والإبداعية العراقية، ويستنتج الباحث (سامي مهدي) أن التكـرلي قـدم مـفـاهـيـم جـديـدة ووظفها في كتاباته مثل (الالتزام) و (الخيال) و (الموضوع) و (التقنية) و (الواقع) والفرق بين لغة الشعر ولغة النثر, ثم يعرج على معاركه الأدبية القليلة مع مجلة الثقافة الجـديـدة والدكتور سهيل ادريس صاحب مجلة (الآداب) البيروتية .

وتناول في الفصل الأخير, دوره وتـأثيره على الأدبـاء والمثقفين, وبـالأخـص عـبـدالملك نـوري, وفـؤاد التكرلي, وقد شمل هذا التأثير كلا من نزار سليم, ومحمد روزنامجي, ونزار عباس, وموسى كریدي، وأجمل مكانة التكرلي بين النقاد العراقيين في الحقبة الخمسينية التي كانت السطحية والفجـاجـة, هما السمة الغالبة على النقـد, الـذي اتخـذ شكل تعليقـات خارجية تطفو على سطح النصوص الأدبية، وتعجـز عن تحليلها وسبر أغوارها على وفق رؤية منهجبة، فأن التكرلي كان أشبه بشهاب سطع ضوؤه في عتمة النقـد العراقي.

مارس التكرلي النقد بحيوية كبيرة, مدة أربع سنين 1950 - 1954, وكـان أول نـاقـد عـراقـي ذي رؤية فكرية محددة للعالم، وممارسة نقدية منهجية واضحة, وهدف يسعى اليه بإخلاص, وهـو تحـديث القصة والشعر والنقد، وأبرز مكانة التكرني بين النقاد العرب آنذاك ممن سبقوه كمحمد مندور, ولـويـس عـوض, وسيد قطب, أو ممن زاملـوه كـأنـور المعداوي, ومحمود أمين العالم, وعلي سعد, وممن تلوه كالدكتور احسان عباس, وجبرا ابراهيم جبراً، وبمقارنة كتابات التكرلي بكتابات هؤلاء النقاد, يظهر أنه أكثر حداثة منهم, وهي سابقة عليها في حـداثتهـا, وهكـذا يـرى الباحث أن التكرلي لم يكن سباقا بين النقاد في العـراق وحسب, بل في الوطن العربي أيضا.

أخيرا أن الـكـتـاب هذا, والـذي كرسه الشاعر المبدع سامي مهدي, عـن الـدور الـريـادي للنـاقـد العـراقـي نهاد التكرلي والتعريف بمنجزه النقدي, جدير بالقراءة والمتابعة ويستحق التقدير والاعجاب لما بذله من جـهـد مخلص وحرص كبير, متتبعا تفاصيل الـبـدايـة والتحـول والمنجـز, بروح مـوضـوعيـة اتسمت بـالـرشـاقـة والـتـشـويق، وهـو دعـوة لـكـتـابـنـا وباحثينا للاهتمام بمبدعينا الكبار وابراز دورهم وفاعليتهم.
...
جريدة العراق 13 /7 / 2001








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي