الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدخل الى البراغماتية ( الذرائعية)

كامل الدليمي

2021 / 11 / 9
الادب والفن


أولا :مدخل الى البراغماتية( الذرائعية ) :
عبر عصور الأمة الإسلامية ظهرت الكثير من التيارات والحركات الهدامة في مختلف أرجاء الأرض وهي تستهدف القيم العليا والأخلاقيات والأعراف السائدة، بل حاربت كل ما هو موروث بغثه وسمينه ، وكشفت عن زيف الفلسفات الحديثة وتحريها عن المنفعة الآنية دون أن تلتفت لما يترتب على حصول تلك المنفعة ، فقد كفرت بالموروث ليتناسب ذلك مع تاريخ المجتمعات حديثة التكوين والتي لا تملك أدنى تاريخ ، وروج لهذه الحركات ببغاوات من الأمة من حيث الانتماء ، معلنين وقوفهم مع الأفكار والمتبنيات التي تروج لها تلك الحركات معتبرين أن الأمر من دواعي التطور والرقي والتحرر من الأفكار الموروثة .
ولعل أخطر تلك النظريات الوافدة " البراغماتية أو الذرائعية " التي كان ظهورها حاجة ملحة بالنسبة للمجتمع الأمريكي الناشئ توا دون جذور تاريخية وهي تلبي طموحاته في تحقيق المنافع على حساب قيم وموروثات الشعوب الأخرى .
والخطر الذي تشكله البراغماتية على الأمة الإسلامية هو سلب هويتها وتمييع تاريخها والاستخفاف باستحقاقها التاريخي من خلال خلط للمفاهيم وتزييف للحقائق والتمسك بما تقره من مفاهيم وفرضها بطريقة تلبس الحق بالباطل.
إن البراجماتية اسم مشتق من اللفظ اليوناني براجما وتعني " العمل " . وعرفها قاموس (ويبستر) العالمي بأنها تيار فلسفي أنشأه شارلز بيرس ووليام جيمس يدعو إلى أن حقيقة كل المفاهيم لا تثبت إلا بالتجربة العلمية ".وقال عنه ديوي هو " فلسفة معاكسة للفلسفة القديمة التي تبدأ بالتصورات ، وبقدر صدق هذه التصورات تكون النتائج ، أما البراجماتية فهي تدعُ الواقع يفرض على البشر معنى الحقيقة ، وليس هناك حق أو حقيقة ابتدائية تفرض نفسها على الواقع "(2). أي هي عملية تنصل كامل من كل ما يفرضه الماضي فلا حقيقة إلا من خلال المنفعة الملموسة. وهذا ما أكد عليه جيمس الذي طور هذا الفكر ونظّر له في كتابه " البراجماتية " ، فإن البراجماتية لا تعتقد بوجود حقيقة مثل الأشياء مستقلة عنها . فالحقيقة هي مجرد منهج للتفكير ، كما أن الخير هو منهج للعمل والسلوك ؛ فحقيقة اليوم قد تصبح خطأ الغد ؛ فالمنطق والثوابت التي ظلت حقائق لقرون ماضية ليست حقائق مطلقه ، بل ربما أمكننا أن نقول : إنها خاطئة .ولو طرحنا السؤال التالي : ما علاقة العلمانية بالعقلانية وفقا للمنظور البراغماتي ؟ :
وهنا نقول لا يمكن اعتبار البراغماتية مصطلحا مرادفا للعقلانية ؛ فالبراجماتية تقرر أن الحقيقة أو التجربة أو الواقع يتغير ، أما الواقع والحقيقة في نظر العقلانية فهي قائمة منذ الأزل ؛ فبمقدار ما ينظر العقلانيون إلى الماضي يعتد البراجماتيون بالمستقبل وحده .
أما العلمانية أو " اللادينية " بتعريفها العلمي الدقيق فقد كانت وما تزال منهجـاً فكـرياً هـداماً تسللت من خلاله أفكـار الغرب وقيمه التي لا تتناسب مطلقا مع القيم الإسلامية ، وكان من وأخلص المروجون لها من أبناء الأمة ممن أغرتهم مساحات الحرية المزعومة فيها . إلا أن ظهورا لتيارات مناهضة لها شكّل المعادل وخفف من حماس واندفاع المتهافتين عليها. وكم من تيار تصدى لهذا الفكر الفاسد ، وعرَّى دعاته ، ورد كيد مروِّجيه ؛ فلم يعد للعلمانية ذلك النشاط ولا التأييد في معظم ديار المسلمين فسرعان ما انكشف زيفها ومعاداتها للقيم . ، ونبذت العلمانية وأصبح دعاتها منبوذين ، وتكشف للمجتمعات نواياها. فلم يعد مقبولاً في أكثر بلاد المسلمين أن ينعق أحد بالقول : " ما للإسلام وسلوكنا الشخصي ؟ " ، " وما للإسلام وزي المرأة ؟ " ، " وما للإسلام والأدب ؟ " ، "وما للإسلام والاقتصاد ؟ " . لكن هذه الأصوات تجد آذانا صاغية ، بل وأتباعاً ومريدين ومؤيدين حينما تنهج الفكر البراجماتي فتقول: " إنه لا بأس بوجود القنوات الفضائية العربية الماجنة طالما أنها تصرف المشاهدين المسلمين عن القنوات الكفرية المنحلة " ، أو تنادي بأن التمكين في الأرض واستخلافها يسوِّغ بعض الربا إذا ما أدى إلى انتعاش موارد الأمة وقوة اقتصادها " فاستبدال الدولار الأمريكي بالدينار العراقي لاجل ما يرتب ان يدفع لمقرض الدولار أرباحا ولا يعد ذلك من الربا وما الى ذلك من ممارسات تقع تحت عنوان الغاية تبرر الوسيلة" . كما أنه ليس في بعض الكفر والإلحاد بأس إذا ما أنتج الأدب إبداعاً ثقافياً مميزاً كما نجد هذا الأمر عند بعضهم ممن يسبون الله في قصائدهم ويلحدون بحجة أن ذلك من الأدب ، ولو اعترضت على قول هؤلاء الزنادقة لواجهوك بالقول أنها " حرية فكرية ". هذا المذهب الذرائعي البراجماتي ربما كان مطية يمتطيه أصحاب الفكر العلماني ليس كل الفكر بل بعض من اتخذ العلمانية طريقا للخروج عن ثوابت المجتمع ، للوصول إلى مآربهم وأهدافهم في تمييع شـرائع الدين ونقض أصوله وثوابته .
والحق أن البراجماتية ـ بهذا الفهم ـ تعد من اكبر الأخطار المحدقة بفكر المسلمين وعامتهم وهي أنكى بكثير من العلمانية . كما أن دعاتها الذين استمرؤوا هذا الفكر ودافعوا عنه ، وروجوا له وحسنوه في أعين الناس ، وارتضوه معتقداً ومنهجاً لسلوكهم ليسوا مجرد عُصاة ، بل هم مبتدعة هذا العصر ومنحطين فكريا وعجزة عن الإتيان بالبديل النافع للأمة ، سواء كانوا على علم بذلك أم جهلوا خطر ما يتبنون هؤلاء يسري فيهم قول رسول الله (ص) : " ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" وهم بذلك يتبعون سنة سيئة سيقفون أمام الله ليجازيهم على سوء ما ركبوا من باطل وحاولوا من خلاله بلوغ أهدافهم ، ونحن نقول لهؤلاء ممن يجهلون أنكم تخوضون في مستنقع رذيلة وتسبحون ضد كل التيارات وكان عليكم أن تساءلوا قبل الخوض ما أنتم خائضون ، ونقول لمن علم السوء وأصر عليه لا لن تمرّ وان كانت خلفك جهات تريد للفكر الإسلامي أن يتردى وينحطّ بترهات البراغماتية وسوء تدبيرها وسقوط دعواها .
.يقول سفيان الثوري: " البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ؛ فإن المعصية يتوب العبد منها ، والبدعة دائمة ثابتة " يمتد خطر البدعة ليشكل خطرا كبيرا ويصيب المجتمع بالتحلل ، وأنا العبد الفقير لله أعدّ البراغماتية بدعة يمتد خطرها لما هو أبعد من التحليل للنص الادبي هي بلا تحفظ تتقصد دستور الامة " القرآن الكريم " وهذا بلا شك قد صرح به المتبنين لها فقالوا " انها الضمانة لحفظ القرآن الكريم وتأويله " .
والبراغماتية تسللت إلى الناس ومعاملاتهم الاقتصادية ، وتوجهاتهم الأدبية ، ومناهجهم السياسية ، ومنطلقاتهم الإعلامية لكنها سرعان ما فشلت و يتحمل الكاتب مسؤولية شرعية فيما يكتب وأن لا يكون مرددا لأفكار سواه بلا دراية " ،فحياة الإنسان المسلم وأفكاره ومنطلقاته لا تقبل العبث ولا الارتجال، فهناك مرجعيات وثوابت، ولكل مجتمع خصوصية فكرية تسمح له ألتعاط مع بقية الأفكار بما لا يتقاطع وتوجهاتها العلمية والأدبية كذلك الاقتصادية والسياسية.
وبلا أدنى شك نقول " الحملات التسقيطية والحرب السرية والمعلنة على الدين الاسلامي ومتبنياته الفكرية جارية على قدم وساق في كل مجالات الحياة واخطرها المجال الادبي الذي يشكل جزءا من ثقافة الامه وبمناهجه يمكن التسلل لتهديم بنية الدين الاسلامي إذا غفل العلماء الدس والتحريف والتزويق لمناهج أعدت اصلا لتكون منابر للترويج ومعاول للهدم .
قد كان لاتصال العرب بالغرب الأثر الكبير المنحرفة ، فبدافع الواقعية أو البراجماتية في الاستفادة من العلوم الغربية ومحاكاة الغرب والتنافس معه في طلب العلم والمعرفة أقبل الأدباء والمفكرون المسلمون على تبني تلك المناهج الأدبية المنحرفة ، وسايروا توجهاتهم الفكرية والأدبية ، ونقلوها على علاتها وأسقامها ، فظهر المتبنون للمناهج الأدبية التي منها تلك المناهج التي تجعل كاتب النص أو مستقبله يترفع عن المبادئ والقيم التي تحكم المجتمع ، فيقرأ المستقبل للنص ، وهو يشارك القائل الحرية في معناها الإنساني دون أن يكون للنص علاقة بصاحبه أو بمظاهر الحياة أو قيمها التي تسود في ذلك الزمن الذي صدر فيه النص . كما ظهر أولئك المسايرون للمذاهب الحداثية في دراسة النصوص ، فاعتنوا بالشكل دون المضمون ، وأصبحت دراسة النص لديهم تنْحو المنحى التحليلي المعتمد على الدلالات والرموز والطلاسم والإشارات المتحررة من جميع النـزعات الدينية أو السياسية أو المذهبية ، وتخلَّوْا عن مصطلحات النقد العربي إلى المصطلحات الغربية ليضفوا على توجهاتِهم الشرعيةَ والعلميةَ فتحوَّل المجاز في اللغة إلى " انحراف " ودلالات الألفاظ إلى " سيميوتيكا "، والإشارات الموحية إلى " سوسيولوجيا "، وقواعد اللغة إلى زوايا وخطوط وتقاطعات وتداخلات هندسية ، وحلت هذه المصطلحات محل مصطلحات النقد الأدبي الموروث ؛ كل ذلك هو استلاب لهوية الأدب والتلاعب بخصوصياته وحرفها عن جادتها سعيا للهدم والتخريب ومن اخطر تلك الأفكار ما جاءت به البراغماتية الذرائعية ومن روج لها وصورها لغير العارفين مقاصدها أنها المنقذ من فوضى النقد والوعاء الذي يسع مختلف الأفكار والرؤى المضيئة للنص الأدبي، والغريب أن من تبنى البراغماتية يحاول أن يلبسها ذلك الثوب البراق رغم شيخوختها بل وخرفها بكونها فكرة فلسفية ضيقة شاعت ثم انحسرت وماتت حتى في بيئتها الأصلية وفي هذا الأمر تساؤلات كثيرة منها : لماذا كل هذا الإصرار على مثاليتها وفاعليتها وهي لا تعدو الوهم الذي آمنت به السياسة الأمريكية وعملت على إشاعته مفرغة الحياة من قيمها ومثلها ومعرّية الإنسانية من محتواها أليس في ذلك شكاً ؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة