الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بقي من -علم الإستغراب- لحسن حنفي؟

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2021 / 11 / 9
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


رحل عنا المفكر المصري حسن حنفي وفي قلبه غصة وحسرة على مصير "علم الإستغراب" الذي اعتقد أنه وضع أسسه وبيانه النظري في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، لكن لم ينتشر هذا العلم، ولم نر له أي إستمرارية على عكس "علم الإستشراق" الذي لازال مستمرا إلى حد اليوم حتى ولو أنه أخذ عناوين أخرى، فإن كان علم الإستشراق قد وضعه الغرب لدراسة شعوب الشرق وتراثها لمعرفتها أدق المعرفة من جهة حتى يسهل التحكم فيها سياسيا، أي هو علم في خدمة الإستعمار، كما أن هذا العلم أستهدف ايضا غرس الإعتزاز بالذات وعقدة التفوق والتعالي لدى الإنسان الغربي في مواجهته للآخر، وهو الشرق، وقد حلل إدوارد سعيد الإستشراق بشكل مستفيض مبينا أنه أداة للسلطة والسيطرة على مقدرات شعوب الشرق، ويبدو أن حسن حنفي ذهب من نفس المنطلق، لكن بشكل معكوس حسب تعبير صادق جلال العظم في كتيبه الناقد لإدوارد سعيد "الإستشراق معكوسا".
أستهدف حسن حنفي من علم الإستغراب إنشاء علم يدرس كل ما يتعلق بالغرب، ومنه تراثه الفكري والفلسفي، ويضعه في موضع تاريخي، وأنه نتاج تاريخ الغرب عامة وأوروبا خاصة، وذلك بهدف تحرير إنسان الشرق من الإنبهار به وإعتباره عالميا، ويدفعه ذلك إلى الإبداع، فعلم الإستغراب يدخل في إطار مشروع ضخم لحسن حنفي يدور حول ثلاث جبهات، وهي جبهة الأنا الذي وضع له بيانه النظري في "موقفنا من التراث القديم" بهدف نقده والتحرر منه، لكن دون أن يضعه في الوضع التاريخي بحكم أنه يرى أن مصدره هو الوحي الذي لايمكن نقده على عكس ما فعله محمد أركون مثلا منذ بدايات بحثه العلمي، وهو الذي انتقد طه حسين في أول بحث جامعي له حول الفكر الإصلاحي في جامعة الجزائر في 1953 أين يؤاخذ طه حسين بعدم ذهابه بعيدا في نقده للتراث خوفا من تهجم العامة عليه، خاصة بعد ما تعرض له بسبب كتابه "في الشعر الجاهلي"، ولم ينشر أركون هذا البحث إطلاقا بسبب ما تعرض له من غضب في الجزائر في حينها، ويمكن أن نعود إلى هذا البحث لأركون الذي لايسمع به الكثير، والذي بقي وفيا لطرحه حتى وفاته، ويظهر بجلاء في كل أعماله، فأركون أراد تحرير عقل المسلم من التراث بما فيه الوحي، وأنه نتاج تاريخي على عكس حسن حنفي والجابري وغيرهم، ولعل هذا الأمر هو الذي كان حائلا أمام رواج أفكار أرٍكون إضافة إلى خطابه المعقد بمصطلحات غربية بحتة جعلت مترجم كتبه إلى العربية السوري هاشم صالح يكثر من التهميش لشرح تلك المصطلحات المعقدة.
أما علم الإستغراب، فقد وضعه حسن حنفي لتحرير المسلم من السيطرة والإنبهار بالغرب، وبوضع كل المنتوج والتراث الغربي في إطار تاريخي، وهي الجبهة الثانية التي يجب مواجهتها في نظره، فيتحرر المسلم بذلك من الإغتراب في الزمان أي التراث القديم الذي يسجن فيه، ويقدسه والإغتراب في المكان أي التراث الغربي والأوروبي الذي سجن فيه آخرين، فأندلعت حربا فكرية وأيديولوجية تحولت في بعض الأحيان إلى حروب أهلية بين ما يسميهم بالسلفيين والتغريبيين، فحنفي يرى ضرورة التحرر من سلفيتين أحدها زمنية وأخرى مكانية، لكنها قديمتان كلاهما، فبذلك سينطلق المسلم نحو الإبداع، بل هو يرى ملامح قيام حضارة الشرق من جديد وإنحسار الحضارة الغربيةن وهو كله تفاؤل أين خصص الفصل الأخير من كتابه " مقدمة في علم ألإستغراب" لإبراز معالم ذلك التي تدفعه إلى التفاؤل، كما يستند على طرج حول الحضارات يشبه تقريبا الشكل الذي وضعه الجزائري ما لك بن نبي، لكن يختلف عنه بإعتباره أن كل حضارة تمر بثلاث مراحل تدوم 7قرون وهي الصعود ثم إنحسار ثم صعود من جديد، لكن بن نبي يراها تصعد ثم تتجمد ثم تهبط ولن تصعد من جديد، ويتأسف حسن حنفي أنه أعطى وقتا كبيرا من حياته لمواجهة التراث القديم، ولم يبدأ في مواجهة التراث الأوروبي إلا في آواخر عمره، مما أدى به إلى التسرع في وضع "علم الإستغراب"، وكله أمل في مجيء جيل أو أجيال لمواصلة مشروعه وبناء هذا العلم الجديد الذي أسس له في كتابه "مقدمة في علم الإستغراب".
لكن لم نر أي تاثير أو تطور لهذا العلم بعد أكثر من ثلاثين سنة من تأسيسه، ولم نر أي مدرسة في مجتمعاتنا، بل بالعكس رغم كل أعماله هو وغيره للتحرر من تراث الماضي ووضعه في إطاره التاريخي لنزع أي قداسة منه، فإننا نرى تزايد هذه القداسة التي تجلت بقوة في الحركات السلفية التي وصلت إلى درجة قمة العنف، فمنذ عصر النهضة في القرن 19 بقيادة محمد عبده ظهرت عدة تيارات وتراجعات على الوراء يعترف بها حسن حنفي بداية برشيد رضا ثم حسن البنا، لتنتهي إلى إنتشار قوي للوهابية رغم ظهورها منذ قرنين في الحجاز، فإن كان الصراع في في الماضي القريب هو بين تأويلات كل من الوهابية وتأويلات الإخوان للإسلامالتي تعتبر معتدلة مقارنة بالوهابية، فإننا اليوم قد أنتقلنا إلى الصراع بين تأويلات كل من داعش والطالبان أين سيتم تقاتل بينهما في أفغانستان، وأين تظهر الطالبان أنها معتدلة بالنسبة لداعش، أنه التقهقر اليومي في فكرنا وممارساتنا الإسلامية وتأويلاتنا لنصوصه منذ بروز حركة النهظة والإصلاح الديني في القرن19 إلى اليوم.
نعتقد أن فشل حسن حنفي وعابد الجابري وأركون وغيرهم يعود إلى خطابهم المعقد والغير بسيط على عكس خصومهم الذي سيطروا على مختلف الأدوات الأيديولوجية كالمدرسة والمعابد والفضائيات وغيرها بخطاب شعبي بسيط وبدعم غير مباشر من السلطة القائمة التي يساعدها هذا الخطاب لإبقاء إستغلالها للشعوب، خاصة في المجال الإقتصادي حيث لايختلف هذا الخطاب عن خطاب السلطة في دعم الكمبرادور أي المستوردين التابعين للرأسمالية العالمية والمروجين لسلعها كوكلاء لها، فلن ير مشاريع حنفي والجابري وأركون وغيرهم أي نجاح أو تاثير إلا إذا تمكنوا من تبسيطها في لغته وأفكاره، ويكون لهم تلاميذ يقومون بذلك، كما يجب أيضا العودة إلى الإهتمام بالفلسفة في المدرسة التي تنمي روح النقد والعقل، فهل يعلم حسن حنفي أن مشروعه بقي حبيس نخب جامعية محدودة جدا، ولم يسمع به أحد حتى في مدراسنا وجامعاتنا التي أصبحت عدوة للفلسفة الذي هو علم هام جدا في تكوين العقل وروح النقد، لكن الأنظمة المتسلطة ترفض ذلك خوفا من التمرد عليها.
ما يمكن أن نؤاخذه على حسن حنفي هو وقوعه في الكثير من المطبات دعم بها خصومه، فعندما يرى في التراث الأوروبي والغربي انه منتوج الحضارة الغربية في مواجهة حضارة إسلامية، فهو بذلك يضع المسلم في مواجهة دفاعية عن تراثه، وهو الخطأ الذي وقع فيه الكثير عندما يروجون للصدام الحضاري كما روج لها من قبل صموئيل هنتنغتون، فلم يكن حنفي هو الوحيد الذي يروج للشرق في مواجهة الغرب، بل نجد مالك بن نبي، وكذلك الفرنسي غارودي، ولو أن هذا الأخير يدعوا في حقيقته إلى التحرر من الأورو- مركزية والإستفادة من الحضارات الأخرى التي تحتوي كلها على عدة قيم وحلول وأفكار لعالمنا المعاصر، وتظهر دعوة غارودي بجلاء في كتابيه "نداء إلى الأحياء"، وكذلك "من أجل حوار الحضارات"، فيمكن لنا إعتبار دعوة غارودي هي نفس دعوة موجودة في التراث الإسلامي والقائلة بأن "الحكمة ضالة المؤمن، فأينما وجدها أخذ بها". نعتقد ان هذه الدعوة مبنية على البرغماتية في أخذنا الحلول سواء كانت في الغرب او غيره، فالمهم ان تكون فعالة وذات فائدة، فعلى سبيل المثال لاالحصر نجد أردوغان تمكن من حل مشكلة الدعارة في تركيا بالعودة إلى حل طرحه جزائري يدعي الونشريسي صاحب كتاب "النوازل" منذ أكثر من ثماني قرون.
أن الترويج للصدام الحضاري ورفض الغرب يخدم كثيرا إستراتيجيات مرسومة بدقة في مخابر غربية، ونستثني من ضمن مفكري العالم الإسلامي طه حسين الذي يرى في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، بان هناك حضارة واحدة، وإن أخذنا من الغرب فمعناه أننا نعيد ما أنتجه أجدادنا سواء في الحضارات القديمة مثل الفرعونية أو الإسلامية. لكن لاننفي على حنفي أنه يشير على ذلك عندما يعتبر أن الغرب يكتفي بذكر الحضارة واليونانية-الرومانية واليهودية –المسيحية كمصادر له، ويخفي بيئته وكذلك الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى كمصادر ايضا للحضارة الأوروبية. صحيح أن حسن حنفي يريد التحرر من هذه المركزية الأوروبية وكذلك من التراث القديم لدخول في عالم الإبداع، لكن لغته وخطابه خدم ضد مشروعه لدرجة دعمه بشكل غير مباشر من مروجي فكرة الصدام الحضاري عندنا وضرورة رفض كل ما هو غربي.
يصنف حنفي نفسه ضمن تيار "اليسار الإسلامي"، ويعود تصنيفه هذا إلى طرحه القائل بأن كل فكرة فيها يمين ويسار، فنجده يتحدث عن الديكارتية اليمينية واليسارية، وكذلك يصنف بنفس الشكل الهيجيلية معتبرا الشباب الهيغيلي من يسار الهيجيلية، والتي أنتمى لها ماركس قبل أن يقلب الهيجيلية رأسا على عقب، ويجعلها تسير على قدميها كما يقول، فإن أعتبر حنفي نفسه من اليسار ضمن الفكرة الإسلامية، فهو أيضا هيغيليا بحتا لأنه يعتقد أنه يكفي الترويج لأفكار ما كي يحدث تغيير في مجتمعاتنا وفك الإرتباط بالغرب، أي أنه يرى أن كل تحرر يبدأ من منطلق ثقافي، وهو مخطيء في ذلك في نظرنا، لكنه في نفس الوقت ينطلق من تقسيم طبقي للأفكار عندما يصنفها يسار ويمين، فقد غاب عن حنفي رغم إطلاعه الواسع حسب ما يبدو على طروحات سمير أمين بأن التحرر من الغرب الرأسمالي يكون بالإقتصاد، وليس بالثقافة، فبداية فك أي إرتباط يكون بفك الإرتباط بالرأسمالية العالمية وإقامة رأسمالية وطنية والقضاء على الرأسمالية التابعة، وهو ما من شأنه أن يطورنا إقتصاديا، ويطور قوى الإنتاج التي بدورها تغير البنية الفوقية، ومنها الثقافة والذهنيات وغيرها، فنكون في نفس مستوى الغرب الذي نحن اليوم تابع له بسبب البرجوازية التابعة، فليعي حسن حنفي ان الإنطلاق من الثقافة سيخلق، بل خلق تيارين عندنا، إما الإنبهار بالغرب بحكم المغلوب مولع بالغالب أو بالإنغلاق التام عنه في الجانب الثقافي، لكن بالترويج لنفس أفكار الرأسمالية التابعة التي يروج لها بعض الإسلاميين الذين لايختلفون عن الرأسمالية الغربية، وذلك من خلال دعم الكمبرادور والإستيراد، وما يسمونه التجارة المربحة، والذي ظهر بجلاء مع إسلام االبترو دولار الذي كان هدفه ضرب المشاريع الإشتراكية التي عرفتها منطقتنا في الستينيات والسبعينيات، والتي أستهدفت التحرر الإقتصادي من الغرب الرأسمالي.
نعتقد أن حسن حنفي كان عليه أن يأخذ الجانب الإقتصادي بعين الإعتبار في عملية أي تحرر، فالتحرر الإقتصادي هو الذي سيؤدي إلى التحرر الثقافي، وليس العكس، فحديثنا كثيرا عن الجانب الثقافي هو الذي يدفع إلى صدام ثقافي وهوياتي في مجتمعاتنا، فلنعوض ذلك بالجانب الإقتصادي وضرورة فك الإرتباط بمراكز الرأسمالية العالمية والقضاء على الرأسمالية التابعة التي تقودها برجوازية تابعة هم المستوردون أو الكمبرادور، فهو ما من شأنه أن نتفق كلنا خاصة الفقراء على نفس الطرح بدل ما تغطي البرجوازية التابعة السائدة والحاكمة التناقض الرئيسي الموجود على الصعيد الإقتصادي والإستغلال الطبقي، وتعوضه بنقاشات دينية وهوياتية، فهذه الطبقة تخدمها كثيرا هذه النقاشات الهوياتية والثقافية والدينية العقيمة ، فعلى الجميع طرح المشكلة الجوهرية، وهي فك الإرتباط بالرأسمالية العالمية التي هي سبب فقرنا، والتي هي نتاج الإستعمار الذي أنتقل من إستعمار تقليدي إلى إستعمار ناعم أو جديد، ويتحكم فينا، ويحقق أهدافه القديمة بواسطة هؤلاء الكمبرادور أو وكلاء هذه الرأسمالية، فالتحرر الثقافي سيتم إذا تخلصنا من الرأسمالية التابعة، وأقمنا رأسمالية وطنية تغير ذهنياتنا ورؤانا الثقافية وغيرها كما وقع في أوروبا حيث لم تكن أفكار التنوير وغيرها إلا نتاج تلك الرأسمالية الوطنية عندهم، لكن حسن حنفي لم يتناول الوضع التاريخي الذي أنتج تلك الأفكار الفلسفية الأوروبية التي عرضها في كتابه "مقدمة في علم الإستغراب" متذرعا بضيق الوقت، لكنها مهمة جدا، فللأسف ركز على الأفكار والرؤى الفلسفية معتقدا أن منشأها هو العقل، وهي في الحقيقة لم تكن إلا تعبير عن وضع إجتماعي وإقتصادي وتطور لقوى الإنتاج في أوروبا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معتقدات -بالية- ومخاطر قاتلة ضد حملة تطعيم شلل الأطفال في با


.. باريس تكتسي أول حلة بيضاء مع تساقط الثلوج على فرنسا




.. مصمم للحرب النووية.. عقيد أمريكي متقاعد يعلق على أهمية صاروخ


.. عاجل | طرد مشبوه يغلق مطارا ويثير الذعر قرب سفارة أميركا في




.. غارات إسرائيلية تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت