الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام وشعر الغزل

أحمد جدعان الشايب

2021 / 11 / 9
الادب والفن


ينظر الإسلاميون السلفيون المتطرفون للشعر والشعراء، على أنهم كفرة، أو هم أقرب إلى الكفر منه إلى الإيمان، وبخاصة، الشعر الذي يهتم بالنفس التواقة للحب والمحبة والعشق، والغزل عموما، ذلك، إما لنظرتهم القاصرة حسب تقييمهم له، بأن الشعراء يقضون وقتا بعيدا عن التعبد والغوص في علوم الدين. أو لأن الشعراء يسحبون أعدادا من الناس من هواة الأدب وخاصة الشعر، ما يجعلهم يحفظون أشعارهم ، ويرددونها ويتداولونها، وبذلك يكونون ذاتهم الذين وصفهم القرآن بالمغوين لعقول وعواطف الشباب والصبايا، فيتبعونهم، حسب ما يفسرون الآية، بما يتوافق مع تطلعهم لتثبيت الأنا، ورفض الآخر وإبعاده ، بل تكفيره.فالقرآن يقول:
(والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون مالايفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعدما ظلموا) الشعراء.. أية 24.. 25
لا يبدو من سياق الآية أن القرآن يكفر الشعراء أو يرفضهم أو حتى يذمهم، لكنه يصف حالتهم وحالة البعض في حب وغواية الشعر. والوصف ليس تكفيرا، وهم حين يطلقون جذافا، صفة الكفر على من ينظم الشعر، (الغزلي خصوصا) فإنهم يخرجونه من ملة الإسلام، وإذا استطاعوا الوصول إليه، أخذوه واقاموا عليه عقوبة يختارونها هم، تماما مثل أي حد من الحدود، كالجلد في ساحة من ساحات المدينة التي يسيطرون عليها، ويستتيبونه، ثم يشهّرون به، ليصير منبوذا ومذموما، حتى لو كان أكثر ما لديه من شعر إنسانيا ووجدانيا وأخلاقيا وتربويا، أو يمتلئ بالحكمة والمعرفة. إنهم بمثل هذا التشدد والتطرف في علاقة الدين بالمجتمع، يكرهون الناس على اتباع نهجهم الذي لايمت إلى الإسلام السمح الطيب بأية علاقة لامن قريب ولا من بعيد، وكأنهم يبتدعون دينا جديدا خاصا بهم ويريدون إرغام الناس بالقوة والعنف وبالسلاح على اتباعه، فالنبي يقول:
( إن من الشعر لحكمة، فإذا التبس عليكم شيء في القرآن، فالتمسوه في الشعر، فإنه عربي).من روايات كتاب البخاري في سننه عن عبادة.
إن المتطرفين الإسلامويين، لا ينظرون إلى الحكمة مهما كان تأثيرها، طالما هذا الشاعر كان في بعض قصائده شيء من الغزل والحب.
كأنهم لم يقرأوا أو يطلعوا على السيرة النبوية أبدا، حتى القرآن، يبدو أنهم لم يفهموه، أو يحاولوا ألاّ يلتزمون ببعض آياته، فالقرآن يقول:( لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي) البقرة 256.
أما سيرة النبي لو اطلعوا عليها وفهموها، لتوقفوا عن القسر، وعن إكراه الناس على مالا يطيقونه، من تشدد وانغلاق، وكتم لأرواحهم، وضغط على نفوسهم، ونزع ومنع لمواهب منحها لهم خالقهم، فإذا كان الشعر موهبة ومنحة من الله، فعليه أن يكون منحة من بعض خلق الله.
وقد كان الشعر أحب للنبي من كثير من الكلام، فقبل نزول الوحي، وقبل تدوين الحديث النبوي، كان هناك الشعر، واللغة العربية.
إن بعض الآيات القرآنية، ثبّتها الخليل بن أحمد في البحور الشعرية. ومنها.
( ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)14وهي من البحر الوافر.
( يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره) 35 الشعراء .. وهي من بحر الرمل.
( قل لكم ميعاد يوم لاتستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون) سبأ 30.. وهي من بحر الرمل.
كان كعب بن زهير شاعرا غزليا متميزا، وحين دخل الإسلام، لم يتخل عن جميع أغراض الشعر السائدة يومها، عدا شعر الخمر والتشبيب، لكنه ينظم قصائده في الغزل والحب والمحبة، ثم أضاف إليها مدحه للدين ومحبة الله، ومحبة رسوله، حتى أن النبي قدم له بردته التي يأتزر بها، ليجلس عليها كعب، احتراما له وتقديرا لشعره المليء بالمعاني الإنسانية، والحكمة، والدفاع عن الدين والنبي ودعوته الجديدة، رغم كثرة الغزل في شعره، الذي لم يعترض عليه النبي أبدا. وأهم قصيدة مدح فيها النبي هي قصيدة ( بانت سعاد) بمناسبة إهدائه البردة له. يقول في مقدمتها أجمل أبيات غزلية بحضور النبي:
( بانت سعاد فقلبي اليوم متبول.... متيم إثرها لم يُفد مكبول)
( هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة.... لايشتكي قصر منها ولا طول)
( تمر مثل عسيب النخل ذا خصل.... في غارز لم تخوّنه الأحاليل)
( قنواء في حريثها للبصير بها.... عتق مبين وفي الخدين تسهيل)
( كل ابن أنثى وإن طالت سلامته.... يوما على آلة حدباء محمول)
( نُبّئتُ أن رسول الله أو عدني.... والعفو عند رسول الله مأمول)
هكذا ابتدأ كعب بن زهير أجمل أبيات في الغزل العفيف، وأجمل قصيدة في مدح النبي.
لقد كان الشعر بمثابة ( الصحافة والإعلام) في ذلك العصر، والقرون الهجرية التالية، إلى أن تم اكتشاف الصحف والورق، وصار تداول قضايا العدل والحكم وأحوال الرعية، وانتصارات الغزوات الإسلامية، يتم تناقلها بواسطة صحف الكتّاب والشعراء.
في زمن النبي، كان حسان بن ثابت، أهم شعراء الدعوة الإسلامية، ويكاد يكون مرافقا للنبي في غدوّه ورواحه، داخل المدينة أو خارجها، للدفاع عن النبي ودعوته، والدين الجديد، بالشعر القوي الجميل.
كان حسان من المعمرين، فقد عاش ستين عاما قبل الإسلام، وكان شعره، إضافة إلى الحكمة والمعاني الإنسانية الرفيعة، كان في الغزل وفي الخمر وفي النسيب والفخر، وبعد إسلامه، عاش أيضا ستين عاما، تخلى فيها عن شعر الخمر والأغراض الممنوعة التي لايقبلها الإسلام، واستمر يقول الشعر الغزلي الغفيف.
(كان النبي يجلس مع أصحابه، يتناشدون الأشعار، ويتذاكرون أمور الجاهلية بالشعر الجاهلي، فكان النبي ينشد شيئا مما حفظه، ولم ينه عن رواية الشعر الذي ينتج حديثا، إلا ما كان فيه فحش وإساءة أو فتنة، حتى أشعار ألد خصومه، (أمية بن أبي الصلت)، إلا ما كان منه في تحريض المشركين بعد غزوة بدر. وكان أبو بكر يعد من حفظة الشعر، أما عمر فكان من العالمين فيه). ( كتاب، من تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي).
يقول الدكتور سمير فراج في كتابه شعراء قتلهم شعرهم، ( كان النبي محبا للشعر والشعراء، ويحب أن يستمع إلى أصحابه وهم ينشدون القوافي، فيعلق عليها ويستحسنها، وكان يحب سماع شعر أمية بن ابي الصلت، لما فيه من حكمة ونظرات دينية صائبة، وكان يحب سماع شعر الخنساء الذي رثت فيه اخاها صخرا).
وكان النبي يحب شعر عنترة العبسي، وتمنى لو كان معاصرا له، وأكثر شعر عنترة في الغزل والحب لحبيبته عبلة.
يذكر كتاب ( روائع من شعر الصحابة)، عددا من أصحاب النبي الذين قالوا الشعر، ومنهم ( أبو بكر.. وعمر .. وعثمان.. وعلي.. وطلحة.. وخبيب بن عدي.. وعاصم بن ثابت.. وبلال بن رباح.. وعثمان بن مظعون.. وحمزة بن عبد المطلب عم النبي.. وعبد الله بن رواحة.. وفروة بن عمرو.. والعباس بن عبد المطلب عم النبي.. وعمار بن ياسر.. وعمير بن الحمام.. وصفية بنت عبد المطلب عمة النبي).
ومن عادة العرب افتتاح القصائد بقول حكمة، أو وقوف على الأطلال، أو التغزل العفيف.
استمر الشعراء في العصور التالية، في قول قصائد الغزل والحب العفيف، فالمكتبة العربية تزخر بالشعر والأدب، ويكاد يكون شعر الغزل والحب والعشق والوله، هو الغالب على أغراض ومعاني الشعر في كل حين، وجميعنا نذكر شعر قيس بن الملوح في عشيقته ليلى، وجميل بن معمر في حبه لبثينة، وكثيّر في ولهه بعشيقته عزة. وغيرهم كثيرون ، ويعدون بالمئات، ولم يعترض أحد عليهم، ولم يحاسبهم أو يعاقبهم أحد لأنهم عشقوا أو أحبوا وقالوا في من يحبون شعرا جميلا.
ففي مدحه للنبي في قصيدة ( البردة) قال البوصيري بعد وفاة النبي بمئات السنين:
( أمن تذكر جيران بذي سلم.... مزجت دمعا جرى من مقلة بدم)
( فما لعينيك إن قلت اكففا همتا.... وما لقلبك إن قلت استفق يهم)
( أيحسب الصب أن الحب منكتم.... ما بين منسجم منه ومضطرم)
( لولا الهوى لم تُرِق دمعا على طلل.... ولا أرقت لذكرى البان والعلم)
( فكيف تنكر حبا بعد ما شهدت.... به عليك عدوى الدمع والسقم)
( يا هل ترى طيف من أهوى فأرقني.... والحب يعترض اللذات بالألم)
( يالائمي في الهوى العذري معذرة.... مني إليك لو أنصفت لم تلم).
وبعد مرور ما يقرب من ألف عام، أنشأ أمير الشعراء ( أحمد شوقي) قصيدة مدح للنبي على نهج قصيدة البوصيري، وأسماها ( نهج البردة)، مفتتحا بالغزل الرفيع، يقول فيها:
( ريم على القاع بين البان والعلم.... أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرم)
( لما رنا حدّثتني النفس قائلة.... يا ويح جنبك بالسهم المصيب رُمي)
( جحدته وكتمت السر في كبدي.... جرح الأحبة عندي غير ذي ألم)
( يا لائمي في الهوى والهوى قدر.... لو شفّك الوجد لم تعذل ولم تلم)
( يا ناعس الطرف لاذقت الهوى أبدا..أسهرت مضناك في حفظ الهوى فنم)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا