الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحث عن وطن جميل وجديد

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2021 / 11 / 10
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة



حدثت عملية هروب غريبة، وغير مسبوقة، لنحو عشرين مسافر في مطار “بالما دي مايوركا” الاسباني، مساء الجمعة الفائت، من طائرة كانت متوجهة من المغرب صوب تركيا، قبل أن تضطر للهبوط اضطراريا بالمطار، بسبب ما قيل عن تدهور صحي لأحد الركاب، وعلى الفور قررت السلطات الاسبانية إغلاق المطار وتحويل كافة الرحلات القادمة إليه، بعد فرار حوالي 20 مسافرا من الطائرة، بحيث تم القبض على 7 أشخاص، وكانت الطائرة،وهي تابعة لشركة "العربية للطيران"، قد هبطت طائرة قادمة من مدينة البيضاء بالمغرب، بشكل اضطراري في مطار بالما دي مايوركا، عندما تم إبلاغ سلطات المطار بضرورة نقل راكب إلى المستشفى بسبب وضعه الصحي، ليتبين لاحقاً أن الشخص لا يعاني من أي مشكل، بل إن الوضع كان مخططا له من أجل البقاء داخل التراب الإسباني.
لقد تطورت واختلفت أساليب وخدع النزوح والهجرة وتعددت طرائقها على نحو متبدل، فمن الهروب سباحة، وبالقوارب، وعنابر السفن، وتواليتات وعجلات وأجنحة الطائرات، كما حدث وتابعنا مؤخراً في أفغانستان، إلى الانتقال سيراً على الأقدام في الغابات الحراجية الكثيفة، وبموازاة سكك القطارات على الحدود الأوروبية، والتخفي بمحركات الشاحنات وبرادات الشحن، حيث كان المهاجر يتجمد ويموت برداً، أو "يشوى" ويموت سلقاً هناك، لكن الجامع الوحيد فيما بين هؤلاء جميعاً هو الرغية الجامحة والنزوع الغريزي للخروج والفرار من جحيم يعيشونه، فيما كانت تسمى أوطانهم ومسقط رؤوسهم، نحو مجهول و"فردوس" آخر يحلمون به، ويتخيلونه.
وجه الغرابة بالحدث، هو تطور أنواع وأساليب هذه الهجرات، فالأخبار تنقل لنا يومياً عشرات القصص عن عبور مهاجرين البحار والمحيطات، وقطعهم للحدود وصولاً نحو مواطن ينشدونها، هرباً من ظروف وأحوال معيشية وسياسية واقتصادية صعبة ومدمـّرة، ويأس مطلق، لكن ما يجمع بينها جميهعاً، هو الوجهة العامة تقريباً من الجنوب، والشرق الاستبدادي، نحو الشمال والغرب الليبرالي الرأسمالي الديمقراطي، بكل ما ينطوي عليه ذلك من شبه انهيار للمجتمعات الشرقية الاستبدادية، واستحالة العيش والاستمرار، وتآكل لمفهوم الدولة التي تحولت لـ"عزب" وملكيات خاصة تقريباً مطوّبة لأفراد يتصرفون بها على مزاجهم بما لا يحاكي ولا يوازي ما كان سائداً أشد مجتمعات الرق والعبودية في غابر الزمان والأيام، وانهيار تلك الدول وتفككها، والاستحواذ عليها واحتكارها وتوظيف الدولة ومواردها وثرواتها وجيوشها وأجهزتها كافة ومؤسساتها الوطنية لصالح قبيلة، وعشيرة، أو فرد أو تحالف طغم أوليغاركية ومافيات نهبوية نهمة لا تشبع ولا تكل ولا تمل من فرض الأتاوات والخوات وحَلـْب ومص الدماء.
هذا أفضى لفقدان شرائح عريضة ومجموعات وكتل بشرية واسعة لأي شكل من الارتباط، وانتفاء أي مصلحة مع النظم القائمة، ما دفعها للبحث عن بدائل معيشية وحياتية أخرى، مع كل ما ينطوي عليه الأمر من مخاطر وتهديدات وجودية حقيقية، حيث لا أفق في ظل الاحتكار المطلق لكل موارد وسبل العيش والتحكم والتربح منها من قبل القوى المهيمنة ما ولـّد حالات غير مسبوقة من الضيق والاختناق والحصار مع تباطؤ موازٍ بالنمو وانعدامه تقريباً وانفجار سكاني وتعطل بالتنمية وانهيار الاقتصادات وفشل حكومات الدمى الكاريكاتورية القائمة، وانتشار البطالة والسرقة المنظمة ونهب الموارد والأموال العامة وغياب المشاريع وندرة الاستثمارات وهجرة الرساميل الوطنية وانعدام الأمن والأمان والقانون وانتهاك الحريات والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
لقد ارتبط مفهوم الوطن، على الدوام، وعبر التاريخ المعاش، بالأمان والاستقرار المعيشي والكفاية والاسترزاق، وتقاسم الثروات النسبي وبالتراضي بين الحكام وشرائح المجتمعات، وتوفير الحدود الدنيا من فرص العيش والحياة، كما الأمن والأمان المجتمعي، لكن، الآن، ومع ظهور نمط جديد ومتقدم، من أنظمة الحكم الفاشية البوليسية النهبوية الجشعة وولادة دول الجباية الريعية، انهارت وتداعت كل هذه التفاهمات والتقاليد السلطوية الراسخة، وغاب مفهوم الوطن كلياً من تصورات ووعي الأفراد مع عملية الاجتياح الكامل للدولة، وإلغائها، والاستحواذ المطلق على مؤسساتها وتسخيرها لخدمة ومصلحة الأوليغاركيات الجديدة التي ألغت وهمـّشت باقي الطبقات، ومسحتها من الوجود، وعلى الأخص الطبقة الوسطى، لتحل محلها، شراذم من الجهلة والحثالات وقطـّاع الطرق، ورعاع القاع الاجتماعي (الطبقة الجديدة) التي باتت لوحدها تستأثر وتمتلك الثروة والقرار.
حق السفر والتنقل والعيش بكرامة، هو حق أساسي ومكفول بالقانون الدولي من حقوق الإنسان، وقد يكون من الصعب، على الأفراد، إيجاد وبناء وطن جديد، لكن من السهل، عليهم، جداً، إيجاد وطن بديل "جاهز" ومسبق الصنع، في مكان ما، على يد شعوب ودول وأنظمة ومجتمعات أخرى، تـُعلي من شأن وكرامة الإنسان، وتحترم الحقوق، وتصون الحريات، وتوفر له كل أسباب الرفاهية والأمان، وهذا ما يحدث اليوم، وما يقف خلف كل عمليات الهروب الجماعي، والنزوح والفرار من جحيم أوطان لا يؤمن عيش فيها، وحياة لم تعد تحتمل أو تطاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل