الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة االخامسة والعشرون

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2021 / 11 / 11
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


استخد الحوار كشكل من اشكال الفعل

الحوار يدفع السرد ، والاقتباس يبطئه

ينصح الروائى إلمور ليونارد الكتاب، بأن يحذفوا من نصوصهم الأجزاء التى يرون أن القارىء سيكون ميالا الى تجاهلها عند القراءة ، وأن يركزوا على ما يعتقدون أن القارىء سيهتم بقراءته بالفعل .


لكن ما هذه الأجزاء بالضبط ؟ إنه يلخص لنا مقصده :

" الفقرات النثرية الثقيلة التى تعج بكلمات أكثر من اللازم . تلك الفقرات التى يكتب فيها الكاتب لمجرد الكتابة وحسب ، فتارة يتحدث عن الطقس ، أو يصور لنا ما يجرى داخل رأس البطل ، بينما ربما كان القارىء يعرف بالفعل ما يجرى داخل رأس البطل ، أو أنه لا يهتم .


أراهن أنكم لا تتجاهلون الحوار " . ( من جريدة نيويورك تايمز ) .
ربما كانت عادتى فى القراءة فى ذهن ليونارد ، فلقد كنت دائما اتجاهل تلك الأعمدة الرمادية من النصوص لأجد مساحة بيضاء فيها تهوية للحوار .


إن الخطاب البشرى معبر عنه كحوار على الصفحة يجذب عينى القارىء ، كما أنه يسهم فى المضى بالاحداث قدما إذا ما كان مكتوبا جيدا .


تأمل هذا المشهد من رواية مايكل تشابون " مغامرات كافالير وكلاى العجيبة ":

" ثم التفتت إلى ابن عمتها وقالت : هل تريد أن ترسم قصصا مصورة ؟
وقف " جو " فى مكانه وقد أحنى رأسه واستند بإحدى كتفيه إلى إطار الباب ، وبينما كان " سامى " و " إيثيل " يتحدثان ويتناقشان ، كان هو يتأمل فى حرج مهذب ، يتأمل البساط الرقيق بلونه الأصفر الضارب إلى البنى ، لكنه رفع رأسه فى تلك اللحظة ، وعندئذ كان سامى هو من شعر بالحرج ، ورمقه ابن عمه من أعلى الى أسفل وقد علا وجهه تعبير من يحاول سبر أغوار الشخص الذى أمامه ويحاول ايضا أن ينذره .


ثم قال : نعم يا عمتى . أريد ذلك ، لكن لدى سؤال : ما معنى قصص مصورة .

عندئذ مد سامى يده نحو الملف الذى يحفظ فيه أشياءه فأخرج عددا من مجلة المغامرات المصورة .

كان العدد مهترئا من كثرة ما قرأه سامى ، الذى قدمه الى ابن عمه ".
إن الحوار يرسم ملامح القصص بطرق عديدة ، لان قوته تشدنا إلى المشهد وتنبه اذاننا إلى الحدث .

يلتقط كتاب التقارير حديث الناس الى هدف يختلف عن هدف الروائيين .
فهم لا يستخدمون الحوار على الصفحة ، ليس كحدث ، بل كمانع للحدث ، أى كمساحة فى النص تعلق فيها الشخصيات على ما حدث .


ولهذا التكنيك أسماء مختلفة فى وسائل الاعلام .
ففى الطباعة يسمى النص المجتزأ من أحاديث الناس " اقتباسا " ومراسلوا التلفاز يسمونه " مقطعا صوتيا " ، أما مذيعوا الراديو فيستخدمون تعبيرا ثقيلا هو تعبير " الوقائع " ، ببساطة لأن شخصا ما قد قال هذا الكلام فعلا .


غطت صحيفة " سانت بول بايونير " القصة المحزنة عن سنثيا شوت ، مذيعة النشرة الاخبارية التلفزيونية التى تبلغ الحادى والثلاثين ، نتيجة واحد من اضطرابات التغذية :


" لقد كانت هناك . وأعرف ما حدث . قالتها كاثى بيسن ، صديقة سنثيا شوت وزميلتها فى المحطة التلفزيونية التى تعمل بها ، وأردفت : الجميع فعلوا ما اعتتقد كل منهم أنه أفضل ما يمكن فعله ، وحاولنا معا أن نبحث فى كل السبل الممكنة للتعامل مع شخص مريض تعرفه .


بيد أن كل جهودنا قد ذهبت سدى ، وليس فى الوسع إلا أن يتسائل المرء : كيف لشيىء مثل هذا أن يحدث ؟ .


اتبع كاتب هذا الخبر النصيحة التى توجه دائما للصحافيين الجدد ، إذ يقال لهم دائما ابدأوا الخبر دائما باقتباس لافت للنظر ، فللاقتباس الجيد فوائد عدة ، هى انه :

يقد صوتا بشريا .

يفسر شيئا مهما عن الخبر .

يحدد المشكلة أو المعضلة .

يضيف معلومات .

يكشف لنا سمات أو شخصية المتحدث .

يمهد الطريق لما سوف يلى .

بيد أن الاقتباسات تشوبها أيضا نقطة ضعف مهمة .على سبيل المثال ، انظر فى هذا الاقتباس الذى يطالعنا من بين سطور الصفحة الاولى من صحيفة نيويورك تايمز : " يمكننا توفير أقل من اثنين من مائة فى المائة ،إذا قللنا من مرات تناول طعامنا فى المطاعم " .

يأتى هذا الكلام على لسان سيدة تدعى جويس ديفندرفر ، فى معرض حديثها عن طريقة تعامل أسرتها مع الديون المتزايدة نتيجة استخدام بطاقات الائتمان .

لكن أين هى جويس وهى تقول هذه الكلمات ؟ فى المطبخ ؟ أم فى البنك حيث تسدد ديونها ؟ أم فى مكان عملها ؟ .

إن أغلب الاقتباسات – بعكس الحوار القصصى – تفتقر إلى التحديد المكانى ، إذ تبدو كلماتها وكأنها خارج حدود الحدث .

إنها تعليق على الحدث ، لا جزء من الحدث نفسه ، لذا نجد أن مثل تلك الاقتباسات تعترض تيار السرد .

ويعيدنا هذا الى قوة الحوار ، فبينما تعطينا الاقتباسات الصحافية معلومات أو تفسيرات ، فإن الحوار يزيد الحبكة الروائية عمقا وثقلا .

إن الاقتباس كلمات سمعها شخص ما قاصدا ويعلم المتحدث . أما الحوار القصصى ، فهى كلمات يسمعها القارىء عفوا من دون علم الشخصيات .

إن الكاتب الذى يعمد
إلى استخدام الحوار يحملنا الى مكان وزمان يمكننا من خلالهما أن نكون جزءا من الاحداث التى تصفها الرواية .

وقد يستخدم الصحافيون الحوار ، بيد ان هذا نادرا ما يحدث ، حتى إذا ما حدث بدا غريبا لافتا جدا ، تأمل هذه الفقرة التى كتبها صحفى حاز جائزة بوليتزر ، وهى ففرة تتناول محاكمة اطفائى متهم بارتكاب جريمة بشعة ضد جيرانه :

" نادى محامية اسمه ، فاستوى واقفا ثم وضع يده على الكتاب المقدس واقسم ألا يقول سوى الحقيقة ولا شيىء سوى الحقيقة . ثم جلس داخل القفص ونظر الى المحلفين كى يتسنى لهم رؤية وجهه وتفحصه جيدا ومعرفة طبيعته .

ثم قال له المحامى :

هل اغتصبت كارين جريجورى ؟

لا يا سيدى . لم أغتصبها .

هل قتلت كارين جريجورى ؟

لا يا سيدى ( من صحيفة سانت بترسبورغ )

إن ما يقال عن استحالة توظيف الحوار فى الكتابة غير الأدبية لا اساس له من الصحة ، فعلى الرغم من أنه من الممكن الحصول على الحوار أو إعادة بنائه بواسطة البحث المتأنى وباستخدام مصادر متعددة وتوثيقها على نحو ملائم ، فإنه من الممكن ايضا سماعه بشكل غير متعمد .


اذ يحدث مثلا أن يتمكن أحدهم من سماع مشادة بين العمدة وأحد أعضاء مجلس المدينة فتسجل وتنشر .

والكاتب الذى لم يحضر إفادة الشاهد من محاكمة ما ، فى وسعه الحصول على نصها من سجلات المحكمة ، التى عادة ما تكون متاحة للعامة .
وهكذا ، فإن الكاتب الماهر يمكنه توظيف الحوار الى جانب الاقتباسات المشار اليها سلفا ، وذلك لإحداث تأثيرات مختلفة داخل الخبر الواحد ، كما هى الحال فى الخبر التالى ، والذى نقتطفه من صحيفة " فيلادلفيا إنكوايرر " :


لقد بدا وكأن هناك طائرتين تتقاتلان يا أمى .

قالها مارك كرسلر ، الطفل ذو العوام الستة ، والذى يقطن مدينة وينود ، ؟لأمه جيل بعد أن هرعت إلى المدرسة .

كان الطفل قد شهد لتوه تصادم طائرة ومروحية ، ما نتج عنه تساقط الحطام فوق ملعب مدرسة الطفل الابتدائية .

وهاك مقتطف اخر من نفس الخبر ، لقد كان منظرا فظيعا . قالتها هيلين أماديو ، التى كانت تسيير بالقرب من منزلها فى شارع هامدين ، حين وقع التصادم المذكور .

وأردفت هيلين قائلة : انفجرت الطائرتان وكأنهما قنبلة ، وانتشر الدخان الأسود فى صفحة السماء وكأنه يتدفق منهما من دون توقف .
تقدم هيلين أماديو هنا كلاما مباشرا تقوله للصحافى كاتب الخبر من دون وسيط .

لاحظ الفرق بين هذا الاقتباس وبين الحوار الضمنى بين الصبى مارك ووالدته جيل .

ان الصبى ذا السنوات الست يصف المشهد لأمه التى استولى عليها الفزع والهلع . بعبارة أخرى ، يضعنا هذا الحوار فى المشهد حيث نستطيع استراق السمع الى الشخصيتين – الصبى وأمه – وهما يتحدثان .

وفى بعض الأحيان النادرة ، يمزج الصحافى المعلومات التى يتضمنها الاقتباس بالقوة العاطفية للحوار ، لكن هذا يحدث فقط حين يتحدث المصدر فى أعقاب وقوع الحدث مباشرة ، وفقط حين يركز المراسل على كل من الكلمات والافعال معا .

يطبق ريك براجز هذا فى خبره عن التفجير الذى وقع فى مدينة أوكلاهوما :

" لقد شاركت لتوى فى جراحة أجريت لطفل كان جزء من مخه يتدلى خارج رأسه " .
قالها تيرى جونز ، وهو فنى يعمل فى المجال الطبى ، وهو يبحث فى جيبه عن سيجاره ، وقد بدا خلفه رجال الاطفاء الذين كانوا يبحثون بعناية شديد بين أنقاض المبنى المنفجر ، والذى تحول الى هيكل وحسب .

كان الإطفائيون يبحثون عن الأحياء وعن الموتى ايضا .

ثم أكمل تيرى حديثه قائلا : " قل لى أنت ، كيف يمكن لانسان الا يحترم حياة النسان بهذا القدر " .
( من نيويورك تايمز ) .

تخلى عن الأجزاء التى يميل القارىء الى تجاوزها ، وأفسح المجال للاجزاء التى لا يستطاع مقاومتها .

والى الأداة السادسة والعشرين فى مقال قادم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو