الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرثية الذات في الظل الأنيق

صلاح زنكنه

2021 / 11 / 11
الادب والفن


عرفت الشاعر "زهير بهنام بردى" عام 1982, في خضم معركة شرق البصرة الأولى في قاطع الشلامجة، ومنذ ذلك الحين انطبعت صورة «الشاعر» اليوتيبية في ذاكرتي، تلك الصورة التي رسمتها مخيلتي عبر قراءاتي لشعراء من طراز رامبو وديلان توماس وحسين مردان, لتتجسد في سحنة زهير وملامحه حيث الألفة، واللامبالاة، والعبث، والحزن، والسخرية, والحب أيضاً، فتقاسمنا القصائد والقصص، وتقاسمتنا القنابل والرصاص في جلجلة الحرب وزمجرة المدافع.

وميزة زهير أنه يكتب الشعر, كما يعيش الحياة, من دون رتوش وزركشات وفذلكات، ولا يدعي أكثر مما هو فيه، بقدر ما يحاول أن يكتب قصيدته الخاصة منذ أكثر من عشرين عاما، وتأتي مجموعته الشعرية «ظل أنيق لشكلي» الصادرة عن دار الشؤون الثقافية، مؤكدة هذه الخصوصية الي حد ما, عبر تجربته الشعرية التي امتدت زمنا طويلا.

ظل جد أنيق / يدخل شكلي وأنا فيه مقص / أبتر بشفرة النعناع أعضائي / وأعلقها بالمسمار على خشب أبيض / لقداسة روحي. ص 22

مستمداً رموز هذه التجربة من الإرث المسيحي الذي يشكل الإطار المرجعي والمعرفي المهيمن على ذاكرة الشاعر، إذ حفلت قصائد مجموعته بعشرات المفردات ذات الجذر المسيحي مثل (قداس، وقيامة، وروح، وعماد، وخطيئة، وصليب، ومزامير، وتراتيل، وكهنة، وأجراس، واصحـاح) يوظفها بقصد «شعري» أو غير قصد في سياق ترنيمة رثائية للذات، ذات الشاعر كونها بؤرة البؤس والألم والمعاناة، متخذاً من مفردات (المـوت، والقبر، والنعش، والرماد، الرخام، والعظـام، والجماجم، والتمائم، والقباب، والتعاويذ) قاسما مشتركا لقاموسه الشعري في جل هذه القصائد, التي كونت بمجملها مرثية حزينة للحياة والإنسان والوجود برمته، جاعلاً من ذاته «الشاعرة» مركزاً لهذه الأشياء كلها.

هيكل من عظام / في رخام / يلاحقني بتراب قديم / ويطلق روحاً نحيلة / فيدحرجني نحوهُ ثم يغسلني / أسفل الغيم والموت. ص 13

وهاجس الموت بكل جبروته ولا أباليته ولا منطقيته، يشكل لحمة شعر زهير بهنام وسداه، حتى أنه يكاد يكون الثيمة الأساسية لهذه التجربة.
جسد / بعد الموت / يقوم / فيرفع عنه رخام القبر. ص 8

وفي موضع آخر, من قصيدة أخرى, يفصح ويصرخ متحديا الموت برشاقة شاعر.
بي رغبة, أن أركض, قبل الموت, الى قبري. ص 29

ولأن زهيراً, خرج كأقرانه الشعراء والأدباء من معطف الحرب, مزهوا بفتنة الحياة, التي تغمره بالدخان والغبار والرماد، لذا حملت قصائده نكهة الأسى والتأسي.
هذا رماد شديد الاشتعال / وتلك فاجعتي / شديد الهدوء. ص 33

وهو يكابر أحيانا, ويسخر ويهزأ بالموت, في محاولة لتجاوزه, والحط من جبروته.
أنا أوسع من مكاني / فمن سيرتب هذه الأرض / لتسع هيكلي. ص 27

لكنه في نهاية مطافه الشعري الأنيق, وعبر ترنيمة كنائسية شجية, وبالرغم من كل شيء, يرثي كل الأشياء, لأنها آيلة إلى الرحيل والزوال, إلا الحب والكلمات (في البدء كان الكلمة, والكلمة كان عند الله, وكان الكلمة الله) إنجيل يوحنا.
كل شيء / سوف يرحل / ببساطة / أنا والفضة / أنت والحمار / الملك وحفار القبور / الصحة والسرطان / المقاعد والسلالم / الصوت والحجر / الأبواب والفراغات / السماء وكل الطيور / المساء وضوء العيون / كل شيء / سوف يرحل / إلا الحب والكلمات. ص 45
قصائد هذه المجموعة, هي في مجملها قصيدة واحدة, بوح وجداني أنيق, ورثاء ذاتي عميق.
...
جريدة العراق 24 / 2 / 2001








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا