الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إفساد أهل الدولة للدرهم (2 ).

محمد حسين يونس

2021 / 11 / 12
دراسات وابحاث قانونية


إستعنت في كتابة هذا المقال بمعلومات من أربع موسوعات .. ( تاريخ مصر لسليم حسن ) .. (قصة الحضارة لول ديورانت )..( شخصية مصر ..عبقرية المكان لجمال حمدان ) .. (بدائع الزهور في وقائع الدهور لإبن إياس ).. أغلبها من إنتاج الهيئة المصرية العامة للكتاب و بعضها صدر ضمن مهرجان القراءة للجميع ( مكتبة الأسرة ).. علي ظهر غلافها صورة للسيدة سوزان مبارك في شبابها مع تقديم متزن منها للسلسلة .. و ثمن المجلد الواحد المكون من حوالي 800 صفحة جيدة الطباعة و التغليف .. سبعة جنيهات .
في ذلك الزمن سنة 2001 كان يحكم مصر رئيس شبه أمي .. و لكن كان له مستشارين وزوجة و أبناء من العقلاء .. و وزير ثقافة واع و مثقف عن حق.. فخرجوا علينا بهذه السلاسل الغنية و الكتب الممتعة ، المفيدة و الرخيصة .. فضلا عن .. مشاريع للمتاحف ( القومي للحضارة و المتحف المصرى الكبير و باب العزب بالقلعة ) .. و ترميم متأن لأثار قبطية ( الكنيسة المعلقة و ما حولها بمار جرجس ) و للقاهرة الإسلامية (شارع المعز) ..و اخرى مصرية قديمة (طريق الكباش ورفع التراب عن أعمدة معبد الكرنك أو الأقصر) .
بعد عشرين سنة من هذا الإنتاج .. ( تم إفساد أهل الدولة للثقافة والعلم و المعرفة ) فلم يعد الرجل المسن قادر علي تتبع بهارج و زخرف الحياة الثقافية في مصر و ولوج غابات العشوائية في الفن و الأدب (مساهما أو مستهلكا ) .
فقد سيطر علي الساحة إنتاج غزير من الأعمال السوقية السطحية المعدة علي عجل لتتوافق مع جهل من سيقيمها و نفوذ محاكم التفتيش (لأصحاب العمم البيضاء و السوداء).. و مراقبي أجهزة الأمن ..و التوجيه المعنوى العسكرى .. و شللية مأساوية مكونة من أنصاف موهوبين ينالون جوائز الدولة التقديرية و التشجيعية ..و فرص النشر و التواجد السياسي و التلميع الإعلامي .
أنظر حولي فأجد أحراش من أعشاب فكرية شيطانية نبتت في كل مكان .. و فقرا غير مفهوما لمفردات الإبداع .. و سياسة ترويج فن تافة .. و فكر مهلهل يتناسب مع أذواق انصاف المتعلمين من المستهلكين الذين يمتلكون النقود و القوة الشرائية .
أغلب ما ينتج من أعمال فنية ( حكومية أو أهلية ) تجده مقدما بصورة ساذجة بدائية محبطة .. في السينما في الحفلات العامة أو مسلسلات التلفزيون أومسيرات نقل الموميات أو في المهرجانات الرياضية المتلاحقة ..و ما يعرض في سوق الكتاب بعد أن تفتتحة وزيرة ثقافة ضحلة التفكير غثة الذوق .. أعتقد أنها لم تقرأ في حياتها كتابا ( خارج مقررات الدراسة ) و أكملته لنهايتة .
فأدهش .. هل ثار الناس في 2011 ..من أجل تجريف الوعي و تسطيح الكلمة و سيطرة غير الموهوبين علي الإبداع.. والسقوط بالفنون إلي مستوى فجاجة أبناء الحوارى (مستترا بأنها شعبية ) بعد تحويلها إلي سلعة باهظة الثمن تعتمد في توزيعها علي الدعاية أكثر من المضمون .
فأصمت .. صمت العاجزين .. بعد أن فقدت القدرة علي الإستمتاع بما يحدث في أزقة وعشوائيات الحياة الثقافية الهابطة بالمحروسة إلي أسفل سافلين.. و الحكم عليها . و إن كان يصلني منها بالصدفة ما يظهر مدى و حجم الأزمة التي يعيشها مجتمعنا بعد أن تولي حضرات الضباط ( بأذواقهم السقيمة ) الحكم و التوجية و إتخاذ القرار .
نعم .. نحن نعيش أزمة هوية و ثقه في النفس .. تتبدى في تلك التعديلات غير العاقلة التي تحدثها جماعات من محدودى المعرفة في المدن المصرية ( القاهرة ،الأسكندرية ،المنصورة) و أحياء عريقة مثل مصر الجديدة و مدينة نصر و الزمالك وغيرها فتقضي علي طابعها ..و خصوصيتها بجهل و جسارة تحسد عليها .
و في الطرز المعمارية التي تنشيء بها المدن الجديدة ..و الطرق و الكبارى غير المفيدة ( إلا في تكثيف السبوبة لدى البعض ) و المربكة للشخص العادى الذى لا يمتلك (GPS)..
لقد طغي الفكرالميرى و اوامرالعسكر و رغبتهم في ترك بصمة علي شكل المدن و تسليمهم التصميم و التخطيط و العمل لانصاف المتعلمين منهم ( حتي لو حصلوا علي الدكتورا ) يعبثون بافكار متعارضة و أساليب غير متجانسة في إنشاء ناطحات سحاب في الصحراء .. و منشئات قبيحة مفتقدة للطابع و الهوية .. و لا تحمل إلا فعل التفضيل ( أعلي ،أوسع، أضخم ،أغلي و أغبي )
نعم نحن نعيش بدون وعي بالواقع في توهة سوء المعرفة ..و الفقد القومي.. نتراوح بغباء بين الفخر بمجد تحتمس الثالث أو رمسيس الثاني ( و لا نعرف عنهم إلا التماثيل و المسلات و الموميات ) .. وتكاتف أخوة القومية العربية المفقود و الذى لا أساس له منذ حرب اليمن و سقط مع التجربة .... و تقليد مدن الخليج الأمريكي ..أو النمط الأوروبي للقرن التاسع عشر ..أو تلك الطرز الملعبكة المتنافرة التي ليس لها شخصية و ينتجها (المحظوظون) من أنصاف الموهوبين .. و تمتص الأموال و تضيع الجهد سدى .
إننا في حالة (مسخ ) مثل تلك التي وصفها كل من الاستاذين (سليم حسن ) و (جمال حمدان) عند حديثهما عن بداية الفقد للحضارة المصرية بعد نجاح الاستعمار الاستيطاني الجريكورومان في (مسخ)المصريين خلال الف سنة .. و فصلهم عن تاريخهم
(( تجلي خطره فيما حدث بالنسبة للغة المصريين فالطبقة الحاكمة البطلمية كانت تتكلم و تكتب اليونانية واصرت علي ان تكون المعاملات مع الحكومة بتلك اللغة وعلي الجانب الاخر كان المصريون يتكلمون ويكتبون الديموطيقية وهكذا إستعان المصريون بالمترجمين لكتابة عرائضهم و اهملوا تعلم لغتهم)).
حاجة كدة تشبه الأنظمة الإلكترونة و الإختراعات غير العملية الجديدة التي يحاول بها نظام الحكم السيطرة علي مواطنين أغلبهم يجهلون القراءة و الكتابة .
(( وإنطفأت الاضواء تدريجيا عن تاريخ مصر و حضارتها بعد ان افقدت نفسها وسيلة التعبير عنها لغتها الديموطيقية ليظهر جنس اخر من المصريين منبت الصلة بكل ما كتب الاجداد)) ..
و يسهل بعد ذلك تكرار أعمال (هذا) الفقد الحضارى ..مع الهجرات العربية البدوية للوادى وفرض اللغة العربية وتجاهل لغة العصافير .. والهجرات المغربية الفاطمية.. ثم التلوث بخلطات متفاوته مع المماليك و الاتراك .
أو بعد الإستقلال و تحكم العسكر .. و تحويل سياسة مصر الإقتصادية أربع مرات( من الضد للضد ) خلال نصف قرن أو يزيد قليلا ...فتعيش توهه و فقد يبعداها عن أحلام حقيقية بتنمية إقتصادية و حضارية

الأسباب السياسية التي أدت لإنهيار الإمبراطورية الرومانية كما حدد الأستاذ ديورانت ((ترجع كلها إلي أصل واحد هو أن الإستبداد المتزايد قضي علي شعور الفرد بحقوقه المدنية و أنضب معين قدرته علي القيام بأعباء الحكم .. و لما عجز الروماني عن التعبير عن إرادته السياسية إلا بالعنف فقد من أجل ذلك إهتمامه بشئون الحكم و إنهمك في أعماله و متعه و في خدمة فيلقة أو في نجاته الفردية )) .
إنه نفس ( الإستبداد الشرقي ) الذى وصفه جمال حمدان في فصل ((الإستمرارية و الإنقطاع )) بموسوعته الشهيرة
(( و لاشيء يقينا ككلمة فرعونية يلخص و يشخص مأساة مصر السياسية المستمرة بلا إنقطاع طول التاريخ و المجسدة بلا حياء في صميم حياتنا المعاصرة..
فلقد صارت الكلمة التعسة سيئة السمعة علما علي الطغيان المصرى البشع البغيض في كل مراحله حتي و إن إختلفت التسميات و المسميات أو تطورت الأشكال و الشكليات فالسلاطين و المماليك في العصور الوسطي هم كما أوشك المقريزى أن يضعها .. فراعنة و لكن مسلمين مثلما كان الفراعنة أباطرة و قياصرة و أكاسرة و لكن مصريين )) .
و مع إختلافي في أن نطلق علي ملوك مصر القديمة لقب ( فراعنة ) .. إلا أن تشخيص جمال حمدان أوجز مأساة عشرات القرون التي عاشها المصرى (( و العلاقة بين الحاكم و المحكوم فيه تقليديا علاقة قهر و مقت .. إكراه و كره ..إستبداد و حقد بينما العلاقة بين الحكومة و الشعب هي الريبة و العداوة المتبادلة))
يخلص ديورانت في حديثة عن سقوط روما بأن (( الوطنية و الديانة الوثنية كانتا وثيقتي الإرتباط أحدهما بالأخرى و هاهما الأن يقضي عليهما معا .. و إستنام مجلس الشيوخ إلي الكسل و الخمول و إعتاد الخضوع أو الإرتشاء بعد أن ظل يفقد سلطانه ومكانته شيئا فشيئا فإنهار بذلك الحاجزالأخير الذى كان يستطيع إنقاذ الدولة من أخطار العسكرية و الفوضي )).
كنت أظن أن برلماننا فقط هو الأضحوكة و مخلب القط القانونية لقهر الشعب .. و لكن إتضح أنها تقاليد ديكتاتورية الدولة الشمولية في كل زمان و مكان .
الأسباب الإقتصادية التي أدت لسقوط روما كما لخصها الكاتب .. كانت
((إعتماد روما علي الحبوب المستوردة من الولايات إعتمادا مزعزعا لا تؤمن مغبته و إنقطاع ورود العبيد و إنهيار الضياع الكبيرة و إنحطاط وسائل النقل و الأخطار التي تعرضت لها التجارة ..
و فقد روما لأسواق الولايات بسبب منافسة هذة الولايات نفسها لها .. و عجز الصناعة الإيطالية عن تصدير ما يوازى الواردات ( عجز الميزان التجارى لصالح الإستيراد ) ..و ما أدى إليه ذلك من إنتقال المعادن الثمينة إلي الشرق .
و الحرب المدمرة بين الأغنياء و الفقراء .. و الأعمال العامة..و البيروقراطية المطردة الزيادة و تثبيط همم النابهين ذوى الكفاءات .. و الحاشية المتطفلة التي لا تؤدى عملا من الأعمال
و نفاد رؤوس الأموال المستثمرة لما كان يفرض عليها من الضرائب التي تبلغ حد المصادرة .. و هجرة رؤوس الأموال و العمال .. و إستخدام العبيد في الأعمال الزراعية
كل هذا قد قوض الاسس المادية للحياة الإيطالية حتي أضحت قوة روما في أخر الأمر شبحا سياسيا يعيش بعد موتها الإقتصادى )).
هذه الديلما الإقتصادية .. هي التي عانينا منها في بلدنا لزمن طويل و لازلت قائمة.تسقط بنا بسرعة متزايدة إلي هاوية الفقد و الفقر و الإحتلال .
وللتوضيح سأقدم نموذجا كتبه المقريزى مع بدايات القرن الخامس عشر في ((الخطط المقريزية)) تحت عنوان ((إفساد أهل الدولة للدرهم))
((فإنه حملهم علي ذلك كثرة ما عليهم من جوامك (أجور وطعام ) المماليك السلطانية وتبلغ في كل شهر الف الف ومائتي الف درهم فأكثروا من ضرب الفلوس فرخصت الفلوس و إستمرت نفقة المماليك علي ذلك وهم لا يشعرون بحقيقة الحال فعم الفساد وخص الفقهاء و نحوهم من ذلك أعظم البلوى . ))
أى تم إصدار عملة بدون رصيد عمل إجتماعي لدفع مرتبات الجنود المتزايدة ..فانخفضت قيمة الدرهم .
((مؤسس هذا الفساد بديار مصر رجلان هما سعد الدين ابراهيم وجمال الدين يوسف وذلك لان الاول منذ ولي ناظر الخاصة لم يزل لكثرة ما ظفر به من ذهب يزيد من سعره .. والاخر يزيد اجر(إيجار ) الارض حتي صار كل شيء يباع باضعاف ثمنه ))... (( فكان لا يرجي رخاء بعد أن هجرالارض الزراع وكان لهذين الفاسدين السبب العظيم في خراب اقليم مصر وزوال نعمة اهله سريعا )).أى التلاعب بسعر العملة بواسطة المسئولين .. و الغلاء بسبب جشع التجار
كما لو كان يتحدث عن مصر نهاية العقد الثاني و بداية الثالث من القرن الحادى و العشرين.. و تغول الطبقات الغنية التي تكنز الأموال و تتلاعب بسعرها ..و تدهور الإقتصاد بعد تعويم الجنية و الإستدانة لإقامة مشروعات ترفية لا قيمة لها .

عموما إذا أضافنا لذلك التناحر بين الأديان القديمة و المسيحية و الذى دام لقرنين .. و الصراع الضارى بين الطوائف المسيحية التي تكفر كل منها الأخرى نجد أن حرب الأديان قد
(( فككت وحدة الشعب و حطمت قواة المعنوية و لما وصل إليهم سيل الغزو الجارف لم يجدوا وسيلة يواجهونه بها .. إلا تبادل اللعنات و الصلوات المتنافرة )).
هذا ما حدث لمصر قبلها بقرنين أو أكثر ..بين كهنة الأديان المصرية القديمة .. من الأسرة العشرين حتي الغزو الفارسي .. و إستمر في زمن تال مبدلا الصراع بين كهنة (رع و أمون) إلي صراع بين متعصبي المسيحية و الوثنية .. ثم بين الكاثوليك و الأرثوذكس .. و الأقباط و المسلمين .. و السنة و الشيعة .. وحتي اليوم بين فرق السلفيين المختلفة و باقي أفراد الشعب .. كما لو كان قدرا أن يكون الصراع بين كهنة الأديان المختلفة سببا في تدهور حياة سكان المحروسة .

يكمل ديورانت (( و كانت الطبقات الوسطي قبل ذلك الوقت عماد حياة المدن في إيطاليا أما الأن فقد ضعفت هي الأخرى من جراء الإنحلال الإقتصادى و الإستغلال المالي .. فقد كان كل ذى مال يخضع لضرائب مضطردة الزيادة لإعالة بيروقراطية أخذة في الإتساع .. أهم ما تقوم به من أعمال هو جباية الضرائب و كان الهجاءون الفكهون حين يشكون من هذه الحال يقولون إن الذين يعيشون علي الأموال العامة ..أكثر عددا من الذين يمدونهم بالمال )) .
يا ربي .. يمكن أن نرفع إسم روما .. و نضع مصر خصوصا بعد الإصلاح الإقتصادى المزعوم .. فتستقيم الأمور
(( و كانت الرشا تستنفذ الكثير مما يجبي من الضرائب و سن الف قانون و قانون لمقاومة إختلاس إيرادات الحكومة أو أملاكها .. و الكشف عن هذه الإختلاسات و معاقبة مرتكبيها ..
و كان الكثيرون من الجباة يفرضون علي البسطاء أكثر مما يجب أن يؤدوه و يحتفظون بالزيادة لأنفسهم .. و كان في وسعهم في مقابل هذا أن يخففوا الضرائب علي الأغنياء نظير جعل يأخذونه منهم )) ..
(( و كانوا يفرون إلي خارج الحدود ليعيشوا تحت حكم الملوك البرابرة الذين لم يتعلموا بعد فن جباية الضرائب كاملا .. فقد بدا لهم أن عمال الخزانة أشد رهبة من العدو )) .
صدقا أنا أنقل من كتاب ديورانت ما سطره بالحرف عن روما قبل السقوط و لا ألمح لنظام الجباية المصرى المعاصر.و الاعيب المسئولين و عدم عدالة التحصيل .
حكم العسكر و تغلغلهم في المناصب المدنية .. عامل أساسي في انهيارالأمم و تخلفها
فالعسكر (الاوليجاركية ) عندما يحكمون سواء كانوا رومان أو مماليك أو فرس أو عرب أو صينين أو يابانيين .. أوحديثا من المنقلبين أوالمغتصبين أو القافزين علي السلطة في دول جمهوريات الموز
هم في الغالب يفتقدون الي التأييد الجماهيرى أو التنظيم السياسي الداعم فيستعيضون عن ذلك بارهاب وبث الرعب في نفوس الجماهير عن طريق عصابات من البلطجة سواء كانت مرتزقه أو من المحليين الذين يزحفون علي بطونهم طلبا لتأمين لقمة العيش
و هكذا عندما جلس ( جلينس ) علي العرش (( كان ثلاثون قائدا يحكمون ثلاثين إقليما من أقاليم الإمبراطورية حكما يكاد أن يكون مستقلا عن السلطة المركزية )).
((أعفي جلينس أعضاء مجلس الشيوخ من الخدمة في الجيش و لما كانت الروح الحربية قد إنعدمت في إيطاليا فإن هذا القرار كان خاتمة الضعف العسكرى في شبه الجزيرة و كان إنشاء جيوش من أبناء الولايات و من الجنود المرتزقة و القضاء علي الحرس البريتورى و ظهور قواد من أبناء الولايات و إستيلاؤهم علي العرش (كان هذا ) سببا في القضاء علي زعامة إيطاليا بل علي إستقلالها قبل سقوط الإمبراطورية )) .

و هكذا عندما تحركت قوات البرابرة المحيطة بالإمبراطوريات القديمة المستهلكة القوى .. وجدتها من الضعف و التفكك الداخلي و التمزق الذى جعل الأمر سهلا
و قضي البدو علي جيوش مصر و فارس و روما و بيزنطة . وفي زمن حكم المسلمين قضي ( البدو و البرابرة ) علي الدولة الأموية و بعدها العباسية .. و بعدها الفاطمية ..و أخرجوا الأمويين من أسبانيا .. و أنهوا السيطرة التركية علي معظم دول الإمبراطورية العثمانية . كما لو كان قانونا لم يتوقف طول التاريخ و هكذا كانت فصول النهاية للإمبراطورية الرومانية ..
(( فقد توسع الهون في هجرتهم من شمال أسيا الغربي .... و سمح لهم بعبور الدانوب و يستوطنوا موثيزيا و لما أساء الموظفين الرومان معاملتهم في الولاية ثاروا عليهم و هزموا جيشا رومانيا كبيرا و هددوا في وقت ما القسطنطينية نفسها . ))
(( القوط الغربيين (أيضا ) في عام 400 عبروا جبال الألب و إنقضوا علي إيطاليا و عام 410 إستولوا علي روما و نهبوها )) . .. (( و الوندال عام 451 جاءوا من البحر و إستولوا علي روما و نهبوها )) . ثم تأتي النهاية
(( في عام 478 خلع الجنود البرابرة المرتزقون الذين كانوا يسيطرون علي الجيش الروماني الإمبراطور (رميلوس أوغسطولس ) و عينوا قائدهم (أدكور ) ملكا علي إيطاليا .. الذى أقر بالسيادة للإمبراطور الجالس علي العرش في القسطنطينية .. ورضي هذا الإمبراطور به ملكا تابعا له و ظلت الإمبراطورية في الشرق قائمة حتي عام 1453 م ( الف سنة بعد سقوط روما ) بينما كانت في الغرب قد لفظت و قتئذ نفسها الأخير )) .
تفسير ديورانت لهذه النهاية الكماساوية بإنه الفقر هو الذى أذل روما
((ولكن الفقر الذى حل في عام 470 بالحقول و المدن و بأعضاء مجلس الشيوخ و العامة علي السواء سحق أرواح الشعب الذى كان من قبل عظيما و أذل نفسه
فملك علية اليأس و الإستسلام قلبه و تشكك في الألهه و إستولي علية وجل كوجل الأطفال جعله يهاب تبعات الحياة .. و جبن غاضب ثائر يندد بكل إستسلام .. و يفر من جميع الواجبات الحربية
و كان يصحب هذا الإنحطاط الإقتصادى و الحيوى عفن ينخر سوسه في جميع طبقات الشعب
في أرستقراطية كان في وسعها أن تخدم و لكنها عجزت عن أن تحكم .. وفي رجال أعمال منهمكين في مكاسبهم الشخصية إنهماكا يحول بينهم و بين العمل لإنقاذ شبه الجزيرة و من قواد ينالون بالرشوة أكثر مما يستطيعون نيله بقوة السلاح .. و بيروقراطية متشعبة متضخمة خربت رواتبها خزائن الدولة و فسدت فسادا مستعصيا علي العلاج .. ))....(( و قصار القول إن جذع هذه الشجرة العظيمة قد تعفن و آن لها أن تسقط .))
في مصر بعد الإستسلام لقوات قمبيز تبدل عليها المستعمرون ( فرس إغريق رومان عرب مغاربة أكراد مماليك أتراك فرنجة فرنسية و أخرى بريطانية ) و ها هي حتي اللحظة بعد الفين و خمسمائة سنة تخضع لنفوذ الولايات المتحده .. وتوجيهات مندوبيها في المنطقة ( إسرائيل و الإمارات و السعودية) ..
يحمل مجتمعها كل أسباب السقوط و الزوال التي وصفها العقلاء .. بعد أن سقطت في شباك البنك الدولي و صندوق الدين .. و أطماع طبقة من الكومبرادور المليونيرات الذين لا يشبعون من مراكمة الأموال علي حساب شعب متعوس بسياسة جباية ظالمة متوحشة .
نختم هذا المقال بمرثية ديورانت عن نهاية الإمبراطورية الرومانية ..نستعيرها منه .. لنندب بها علي واقع الحال في بلادنا .. كما لو كانت نبوءة قادمه من سنة 1949 يوم دون ديورانت هذا الجزء من الموسوعة .
(( فقد أحل (الغزو ) صورة دنيا من الملكية ( ملك تابع ) محل صورة عليا منها .. و زادت من سلطان الأفراد و قللت من سلطان القوانين و إعتماد الناس عليها لحمايتهم .. و إشتدت النزعة الفردية و إزداد العنف ..و حطمت الهيكل الخارجي لذلك الجسم الذى تعفن من الداخل و أزالت من الوجود بوحشية يؤسف لها نظاما من نظم الحياة شاخ ووهن و بلي و فقد كل قدرة علي التجدد و النماء )).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Students in the USA are protesting in support of Palestinia


.. إسرائيليون يتظاهرون قرب منزل بيني غانتس لعقد صفقة تبادل أسرى




.. برنامج الغذاء العالمي يحذر من المجاعة في شمال قطاع غزة... فك


.. مظاهرات واعتقالات في الولايات المتحدة الأمريكية.. حراك جامعي




.. الأمم المتحدة: هناك جماعات معرضة لخطر المجاعة في كل أنحاء ال